يؤكد تدشين تحالف قوى التغيير الجذري في السودان، أمس الأحد، مرحلة جديدة من التغييرات السياسية في البلاد، ربما تُرسخ الانقسام في الصف الثوري، وتعيد ترتيب المشهد السياسي مرة أخرى.
التحالف الجديد الذي وضع هدفاً مفصلياً بإسقاط الانقلاب العسكري، واستلام السلطة منه، ورفض أي تسوية سياسية معه، يقف على رأسه الحزب الشيوعي السوداني، أحد الأحزاب الأكثر تأثيراً في الساحة السياسية، ويضمّ أيضاً تجمع المهنيين السودانيين، "دينامو" الحراك الثوري في بدايات الثورة في العام 2018، قبل إصابته بداء الانشقاقات، إضافة لأسر شهداء الثورة، ومفصولي الجيش والشرطة وتنظيمات أخرى.
ويأمل المتحالفون في انضمام تنظيمات أخرى مؤمنة بالتغيير الجذري في البلاد، مثل حركة عبد العزيز الحلو، وحركة عبد الواحد محمد نور، لكنهم لم يتركوا الباب موارباً لآخرين مثل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، المصنَّف لديهم كجزء من أزمة الدولة السودانية ونخبها المرتبطة بمصالح سياسية واجتماعية، ومتهمة من قبلهم بأنها راغبة في عقد تسويات سياسية مع المكون العسكري، تضمن استمرار تلك المصالح، كما يحمّلون مؤسسي تحالف الحرية والتغيير مسؤولية اختطاف الثورة، والتنازل للعسكر خلال الفترة الانتقالية الأخيرة، وتدهور الأوضاع المعيشية، ونهب موارد البلاد، ما يستوجب إسقاطهم جنباً إلى جنب مع الانقلابيين.
ويحدّد المؤسسون برنامجهم المستقبلي بعد إسقاط حكم العسكر، بتحقيق العدالة الاجتماعية قطاعياً ومناطقياً، وإنهاء الحرب، واستدامة السلام، وعدم التفريط في سيادة البلاد ومواردها، بالإضافة إلى تحقيق التداول السلمي للسلطة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وحل المليشيات، وتكوين جيش وطني موحد، وسحب القوات السودانية التي تقاتل خارج البلاد، في إشارة لحرب اليمن.
وبمرور يوم كامل، قوبل تدشين التحالف ببرود كبير، ولم تعلّق الكثير من الجهات، بما فيها "الحرية والتغيير" و"لا لجان المقاومة"، ولا حتى الحركات المسلحة، على الحدث، فيما تباينت ردود فعل الشارع، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ رحّبت بعضها بالخطوة، معتبرة أنها واحدة من متطلبات المرحلة لمجابهة الانقلاب وتنفيذ خطط التغيير، فيما اعتبرتها أخرى تعميقاً للانقسام في الصف الثوري، بما يتيح تمديد عمر الانقلاب، متعللاً بعدم وحدة القوى المدنية حتى تتأهل لاستلام السلطة منه، كما وعد في خطاباته الأخيرة.
إلى ذلك، نشر تنظيم الأجسام المطلبية بياناً نفى فيه أن يكون جزءاً من تحالف قوى التغيير الجذري الشامل، وخصوصاً أن المؤسسين صاغوا كلّ شيء، وطلبوا انضمام الآخرين لهم بتهميش ظاهر. لكن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني كمال كرار يراهن في حديث لـ"العربي الجديد"، على ما يمكن أن يحدثه التحالف من تأثير سياسي وميداني في الفترة المقبلة، لأنه يلامس تطلعات الثوريين بحدوث تغيير جذري، ويوحد مركز قيادة الثورة، ويتبنى شعارات اللاءات الثلاث: لا تفاوض، لا مشاركة، لا شرعية، وبالتالي يرفض بشكل جذري أي تفاوض مع العسكر.
وينفي كرار بشدة أن تكون الخطوة تكريساً للانقسامات داخل القوى المدنية، مشيراً إلى أن الذين أسسوا التحالف منذ وقوع الانقلاب هم بعيدون عن القوى الأخرى، وأردوا توحيد خطواتهم للمضي قدماً.
وينفي كرار أيضاً أن تقود الخطوة لهيمنة أكثر من الانقلاب على مقاليد السلطة بذريعة عدم اتفاق المدنيين، مبيناً أن العسكر، وحينما قاموا بانقلابهم، كانت هناك وحدة سياسية داخل الحكومة لم تمنعهم من الانقلاب، مؤكداً أن العسكر، وبعدما حاوطهم الفشل، يريدون تعليقه على شماعة المدنيين، مشدداً في المقابل على أن التحالف لن يغلق باب التفاهمات والانضمام إليه من قبل كلّ من يؤمن بالتغيير الجذري.
في المقابل، يقول القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير عادل خلف الله إن ما حدث ليس تحالفاً، إنما تعبيراً عن تيار السكرتير السياسي للحزب الشيوعي، وأن ما يقولونه ليس تغييراً جذرياً حتى بالأساس الماركسي اللينيني، لأن التنظيم لم يضم قوى سياسية واجتماعية فاعلة، بل ضم واجهات للحزب الشيوعي، حتى بدا كأنه تحالف بين الحزب الشيوعي والحزب الشيوعي، فيما وصف برنامج التحالف بأنه خطير، وتجاوز مواثيق أخرى لقوى المعارضة، عُرفت ببرنامج الإسعاف السياسي والبديل الديمقراطي.
وأضاف خلف متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن التحالف تكريس للانقسامات، انتقل به الحزب الشيوعي من خطوة تمهيده للانقلاب بمعارضته اللاموضوعية للحكومة الانتقالية المدنية، إلى خطوة جديدة بإطالة أمد الانقلاب، وقطع الطريق أمام وحدة قوى الثورة للوصول للنقطة الحاسمة بإعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني، وأشار إلى أن قيام التحالف وبرنامجه ورؤيته للآخرين، أغلق باب التفاهمات تماماً، خصوصاً مع الحزب الشيوعي الذي لا يعترف مطلقاً بالآخرين، ولا يتردد في وصفهم بالهبوط الناعم، مشيراً إلى أن أمام تحالف الحرية والتغيير طريق وحيد هو توحيد قوى الثورة للوصول لنهايات إسقاط الانقلاب.