تواصل الحكومة الباكستانية، برئاسة شهباز شريف، بحسب إعلاناتها الرسمية، مساعيها لجمع الأحزاب السياسية والدينية في باكستان من أجل ترسيم خطة شاملة ومجدية لمواجهة موجة جديدة من أعمال العنف، وصلت أخيراً إلى عمق البلاد، بعدما ضربت مناطق الشمال والجنوب الغربي المحاذية لأفغانستان.
وتشدّد إسلام أباد، على لسان أكثر من مسؤول حكومي، على أنه خلال هذه الفترة العصيبة أمنياً ومعيشياً، تحتاج البلاد إلى لمّ الشمل وتوحيد كلمة التيارات والأحزاب السياسية والدينية لـ"مواجهة الإرهاب". غير أن هذه الحكومة، وعلى النقيض من دعوات لمّ الشمل، تواصل حملة تستهدف القادة السياسيين المعارضين لها بذرائع عدة، ما يعتبره مراقبون عقبة في وجه مساعيها لكبح الهجمات. كما يتحدث المراقبون للوضع الباكستاني عن مؤشرات تتراكم بشأن احتمال تأجيل الانتخابات المقرّرة في نهاية العام الحالي.
الحكومة الباكستانية تفشل في "لمّ الشمل"
وبعد المجزرة التي شهدتها مدينة بيشاور، عاصمة إقليم بيشاور، في شمال غربي باكستان، في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي نجمت عن عملية انتحارية أدت إلى مقتل 101 شخص، جلّهم من عناصر وضبّاط الشرطة، بدأت الحكومة الباكستانية تنادي بضرورة توحّد كلمة القوى السياسية وصنّاع القرار.
فشل شهباز شريف حتى الآن في عقد مؤتمر جامع للأحزاب
ومن أجل هذا الهدف، أعلن رئيس الوزراء شهباز شريف عن عقد مؤتمر للأحزاب السياسية والدينية، كان مقرراً بدايةً في 6 فبراير/ شباط الحالي. لكن مع رفض رئيس الوزراء السابق عمران خان المشاركة في المؤتمر، أعلنت الحكومة تأجيله إلى 9 فبراير، ثم إلى أجل غير محدد، بحجة زيارة رئيس الوزراء إلى تركيا للتعزية بضحايا الزلزال المدمر (يصل شريف إلى تركيا اليوم الخميس بحسب وكالة "الأناضول")، على أن يعلن لدى عودته إلى إسلام أباد تاريخاً جديداً لعقد المؤتمر.
بدورهما، وعد كلّ من وزير الدفاع خواجه أصف، ووزير الداخلية رانا ثناء الله، عقب هجوم بيشاور، بأن تحضر قيادات الجيش والأمن والاستخبارات اجتماعاً مهماً للبرلمان قريباً، لتقديم إيجاز حول المذبحة وما يجري في البلاد حالياً من الناحية الأمنية، على أن يقدم البرلمان من جهته المشورة والاقتراحات إلى أجهزة الأمن، والتي على ضوئها سيتم رسم خطة أمنية مستقبلية لمواجهة الإرهاب.
غير أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن، ولا يتوقع مراقبون حدوثه في الوقت القريب، لأن للاستخبارات والمؤسسة العسكرية في باكستان، والتي تسيطر على قطاع الأمن بشكل كامل، حساباتها وخططها الخاصة، وهي لا تعتمد كثيراً على السياسيين والبرلمان. ويتعزز هذا الاعتقاد في ظل وجود انقسام كبير بين الأحزاب السياسية التي خسرت من ثقلها، وبالتالي لا يوجد ما يُرغم المؤسستين الأمنية والعسكرية على التشاور معها أو الإصغاء إليها.
وحول جهود الحكومة الرامية إلى جمع الأحزاب لمواجهة تصاعد موجة العنف في البلاد، يرى الإعلامي والكاتب عبد الله مهمند، والذي يعمل في صحيفة "دان" المحلية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حكومة شريف أعلنت عزمها على عقد مؤتمر الأحزاب مرتين، لكن باعتقاده، فإن المؤتمر لم ولن يعقد، وذلك لأن معظم الأحزاب السياسية والدينية في البلاد شريكة في هذه الحكومة.
