عكس قرار تجميد صلاحيات إحدى أبرز الشخصيات في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة" سابقاً) أبو ماريا القحطاني، وصول الخلافات لأول مرة داخل الهيئة إلى مستوى الصف الأول من القادة، بعد أن كانت الهيئة منذ تأسيسها تظهر بمظهر التنظيم المتماسك غير القابل للاختراق، والقادر على إقصاء كل الفصائل التي تقف في طريق سيطرتها على محافظة إدلب، سواء بالقضاء النهائي عليها أو بدمجها ضمن الهيئة.
كذلك بدأت الهيئة بالتمدد خارج حدود محافظة إدلب من خلال اختراق فصائل "الجيش الوطني السوري"، ومساندة فصائل منه في وجه أخرى، ووضع أدوات تحكم أمنية لها في ريف حلب الشمالي الذي يسيطر عليه "الجيش الوطني".
إلا أن قرار تجميد صلاحيات أبو ماريا القحطاني، وربما اعتقاله، أو وضعه ضمن إقامة جبرية، وهو الذي يقود تياراً عريضاً ضمن الهيئة، وسبق له أن شغل منصب الشرعي العام لـ"جبهة النصرة"، ورئيس مجلس الشورى في الهيئة، يدل على مجموعة من المؤشرات التي ربما تهدد تماسك التنظيم، الذي يضم مجموعة من التيارات المتباينة في الرؤى العقائدية، تجمع فيما بينها مصالح مشتركة، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال اتحاد تلك التيارات تحت مظلة الهيئة.
ولعل أبرز المؤشرات في الخلاف الأخير هو أن هناك تنافساً كبيراً على التحكم بمفاصل الهيئة الأمنية والاقتصادية، ليس فقط بين التيارات العقائدية داخلها، وإنما هناك صراع مناطقي بين تلك التيارات.
فأبو ماريا القحطاني كان ومنذ سيطرة "جبهة النصرة" سابقاً على محافظة دير الزور من منظري التيار الذي يعمل على كسب الحاضن الشعبي وإقناعه بفكر تنظيم الجبهة، في مواجهة تيار كان يقوده الأردني سامي العريدي، والذي يدعو إلى فرض أفكار الجبهة بالقوة على سكان المناطق التي تسيطر عليها.
وقد أكسب هذا الأمر القحطاني شعبية كبيرة في المنطقة الشرقية، والذي انعكس في موالاة مكونات المنطقة الشرقية ضمن الهيئة لاحقاً للقحطاني.
والخلاف الأخير داخل مكونات الهيئة أخذ طابعاً مناطقياً أي مكونات المنطقة الشرقية الموالية للقحطاني ومكونات مدينة بنش وما حولها التي يقودها صهر الجولاني والأمني في الهيئة "المغيرة"، الأمر الذي ربما يؤدي إلى خلافات مستقبلية بين مكونات مناطقية أخرى.
أما المؤشر الآخر فهو أن الهيئة، ورغم قضائها على التنظيمات الأكثر تشدداً، إلا أنها تضم ضمن مكوناتها تيارات متشددة، ربما تستغل أي حالة خلاف لمحاولة فرض رؤيتها العقائدية، وبالتالي بروز خلافات على أساس عقائدي.
طبعا هذا بالإضافة إلى أن سكان المنطقة، الذين يخضعون لسلطة أمر واقع من قبل الهيئة، ربما يدفعهم ظهور خلافات داخل مكونات الهيئة للثورة عليها.