استمع إلى الملخص
- رغم الاتفاق على حل الهيئة وتحويل مهامها إلى القضاء، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد، مع تقارير تشير إلى ضغوط من رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي لاستهداف خصومه.
- يطالب سياسيون وخبراء بتحويل ملف الهيئة إلى القضاء لضمان العدالة ومنع استغلالها، وسط اتهامات مستمرة بالانتقائية في قراراتها.
تتواصل التحذيرات في العراق من خطورة العودة لاستخدام هيئة المساءلة والعدالة لمصالح سياسية وشخصية، بغية إقصاء الخصوم السياسيين قبل الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول العام المقبل. وتعد هيئة المساءلة والعدالة إحدى المؤسسات التي استحدثت بعد الغزو الأميركي للعراق، وتعمل على إبعاد أعضاء حزب البعث العراقي السابق والضباط بالأجهزة الأمنية من المشاركة في العملية السياسية أو العمل في مؤسسات الدولة الحالية، لكن الهيئة التي كانت تُعرف سابقا باسم "اجتثاث البعث"، تحولت لاحقا أداةً لتصفية خصومات، وبعضها أخذ جانبا طائفيا.
وقبيل تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اتُّفق على حل الهيئة وتحويل الإجراءات المتعلقة بها إلى القضاء ليكون الملف قضائيا بعيدا عن السياسة والحسابات الشخصية بين قادة القوى والكتل السياسية، غير أنه لغاية الآن لم يتحقق شيء من هذا الاتفاق.
وذكرت تقارير صحافية محلية في بغداد، وأخرى، أن ضغوطات سياسية يمارسها رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي على هيئة المساءلة والعدالة، بهدف وضع خميس الخنجر، رئيس حزب السيادة، أكبر الأحزاب العربية السنية، على لائحة إجراءات الهيئة التي من شأنها منعه من دخول الانتخابات المقبلة، في ظل خلافات داخل الهيئة بسبب تلك الضغوط التي تأتي ضمن مساعي ضرب الخصوم السياسيين.
وحتى الآن، لم يصدر عن الهيئة ما يؤكد هذه التقارير أو ينفيها، لكن رئيس الدائرة الإعلامية لحزب السيادة زيد عبد الوهاب الأعظمي قال، في تعليق له على حسابه في منصة إكس، إن "استخدام مؤسسات السلطة وهيئاتها مثل (هيئة المساءلة) لتصفية الحسابات السياسية وضرب المنافسين هو عار على العدالة، وابتزاز رسمي يقوده متنفذون مزورون"، في إشارة إلى رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الذي أقيل بقضية تزوير محاضر رسمية.
وأكد الأعظمي أن "إشاعة أخبار استدعاء رئيس حزب السيادة هيئةَ المساءلة والعدالة يضع القضاء أمام مسؤولية حماية مؤسسات السلطة من الرشوة وشراء الذمم لدوافع سياسية مفضوحة".
وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، أبعدت هيئة المساءلة والعدالة عشرات الآلاف من العراقيين عن ممارسة العمل السياسي أو الحكومي، ضمن إجراءات تتعلق بالعمل مع حزب البعث أو الأجهزة الأمنية، غير أن العديد حصلوا على "استثناء" للعمل، وهو ما اعتبر تسييسا للهيئة وإنفاذًا للمصالح الشخصية والحزبية فضلا عن الحسابات الطائفية في منح تلك الاستثناءات.
في غضون ذلك، حذر عضو البرلمان العراقي السابق محمد الطائي، في حديث لـ"العربي الجديد"، من استخدام ورقة الهيئة لغرض "الابتزاز السياسي، وإبعاد الخصوم"، مضيفا أن "رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، الذي استخدم هذه الورقة لإبعاد وضرب بعض خصومه السياسيين، يحاول تكرارها اليوم، ولهذا نخشى من العمل عليها خلال المرحلة المقبلة من قبله، عبر نفوذه السياسي". وأضاف: "هذا الملف يجب أن يبقى بيد القضاء، وتكون هناك جهة قضائية مختصة تدير الملف، حتى يكون بعيدا عن أي استغلال سياسي وانتخابي من قبل أي طرف سياسي، خاصة أن أغلب الذين شملوا بقرارات الهيئة، من سياسيين ومرشحين وغيرهم، بسبب رغبات سياسية، مقابل ذلك هناك استثناءات منحت لبعضهم أيضا بسبب مصالح وصفقات سياسية، وهذا ما يؤكد عدم عدالة عمل الهيئة".
بدوره، اعتبر عضو حزب السيادة إبراهيم الدليمي أن "استخدام ورقة هيئة المساءلة لضرب الخصوم السياسيين حاضرة قبل كل انتخابات، لضرب الخصوم"، مبينا لـ"العربي الجديد" أنه "بحسب الاتفاق السياسي الذي على أثره تشكلت حكومة السوداني الحالية، فإن حل هيئة المساءلة والعدالة كان من أبرز المطالب والشروط للقوى السياسية السنية، وتحويل هذا الملف بشكل كامل إلى القضاء، ولا يمكن الاستمرار بعمل الهيئة رغم مرور أكثر من عشرين سنة على تغيير نظام الحكم في العراق".
أما الخبير بالشأن السياسي العراقي مهند الراوي، فقال لـ"العربي الجديد" إن "عودة التهديد والابتزاز عبر ورقة المساءلة ليس بالأمر الجديد على القوى السياسية، لإقصاء المنافسين قبل الانتخابات"، مبينا أن "المخاوف حقيقة من استخدام هذه الورقة ضد جهات وشخصيات سياسية سنية من قبل متنفذين داخل القوى السنية أو الشيعية".
وأكد أن "هناك أطرافاً سياسية مختلفة ما زالت تعمل حتى هذه الساعة على عرقلة أي جهود لحل هيئة المساءلة والعدالة وتحويل الملف إلى الجهات القضائية المختصة، حتى تبقى هذه الورقة بيدها تستخدم للابتزاز السياسي ولضرب الخصوم ولإبعاد أي شخصية ومرشح يمكن أن يشكل تهديد على نفوذ بعض الشخصيات، خاصة في المناطق السنية".
وأقرّ قانون الاجتثاث عقب الغزو الأميركي للعراق، عام 2005، ونص عليه الدستور العراقي، وترتبت على أثره إقالة عشرات آلاف العراقيين من وظائفهم، ومصادرة أملاك آلاف آخرين وإحالة قسم للقضاء، إلا أن كتلاً سياسية مختلفة تواصل المطالبة بتفعيلات جديدة فيه وضمانه فعاليته في الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية العام المقبل، بهدف ما تسميه منع وصول البعثيين إلى البرلمان.
وتواجه هيئة "اجتثاث البعث"، التي تحوّل اسمها إلى هيئة المساءلة والعدالة، اتهامات واسعة بالانتقائية في إصدار أحكام الإقصاء أو الإقالة من المؤسسات والدوائر الرسمية، استجابة لضغوط من قبل قوى مؤثرة على المستوى السياسي.