ويلفت مهمند إلى أن الجهة الوحيدة الخارجة عن الحكومة، والتي لها نفوذ كبير وقوي، هي حزب رئيس الوزراء عمران خان (حركة الإنصاف)، وهذا الحزب لن يقبل المشاركة في المؤتمر، لأنه يرى أن لا جدوى منه، وهو اعتقاد قد يشاطره فيه كثيرون.
وبرأي مهمند، فإن عمران خان "يرى، كما كثر من المراقبين، أن الحل الوحيد هو إجراء انتخابات عامة، ما يعني أن مساعي الحكومة لن تتكلل بالنجاح".
أما بشأن مصير الانتخابات المقبلة، فيعتبر مهمند أن الحكومة الباكستانية تحاول المضي قدماً وتحقيق إنجازات حتى موعد الانتخابات العامة، المرتقبة في نهاية العام الحالي، لكن مصير هذا الاستحقاق يواجه الكثير من العراقيل، ولعلّ أبرزها يتعلق بالوضع الأمني السائد في البلاد، وهو ما أعربت عنه المؤسسة العسكرية، الأسبوع الماضي، حين اعتذرت عن توفير الحماية اللازمة للانتخابات الفرعية بحجة انشغال القوات الأمنية بالوضع الأمني.
وبرأي الإعلامي والكاتب في صحيفة "دان"، فإن العقبة الثانية تتمثل بضرورة تشكيل حكومة لتصريف الأعمال قبل الانتخابات، لكن أحوال البلاد الأمنية والمعيشية لن تسمح بذلك، لأن مثل هذه الحكومة لن يكون بإمكانها اتخاذ خطوات جريئة، والبتّ في القرارات المصيرية.
لم تبد المؤسسة العسكرية رغبة واضحة بعد في إحاطة البرلمان بجهود مكافحة الإرهاب
أما المشكلة الأساسية التي تقف في وجه إجراء الانتخابات، بحسب مهمند، فتتمثل بعمران خان نفسه، إذ إن الحكومة الحالية تدرك جيداً أنه سيفوز مجدداً في الانتخابات إذا أجريت في موعدها، في ظلّ الأحوال المعيشية الصعبة السائدة في البلاد، ولعلّ هذا أكثر ما تخشاه الأحزاب المشاركة في الحكومة، ما يجعلها غير راغبة بإجراء الانتخابات في الوقت الحالي، على حدّ قوله.
المؤسسة العسكرية في موقف صعب
أما على مقلب المؤسسة العسكرية في باكستان، فيرى مهمند أنها لا تتدخل في السياسة حالياً بقدر ما كانت عليه في زمن قائد الجيش السابق الجنرال قمر جاويد باجوه، غير أنها في الوقت ذاته لا تستطيع أن تسحب يدها بشكل كامل من السياسة. ولذلك، بحسب تفسيره، أسباب عدة، داخلية وخارجية.
وبرأيه، فإن المؤسسة العسكرية منشغلة حالياً بترميم ما دُمّر من وضعها وحيثيتها بسبب تدخلاتها القوية في السياسة، لكنها مرغمة رغم ذلك على مواصلة مراقبة الوضع، وهي لا تريد بأي حال عودة خان إلى السلطة.
وسبب ذلك، أولاً عدم قدرتها على التوافق معه، ولأن الكثير من الدول الجارة لباكستان في المنطقة، ودولاً أخرى، لا ترغب في عودة زعيم "حركة الإنصاف" أيضاً إلى رئاسة الحكومة، مثل السعودية والولايات المتحدة وغيرهما. وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية، بحسب الكاتب، لا يمكنها مغادرة الساحة السياسية بشكل كامل، غير أنها تقف حالياً في موضع صعب وحرج من دون شكّ.
من جهته، يعتبر المحلل السياسي عبد الله سدوزاي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأحوال في باكستان بعد مذبحة بيشاور تختلف عمّا كانت عليه قبل المذبحة. ويرى سدوزاي أن "الضغوط تتزايد في البلاد، بينما المؤسسة العسكرية لم تعد بتلك القوة التي كانت عليها في السابق".
