على الرغم من الرفض الروسي الرسمي للعملية البرية التركية المرتقبة ضد الأكراد في شمال سورية، إلا أن ثمة إجماعا بين خبراء ومحللين سياسيين في موسكو على أن رد الفعل الروسي لن يصل إلى حد الإدانة الصريحة، بل ستكتفي روسيا بالدعوات للتهدئة والجهود الدبلوماسية لتخفيف حدة التوتر.
ومع ذلك، تسعى موسكو لمواصلة الاتصالات مع أنقرة و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، لمنع أي تصعيد هام لعملية "المخلب - السيف" التي أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإجرائها ضد "حزب العمال الكردستاني" في شمال سورية والعراق، رداً على الهجوم الإرهابي في شارع الاستقلال وسط إسطنبول في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
يرجح كيريل سيميونوف عدم دخول روسيا في مواجهة مباشرة مع تركيا إذا بدأت العملية البرية
ويرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف أن روسيا تعتبر أي عمليات تركية في سورية غير مشروعة، مرجحاً أن تلجأ موسكو لأساليب دبلوماسية لثني أنقرة عنها، ولكن من دون الدخول في المواجهة المباشرة معها في حال بدأتها.
نفس المقاربة الروسية بشأن العمليات الأجنبية
ويقول سيميونوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "بشكل عام، تحافظ روسيا على نفس المقاربة حيال أعمال أي دولة أجنبية في سورية، معتبرة أن أي عمليات هناك يجب ألا تجري من دون موافقة الحكومة السورية، أي حكومة بشار الأسد، وأي عمليات أخرى غير مشروعة، وبالتالي تسعى لمنعها، وهو ما تحدث عنه مسؤولون روس، بمن فيهم مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتييف".
وكان لافرينتييف قد دعا أنقرة، الأسبوع الماضي، إلى "قدر من ضبط النفس" لمنع استمرار التصعيد في كافة أنحاء سورية، وليس فقط في شمالها، مؤكداً أن روسيا قامت خلال الأشهر الأخيرة بكل ما بوسعها لمنع تركيا من شن "عملية عسكرية هجومية واسعة النطاق" في سورية.
وحول رؤيته لرد فعل موسكو المحتمل على بدء العملية العسكرية التركية في سورية، يضيف سيميونوف: "ستسعى روسيا لإقناع تركيا بأساليب دبلوماسية بالعزوف عن إجراء مثل هذه العملية، أو تنسيق جميع أعمالها مع دمشق الرسمية لإضفاء الشرعية عليها".
ويتابع: "من جانب آخر، تسعى موسكو للعمل مع المجموعات اليسارية الراديكالية الكردية في سورية لإقناعها بالوفاء بالقسم الخاص بها من مذكرة سوتشي، والانسحاب من المنطقة ذات امتداد 32 كيلومتراً كما هو منصوص عليه. لكن روسيا لن تقوم بأي أعمال عسكرية ضد تركيا، حتى في حال بدأت عمليتها العسكرية".
العملية التركية تندرج ضمن حملة الانتخابات
من جهته، يعتبر الإعلامي السوري المعارض المقيم في موسكو، نصر اليوسف، أن العملية البرية التركية المرتقبة في الشمال السوري تندرج ضمن حملة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في تركيا العام المقبل، جازماً بأن روسيا لن تتخذ موقفاً متشدداً منها.
ويقول اليوسف، في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن العملية البرية المرتقبة يحتاج إليها حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا والرئيس أردوغان شخصياً، وذلك لاعتبارات انتخابية أكثر منها أمنية، ولهذا فإنه من المستبعد أن يتخذ الروس موقفاً متصلباً منها، لأنه من مصلحة روسيا و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين شخصياً، أن يستمر الوضع في تركيا على ما هو عليه، في ظل العلاقات القوية بين البلدين، رغم ما يعتريها من خلافات".
وحول رؤيته للتحركات الدبلوماسية التي تتخذها روسيا مع "قسد" والأتراك، يضيف: "تريد روسيا أن تقنع الأتراك وقسد بالقبول بسيطرة قوات النظام على الحدود السورية التركية، ولكن قسد تلقت تحذيراً من رعاتها الأميركيين من المضي بعيداً في العلاقات مع النظام. ومن المؤكد أن قسد لا تستطيع أن تغضب الأميركيين".
ويخلص اليوسف إلى أن "الأتراك إذا أصروا على تنفيذ عملية برية في مناطق سيطرة قسد، فإنها ستكون محدودة، عملاً بالمبدأ القائل: لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، لكي يسجل أردوغان وحزبه نقاطاً أمام الناخبين، ويؤدبا الأكراد من دون إغضاب روسيا".
جهود روسية لإعادة الفرات للنظام السوري
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أكدت، في مؤتمر صحافي أول من أمس الأربعاء، أن موسكو "تبذل جهوداً لتشجيع الحوار بين ممثلي الإدارة (الذاتية الكردية) التي نصبت نفسها في شمال شرقي سورية والحكومة السورية لإعادة الفرات إلى حيز الدولة السورية".
واعتبرت أن "العقبة الرئيسية لا تزال تتمثل في الوجود العسكري الأميركي غير الشرعي. الأميركيون يدعمون المشاعر الانفصالية لبعض قادة الأكراد السوريين ويتبعون بشكل علني خطاً لفصل هذه الأراضي عن دمشق".
نصر اليوسف: تريد روسيا أن تقنع الأتراك وقسد بالقبول بسيطرة قوات النظام على الحدود السورية التركية
وتابعت: "تحدثنا مراراً عن هذا الأمر ونتواصل مع الممثلين الأكراد، ونؤكد باستمرار فكرة أن المراهنة على التحالف مع واشنطن بدلاً من بناء تفاعل طبيعي مع الحكومة المركزية لسورية تعكس قصر النظر ولا تأتي إلا بنتائج عكسية". وبعد أن حذرت تركيا من إطلاق عملية برية، قالت زاخاروفا إن "موسكو تنطلق من حقيقة أن إنشاء تنسيق بين أنقرة ودمشق يفي بمهام ضمان أمن موثوق في المنطقة الحدودية".
وكان المتحدث باسم "قسد" أرام حنا أكد، في تصريحات صحافية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إجراء لقاءات مع الجانب الروسي، ضمن ما وصفه بأنه مساعي خفض التصعيد في إطار الحفاظ على الاستقرار ومنع وقوع أي تدخل عسكري تركي في شمال سورية.