شكّل إعلان كوريا الشمالية، الثلاثاء الماضي، أنها وضعت بنجاح قمراً اصطناعياً للتجسّس في المدار، وبدء التقاط "ماليغيونغ - 1" صوراً لقواعد أميركية وكورية جنوبية، ذروة التوترات مع سيول التي أعلنت تعليقاً جزئياً لـ"الاتفاقية العسكرية الشاملة" الموقعة في عام 2018 مع بيونغ يانع.
غير أن الأمور اتخذت منحى خطيراً مع ردّ كوريا الشمالية بتعليق الاتفاقية بالكامل، وإرسال قوات إلى الحدود لإعادة إنشاء نقاط حراسة كانت قد أُزيلت بموجب الاتفاقية. وأجرت كوريا الشمالية تجارب صاروخية عدة في الأشهر الماضية، إذ أن "ماليغيونغ - 1" كان في سياق المحاولة الثالثة لبيونغ يانغ لإطلاق قمر للتجسس، بعد محاولتين فاشلتين في مايو/أيار وأغسطس/آب الماضيين.
ودائماً ما كان رد سيول على التجارب يتمحور حول التأكيد على ضرورة تفعيل التحالف الثلاثي، الذي يضمّ كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، للردّ على التجارب الشمالية.
لكن نجاح وضع القمر الاصطناعي التجسسي في المدار هذه المرة جاء ليثير قلق سيول، لأن من شأن عمله بفعالية أن يحسّن قدرة كوريا الشمالية على جمع المعلومات الاستخبارية، لا سيما فوق كوريا الجنوبية، وتوفير بيانات أساسية في أي نزاع مسلح.
تعليق "الاتفاقية العسكرية الشاملة"
وهو ما يفسر الخطوات التصعيدية التي اتخذتها سيول عبر التعليق الجزئي لـ"الاتفاقية العسكرية الشاملة"، الموقعة في 19 سبتمبر/أيلول 2018. في ذلك العام، سافر الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي - إن إلى بيونغ يانغ لعقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون، وذلك ضمن مسعاه لإرساء مسار تصالحي يهدئ التوترات في شبه الجزيرة الكورية.
ونصّت الاتفاقية على هدم نقاط الحراسة الحدودية على بعد كيلومتر واحد من الحدود بين البلدين، وحظر التدريبات والمناورات العسكرية بالقرب من الحدود البرية والبحرية، وإقامة مناطق حظر جوي على طول الحدود. ودمّر الجانبان حينها 11 نقطة حراسة لكل منهما، وتم سحب القوات والأسلحة منها.
وتقدر كوريا الجنوبية أن جارتها الشمالية كان لديها حوالي 160 موقع حراسة على طول المنطقة منزوعة السلاح، بينما كان لدى الجنوب 60 موقعاً.
عُلّقت "الاتفاقية العسكرية الشاملة" بين البلدين أخيراً
والحدود بين الكوريتين، المنبثقة من حربهما بين عامي 1950 و1953، اصطُلح على تسميتها بـ"خط الهدنة" أو "المنطقة منزوعة السلاح"، على اعتبار أن الدولتين لم توقعا اتفاقية سلام، بما يجعل الهدنة بينهما من الأطول بين الدول في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). وجاء رد بيونغ يانغ على خطوة سيول ليزيد التوتر في المنطقة الحدودية.
وأفاد الجيش الكوري الجنوبي، أمس الاثنين، بأن كوريا الشمالية أرسلت قوات إلى حدودها الجنوبية لإعادة نصب نقاط حراسة أزالتها بموجب اتفاقية عام 2018.
ونقلت وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية للأنباء، عن مسؤول عسكري في سيول قوله، إن جنودا كوريين شماليين شوهدوا "وهم يعيدون بناء مراكز حراسة اعتباراً من الجمعة (الماضي)"، متوقعاً إعادة 11 نقطة حراسة أزيلت بموجب الاتفاقية. وأظهرت صورة نشرها الجيش الكوري الجنوبي أربعة جنود كوريين شماليين يعيدون بناء برج مراقبة في المنطقة منزوعة السلاح الفاصلة بين البلدين.
