أكد مصدر مصري رفيع المستوى أن القاهرة "ترفض بشدة، وحتى الآن" الخطة التي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أول من أمس الثلاثاء، بقوله إنه اتفق مع الجانب الإسرائيلي على "دخول بعثة أممية إلى شمال قطاع غزة لبحث عودة الفلسطينيين إلى منازلهم". وقال المصدر لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تتعرض لضغوط شديدة للموافقة على الرؤية الأميركية الإسرائيلية الخاصة بمرحلة ما بعد الحرب في غزة، وذلك باستخدام ورقة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه البلاد".
يُذكر أن كلاً من وزيري المالية محمد معيط والتعاون الدولي رانيا المشاط، ومحافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله، التقوا في واشنطن، أول من أمس الثلاثاء، وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، التي قالت في بيان إن بلادها تدعم بشكل "قوي" مصر وبرنامجها للإصلاح الاقتصادي، مشددة على "هدف تعزيز الاقتصاد المصري ودعم النمو الشامل والمستدام، في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري بسبب الصراع في غزة".
القاهرة تتخوف من أن التصور الأميركي حول البعثة التي تحدث عنها بلينكن يختلف عما هو معلن
وأضاف المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن "القاهرة تتخوف من أن التصور الأميركي حول البعثة التي تحدث عنها بلينكن، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في تل أبيب، يختلف عما هو معلن، إذ إن طبيعة هذه البعثة لن تكون أممية، بمعنى أن الأمم المتحدة هي التي ستكون صاحبة القرار بشأنها، لكنها في الأغلب سيتم تشكيلها بمعرفة الولايات المتحدة، وقد تضم قوات عربية أو مراقبين متعددي الجنسيات، ليس من بينها مصر حتى الآن".
لا ثقة بأهداف الولايات المتحدة في غزة
وفي التعليق على ذلك، قال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور مختار الغباشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث الأميركي لا يمكن الوثوق به، فعندما نتحدث عن بعثة أممية لتقييم الوضع في شمال قطاع غزة، فمن باب أولى للولايات المتحدة أن تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقف إطلاق النار بدلاً من الحديث المتواتر من داخل البيت الأبيض، أثناء زيارة بلينكن للمنطقة، بأن أميركا لا توافق على وقف إطلاق النار في الوقت الحالي".
وأضاف: "هذه فضيحة بحد ذاتها، وهي أن تأتي زيارة بلينكن إلى المنطقة ثم في النهاية يكون حديث الولايات المتحدة بأنها لا تريد وقف إطلاق النار في هذا التوقيت، ثم تتحدث عن تشكيل بعثة أممية لتقييم الوضع في شمالي قطاع غزة". واعتبر أن ذلك "غرض خبيث، ويجب على العالم أن يدرك أن من يدير الحرب فعلياً هي الولايات المتحدة، وأن إسرائيل تمارس هذه الحرب بالوكالة، وهذا أمر فيه خلل رهيب في علاقة الولايات المتحدة بدول كثيرة في العالم العربي والإسلامي".
من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "حديث بلينكن يهدف إلى خدمة إسرائيل عن طريق ما يتوقع من تأثير أميركي قوي على تشكيل اللجنة المشار إليها، ترضية لإسرائيل التي تشكك في ما يصدر من بيانات عن أعداد القتلى والمصابين والنازحين وعن نسبة الدمار في قطاع غزة وقصف المستشفيات ومدارس الأونروا".
وأضاف حسن أن "الهدف من هذه اللجنة هو تقديم تقارير مخففة عن جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، للاستعانة بها في الدفوع التي ستقدمها إسرائيل لمحكمة العدل الدولية، في مواجهة التهم الموجهة إليها، بهدف السعي لتخفيف الأحكام التي ستصدرها المحكمة ضد إسرائيل".
مخاوف من مماطلة لتمرير مشروع التهجير
بدوره، قال الباحث والمحلل الفلسطيني في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا توقعنا فعلاً أنه سيجري تشكيل مثل هذه البعثة الأممية، فإن الأمر سيأخذ وقتاً مديداً لأن دخول هذه البعثة إلى شمالي قطاع غزة وتحركها في الميدان يقتضي أن تعمل ضمن ظروف أمنية معينة، خصوصاً إذا كان عملها شاملاً فعلاً للبحث في البنية السكانية والاحتياجات الفنية".
وتابع شاكر: "على هذا الأساس يمكن أن نجد أنفسنا أمام غطاء لمزيد من المماطلة لتمرير مشروع التهجير - على الأقل الداخلي - في قطاع غزة، وإتاحة غطاء أخلاقي إنساني مزيف لاستمرار حملة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، والأهم أن هذا ليس فقط سيأخذ وقتاً طويلاً لكنه قد يخلص لنتائج يصعب تقديرها الآن، فما الذي سيقوله الخبراء عندما يصلون إلى المنطقة وماذا يمكن أن يتوقع من نتائج؟". وشدد على أن "هذا التحرك ينطوي على مخاطر عدة محتملة، منها مثلاً إذا قررت هذه البعثة الدولية أن شمالي قطاع غزة ليس مكاناً صالحاً للعيش، هنا قد تعرض على الطاولة مخططات إجلاء السكان تحت عناوين معينة مؤقتة أو بديلة، وبالتالي هذا احتمال لا يمكن استبعاده".
حسام شاكر: إذا قررت البعثة أن شمالي قطاع غزة ليس مكاناً صالحاً للعيش، قد تعرض على الطاولة مخططات لإجلاء السكان
بدوره، قال الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "أداء المقاومة وصمود الناس في أراضيهم، منع إلى حد كبير حتى اللحظة مشروع التهجير، لكن هذا لا يعني أن واشنطن وتل أبيب ألغتا هذه الفكرة تماماً، بالعكس فهما تعملان على خطط بديلة، إما تهجير الناس بالضغط العسكري، أو الحديث أخيراً عن الهجرة الطوعية".
وأضاف: "الطبيعي أن الناس يعودون إلى بيوتهم بشكل اختياري وبدون أي قيود، لكن فكرة وضع آلية مثل بعثة أممية وما إلى ذلك، هو في الحقيقة وضع عراقيل تصعّب على الناس العودة ولا تسهّلها، وبالتالي هي جزء من الضغط على الناس للهجرة الطوعية إلى خارج غزة".