لم يسبق أن كانت سيرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب طاغية على المشهد في واشنطن كما هي الآن. ليس بصفته مرشحاً رئاسياً فقط، بل هذه المرة كمذعور من اقتراب وقوعه المرجّح بين فكي كمّاشة القانون، والذي هدّد بالعنف الدموي لو صدر قرار اتهامي ضده.
والسوابق، مثل اقتحام الكونغرس في عام 2021، دفعت لأخذ تهديده على محمل الجدّ، بحيث صار ترامب الخائف، مخيفاً، خصوصاً وأن استجابة قاعدته لتهديده كانت عارمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من التجمعات الانتخابية.
بدأ هذا التصعيد الأسبوع الماضي، بعد تغريدة زعم فيها الرئيس ترامب أن هيئة المحلفين في قضية رشوى مفتوحة ضده منذ حملته الانتخابية، على وشك إصدار قرارها بعد يومين بإدانته، محذراً من أن يؤدي ذلك إلى "قتلى وتدمير" لو حصل. تحذيره بدا بمثابة نداء مبطّن إلى مؤيديه للاستعداد للنزول إلى الشارع، ما استدعى استنفاراً أمنياً واسعاً، خصوصاً في جوار مبنى الكونغرس وغيره من الأماكن الرسمية في واشنطن وغيرها من المدن.
وكان من اللافت أنه على الرغم من أن لغته غير مسبوقة، إلا أن الردود عليها بقيت باهتة عموماً، وقد تبين أن تغريدته كانت محاولة استباق وضغط، علّها تنهي هيئة المحلفين عن الخروج بقرار من هذا النوع، والذي لم يصدر حتى اللحظة. وربما كانت أيضاً بمثابة رسالة تحذير إلى هيئات تحقيق في ثلاث قضايا أخرى ضده، ما زالت قيد النظر، ومنها قضية الوثائق السرية التي كان قد احتفظ بها خلافاً للقانون، والتي جرت مصادرتها من منزله، فضلاً عن مهمة المحقق الفيدرالي الذي ينظر في قضية اجتياح الكونغرس. ومعظمها، إن لم تكن جميعها، مرجحة حسب الخبراء القانونيين، أن تنتهي بإدانته.
ومن هنا، الذعر الذي حمله على إطلاق تهديد هو بحدّ ذاته موضع إدانة جرمية لو وقعت أعمال من النوع الذي "حرّض" عليه، ناهيك بالتداعيات السلبية على حملته الانتخابية التي قد تؤدي هي الأخرى إلى إشكالات مفتوحة على احتمالات تثير مخاوف الجهات المعنية، السياسية والأمنية.
على الصعيد السياسي - الانتخابي، زاد خطاب ترامب هذا من أزمة الحزب الجمهوري، وارتباك قيادته التقليدية غير "الترامبية"، والتي بدت في موقف العاجز، ما أثار انتقادات كثيرة لها؛ فهي لم تدن تهديده الفجّ، خوفاً من خسارة أصوات قاعدته الصلبة التي تشكل ثلث أصوات الحزب الجمهوري والتي لا أمل لأي مرشح جمهوري آخر بالحصول عليها من دون إيعاز من الرئيس السابق، وفي الوقت نفسه لا يقوى "الجمهوري" التقليدي على مواكبة ترامب في تهديده لئلا يخسر الشريحة اللازمة من المستقلين التي تميل عادة نحو الحزب، والتي لا فوز من دونها.
حتى الآن، هناك 10 طامحين من الجمهوريين للترشح لانتخابات 2024. مرشحة واحدة فقط، هي السفيرة نيكي هيلي، أعلنت عن ترشحها رسمياً، وهي بعيدة جداً عن أن تكون منافسة جدية للرئيس ترامب، والباقي ينتظر تعثر هذا الأخير أو إدانته قبل أن يقرّر دخول المعركة.
مأزق "الجمهوري" أنه متورط بترامب، وهذا الأخير غارق بورطة قانونية كبيرة لكنه مصرّ، ولو بالقوة، على مواصلة معركته ولو كانت شمشونية.
من المحتمل أن يصدر اليوم الإثنين قرار هيئة المحلفين بنيويورك في قضية الرشوة. احتمال الإدانة وارد، لكنه غير مؤكد، فقد تنتهي الهيئة إلى القرار نفسه بالبراءة الذي سبق أن اعتمده المدعي العام الفيدرالي في هذه القضية. لكن مع ذلك لا تنتهي المشكلة. تهديد ترامب يسري على بقية الدعاوى والتحقيقات المتوقع أن ينتهي بعضها على الأقل إلى محاكمته. وبالتالي، في الأفق القريب أو الأبعد، هناك مشروع أزمة. وحتى ذلك الحين، ستبقى واشنطن مهووسة بترامب، أقله لأنه أول رئيس قد يصدر بحقه حكم قضائي. وفي ذلك اختبار سياسي جديد، وقبل كل شيء، اختبار "للقانون في بلد القانون"، كما قال أحد المعلّقين.