تدخلات إيلون ماسك لمصلحة يمين أوروبا المتطرف: إحياء لمشروع ستيف بانون

06 يناير 2025
ماسك وترامب خلال حضور فعالية لشركة سبيس إكس، 19 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتزايد القلق في أوروبا من تدخلات إيلون ماسك لدعم اليمين القومي المتشدد، حيث يدعم سياسات الهجرة المتشددة في إيطاليا ويتدخل في القضايا الانتخابية الألمانية لصالح حزب البديل لأجل ألمانيا.
- يُتهم ماسك بمحاولات التأثير على الانتخابات الألمانية والبريطانية، مما يثير مخاوف من تحقيق حلم ستيف بانون في تأسيس تكتل قومي متشدد عابر للحدود.
- أثارت مواقف ماسك ردود فعل سلبية، حيث اعتُبرت محاولاته للتأثير على الانتخابات تدخلاً غير مقبول، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن.

يتزايد قلق بعض الأوروبيين من تدخل مالك شركتي تسلا لصناعة السيارات وسبيس إكس، والمستحوذ على منصة إكس (تويتر سابقاً) منذ 2022، إيلون ماسك، في شؤونهم لمصلحة اليمين القومي المتشدد والشعبويين.

آخر المعبرين عن قلقهم كان رئيس الحكومة النرويجي يوناس غار ستورا (من يسار الوسط)، الذي قال للتلفزيون النرويجي (إن آركي)، اليوم الاثنين، إنه "من المثير للقلق أن الرجل (ماسك) الذي يتمتع بإمكانية الوصول الهائل إلى وسائل التواصل الاجتماعي والموارد المالية الكبيرة، يتجه مباشرة إلى التدخل في بلدان أخرى"، مشدداً على أن "ليس هذا ما ينبغي أن تكون عليه الأمور بين الديمقراطيات والحلفاء".

تصريحات إيلون ماسك السياسية حول ما يجري خارج بلده أميركا تزايدت عبر الأطلسي، بعد أن أصبح عضواً في إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المقبلة. ويعبّر ماسك في السياق الأوروبي عن دعمه وإعجابه برئيسة حكومة اليمين القومي المتشدد في إيطاليا جيورجيا ميلوني، وخصوصاً مع سياسات الهجرة المشددة. وغير بعيد عن ذلك، يُتهم ماسك بحشر أنفه في القضايا الانتخابية الألمانية، حيث يجدد دعمه لحزب اليمين القومي المتشدد البديل لأجل ألمانيا، باعتباره "وحده القادر على إنقاذ ألمانيا".

سلوك إيلون ماسك يعيد شبح ستيف بانون إلى الأضواء

ومن الواضح توسيع إيلون ماسك لنطاق تدخلاته في مختلف الساحات الأوروبية لدعم اليمين المتشدد فيها، وفق اتهامات أوروبية له. فعلى المستوى الإيطالي، يظهر الإعجاب المتبادل بينه وبين رئيسة الحكومة ميلوني، الآتية من حزب إخوة إيطاليا، المتهم بأنه يحمل خلفية شبه فاشية. وخلال فترة ترامب السابقة، جهد مستشاره السابق ستيف بانون، من بوابة روما أيضاً، لمأسسة التدخل في شؤون القارة العجوز، بسعيه نحو أرضية تنسيق جهود معسكرات التطرف القومي الأوروبي، لتشجيع الناخبين على تطبيع خطابها، وترجمته في صناديق الاقتراع.

التدخل في شؤون إيطاليا جاء واضحاً في دعم اختيار ميلوني تشييد معسكري لجوء فوق الأراضي الألبانية. ومع أن المشروع توقف لأسباب قضائية في روما، بناء على حكم من محكمة العدل الأوروبية، فإن ماسك لم يتوقف عن التدخل، حين كتب على صفحته على منصة إكس، أنه "يجب على هؤلاء القضاة (الإيطاليين) أن يستقيلوا"، وعنى بذلك قضاة إيطاليين، ما أثار موجة غضب وردود إيطالييين. وتعرضت ميلوني لانتقادات وسخرية نتيجة علاقتها بماسك وترامب.

ورد الرئيس الإيطالي سيرجيو متاريلا، على ماسك قائلاً: "يجب على أي شخص، وخاصة أولئك الذين هم على وشك تولي دور حكومي مهم في دولة حليفة، احترام سيادة إيطاليا".