وكشف مسؤولو وزارة الدفاع الكورية الجنوبية عن صور تظهر جنوداً كوريين شماليين يقومون بتركيب نقاط حراسة مؤقتة، ويحملون ما يبدو أنها بنادق عديمة الارتداد، ويقفون للحراسة ليلاً داخل المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين.
ونقلت "يونهاب" عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الكورية الجنوبية قوله إنه "قبل تدمير نقاط الحراسة كانت هناك نقاط مراقبة، ويُعتقد أنهم يقومون ببنائها من جديد. كانت مصنوعة من الخشب الأبيض ومطلية بنمط مموه". وأضاف: "لا يوجد سوى عدد قليل من نقاط الحراسة التي تخضع حالياً لأعمال الترميم، لكن من المتوقع أن تقوم (كوريا الشمالية) بترميمها جميعاً، لأنها منشآت أساسية للمراقبة".
بدورها، نشرت كوريا الجنوبية "قدرات مراقبة واستطلاع" عند الحدود منذ إطلاق قمر التجسس الكوري الشمالي، وقد اعتبر الجيش الكوري الجنوبي هذه الخطوة "إجراءً أساسياً" للدفاع عن البلاد في وجه تهديدات كوريا الشمالية المتنامية.
وأكدت وزارة الدفاع في سيول في بيان أن "جيشنا سيراقب عن كثب استفزازات كوريا الشمالية، وسيحافظ في الوقت نفسه على حالة تأهب كامل، ليتمكن من الرد على استفزازات بيونغ يانغ على الفور وبقوة وحتى النهاية، بناءً على الموقف المشترك المعزز مع الولايات المتحدة".
أمر الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك ـ يول بالحفاظ على "حالة التأهب العسكري الصارم"
وقال الرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة في سيول، الجنرال كيم ميونغ ـ سو، الذي تولى منصبه يوم السبت، إن الجيش الكوري الجنوبي سيتخذ "إجراءات متناسبة" رداً على الخطوة الأخيرة لكوريا الشمالية، من دون الخوض في تفاصيل. وقال كيم خلال أول اجتماع له مع الصحافيين أمس الاثنين إن "الأمر يعتمد على سلوك العدو. كوريا الشمالية هي التي اتخذت إجراءات وكسرت الثقة.. سنتخذ الإجراءات المتناسبة. عدم الرد سيكون أكثر حماقة".
تأهب عسكري صارم في سيول
من جهته، أمر الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك ـ يول، أمس، بالحفاظ على "حالة التأهب العسكري الصارم" وسط تصاعد التوترات مع كوريا الشمالية.
وقال المتحدث الرئاسي لي دو ـ وون إن يون أصدر التعليمات بعد أن أطلعه وزير الدفاع شين وون ـ سيك ورئيس هيئة الأركان المشتركة كيم ميونغ ـ سو على الوضع الأمني. ونقل المتحدث عن يون قوله إنه "بينما نراقب تحركات كوريا الشمالية بدقة، يجب أن نحافظ على حالة التأهب العسكري الصارم حتى يشعر مواطنونا بالأمان".
ورداً على ذلك، أكدت بيونغ يانغ، التي تملك السلاح النووي، أنها "ستنشر قوات مسلحة بشكل أقوى مع معدات عسكرية من نوع جديد في المنطقة على امتداد خط التماس العسكري" الفاصل بين الكوريتين. وحذرت كوريا الشمالية أمس من أنها ستواصل ممارسة حقوقها السيادية، بما في ذلك إطلاق الأقمار الاصطناعية.
ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية عن وزارة الخارجية قولها، إن "إطلاق قمر اصطناعي للاستطلاع الأسبوع الماضي كان بدافع الحاجة إلى مراقبة الولايات المتحدة وحلفائها". وذكر تقرير الوكالة أن "هذه طريقة قانونية وعادلة لممارسة حقها (كوريا الشمالية)، في الدفاع عن نفسها، والرد الشامل، والمراقبة الدقيقة للنشاط العسكري الخطير الذي تقوم به الولايات المتحدة وأتباعها".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)