وباعتقاده، فإن هذه المؤسسة تحاول التقريب بين المعارضة والحكومة لإيجاد حلّ للمشاكل التي تواجه البلاد اقتصادياً وسياسياً. ولأن الجميع يعرفون أن المؤسسة العسكرية والاستخبارات تلعبان بقوة من وراء الكواليس، فإن جميع الأنظار تتجه ناحيتها، بحسب رأيه، مضيفاً أن هذه المؤسسة تبدو حتى الآن عاجزة عن إيجاد حلّ وسط يرضي الحكومة والمعارضة، وهي غير قادرة على اتخاذ قرار بالتحرك أحادياً، من دون أخذ رأي الأحزاب السياسية في عين الاعتبار.
وبشأن موقف المعارضة، وتحديداً عمران خان، يرى المحلّل السياسي أنها لا ترغب في الوقت الراهن بالاقتراب من الحكومة، لأن ذلك يفقدها الشعبية، وهي لا تريد فعل ذلك خصوصاً عندما تكون الانتخابات العامة قريبة.
عبد الله مهمند: المؤسسة العسكرية منشغلة بترميم ما دُمّر من وضعها وحيثيتها بسبب تدخلاتها القوية في السياسة
ومن جهة الحكومة، فإنها بحسب سدوزاي، تُصّر أيضاً على استهداف معارضيها بشتى الطرق، ومنها من خلال الاعتقالات، التي تربطها بقضايا غير واقعية وتسجيل دعاوى في المحاكم، في ظلّ بقاء اهتمامها الأكبر محصوراً بالحفاظ على السلطة بدلاً من معالجة القضايا المصيرية.
كما أن المشكلة الرئيسية برأيه، هي أن التحالف الحاكم مكون من 11 جماعة سياسية ودينية، يعتبر الحفاظ على وحدتها وتماسكها في حدّ ذاته تحدياً كبيراً لرئيس الوزراء شهباز شريف وللمؤسسة العسكرية.
حملة اعتقالات تستهدف المعارضين
ويعتبر الأكاديمي الباكستاني زين العابدين محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الانتقام السياسي ديدن الحكومات المتعاقبة في باكستان"، وهو ما ينطبق على الحكومة الحالية.
ويرصد محمد كيف أن حكومة شهباز شريف اعتقلت وزير الداخلية السابق شيخ رشيد، وهو سياسي معروف، إلى جانب وزير القانون السابق فواد شودري، والعضو في مجلس النواب والقيادي في حزب خان أعظم سواتي، وغيرهم العشرات من المعارضين للحكومة.
ويلفت الأكاديمي إلى أن جميع هؤلاء اعتقلوا في قضايا هشّة، مثل اعتقال رشيد، لأنه استخدم كلمات غير مناسبة في حق الرئيس السابق أًصف زرداري، المتحالف مع الحكومة، وأيضاً شودري الذي اعتقل بحجة استعماله كلمة غير مناسبة في حق لجنة الانتخابات الوطنية، وغيرهما، معتبراً أن الحكومة تبدو وكأنها تعمل على القضاء على اللحمة الوطنية بدل تعزيزها، بسبب هذه التصرفات.
يشار إلى أن وزير الداخلية الباكستاني رانا ثناء الله أعلن في 11 من الشهر الحالي، خلال مؤتمر صحافي عقده في مدينة كراتشي، أن الحكومة الباكستانية قرّرت اعتقال وزير الخزانة السابق شوكت ترين في قضايا فساد، من دون أن يستبعد اعتقال عمران خان. وبعد يوم، في 12 فبراير، أكد خان أن الحكومة تعتزم اعتقاله وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لسحب أهلية المشاركة في العمل السياسي عنه، قبل موعد الانتخابات.
تأجيل الانتخابات احتمال وارد
ويرى زين العابدين محمد أن الحكومة تعمل حالياً على خطة لتأجيل الانتخابات العامة، وهي تملك مبررات كثيرة للتأجيل، من أبرزها الأزمة المالية والأمنية، ويشير في هذا الصدد، إلى اعتذار وزارة الاقتصاد، الأسبوع الماضي، عن توفير الميزانية لإجراء الانتخابات الفرعية في كل من إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا، واعتذار المؤسسة العسكرية عن توفير الحماية لها.
ويعتبر الأكاديمي الباكستاني أن ذلك مؤشر وتمهيد لتأجيل الانتخابات العامة أيضاً، موضحاً أن الوضع المعيشي الصعب والغلاء المستشري يرغمان أيضاً الحكومة على التأجيل، علماً أن إجراء الانتخابات في الوقت الحالي لا يصب في صالحها، بعدما فقدت شعبيتها بشكل كامل.