الأوروبيون المتوجسون من تدخلات إيلون ماسك في شؤون دولهم يخشون من ذهابه نحو استخدام نفوذه المالي، والإعلامي، والسياسي في البيت الأبيض لتحقيق حلم ستيف بانون في تأسيس تكتل قومي متشدد عابر للحدود في قارتهم. فعلى خطى بانون، يبدو ماسك ماضياً في تفضيله أقطاب معسكر اليمين المتشدد، بما في ذلك الساحة البريطانية التي عبّر عن دعمه فيها لحزب الإصلاح المتشدد، منادياً رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر للاستقالة من منصبه، وداعياً الملك تشارلز إلى حل البرلمان.

دعم "البديل" الألماني نموذج لتدخلات ماسك

إلى ذلك، يقدّم تدخل الرجل في ألمانيا نموذجاً واضحاً على تسارع وتيرة التأثير الانتخابي لتسويق فكرة أن "حزب البديل لأجل ألمانيا هو آخر شرارة الأمل لألمانيا"، مشدداً على أن ألمانيا "على حافة الانهيار الاقتصادي والثقافي"، كما كتب أخيراً. ويحاول ماسك ما في وسعه للإشادة بالبرنامج السياسي للبديل، باعتباره "مزيجاً من الحرية الاقتصادية، وتخفيض الضرائب، وتحرير السوق". كما لا يغيب عن ماسك إظهار انسجامه مع سياسات اليمين المتطرف بالنسبة للهجرة، معتبراً أن "البديل" لديه "سياسة هجرة خاضعة للرقابة، تعطي الأولوية للاندماج والحفاظ على الثقافة والأمن الألمانيين"، مشدداً على أن الأمر "لا يتعلق بكراهية الأجانب، بل بضمان عدم فقدان ألمانيا لهويتها في السعي لتحقيق العولمة"، كما جاء في مقالته في صحيفة دي فيلت الألمانية المحافظة نهاية الشهر الفائت.

دفاعه عن "البديل" يأخذه نحو إعادة تصنيف هذا الحزب (على عكس التصنيف الألماني السياسي والأمني) على اعتبار أنه "ليس يمينياً متطرفاً، وخاطئ من يصنفه هكذا، فأليس فايدل (زعيمة الحزب) لديها شريك مثلي من سريلانكا، فهل تبدو مثل هتلر؟". وهذه الحجة التي يقدمها ماسك توضح إلى أي مدى هو مستعد للذهاب في خطاب أقرب إلى شعبوية يسوقها تيار اليمين المتطرف، لإقناع الجمهور أنه أكثر وطنية وصدقاً من باقي الطبقات السياسية الأوروبية، بما فيها تلك الراسخة والعريقة.

بالطبع تثير مواقف إيلون ماسك على المستوى الألماني، وخصوصاً بعد نشره لرأيه في صحيفة دي فيلت المحسوبة على التيار المحافظ، مزيداً من ردود الأفعال الرافضة لتدخله في انتخابات بلادهم، وهو رفض توسع إلى صحف دول أوروبية. واضطرت محررة مقالات الرأي في صحيفة دي فيلت، إيفا ماريا كوغل، إلى الاستقالة. وذهب المتحدث باسم حكومة برلين إلى اعتبار ما كتبه ماسك "محاولة للتأثير على الانتخابات".

من ناحيته، عبّر زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، المنافس على منصب المستشارية، فريدريش ميرز، عن رفضه لهذا التدخل بالقول: "في تاريخ الديمقراطيات الغربية بأكمله، لا أذكر محاولة مماثلة للتدخل في الحملة الانتخابية لدولة صديقة".

على كل، هذه الانتقادات وتوجس بعض الأوروبيين من تدخلات إيلون ماسك تختلف عن تلك التي طاولت مستشار ترامب السابق ستيف بانون. فهذا التوجس الأوروبي يأتي في سياق الخشية من توتر علاقة الاتحاد الأوروبي بواشنطن في فترة ترامب الثانية، بناءً على تجربتهم مع فترته الأولى. ويزداد القلق من أن ماسك جزء من الإدارة، وربما لا يستطيع أو لا يرغب ترامب بفرملة اندفاعه نحو تصريحات تُعدّ تدخلاً وتأثيراً في انتخابات القارة. سابقاً كانت واشنطن تتهم روسيا والصين بالتأثير في انتخاباتها، والآن يأتي ماسك بما لم يكن يملكه ستيف بانون من أموال وتأثير، إلى جانب قابلية بعض أقطاب التطرف اليميني الأوروبي لهذا التدخل، على أمل أن يدفع نفخ إيلون ماسك في أشرعة تطرفهم أمام شعوب القارة لأجل جعلها  "طبيعية"، لا تختلف عن اتجاهات الحليف الأميركي حتى.