بعد مرور يوم واحد على إدانته من قبل محكمة في نيويورك بالتحرش الجنسي بكاتبة وصحافية سابقة في عام 1996، رفعت ضدّه قضية اغتصاب، لم يفعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أول من أمس الأربعاء، سوى مراكمة التشكيك لدى الجمهوريين بأهليته لخوض الانتخابات الرئاسية مجدداً العام المقبل، وقدرته على هزيمة منافسه الرئيس الحالي جو بايدن، بعدما قدّم أداء على شبكة "سي أن أن"، خلال حوار تقليدي، لم يبرع فيه في الانقلاب على نفسه، أو تبديل خطابه الشعبوي، ما يضع حزبه أكثر في موقف لا يحسد عليه.
إحراج جديد للجمهوريين
وجاءت مقابلة ترامب في إطار نموذج لحوار تقليدي يعرف بـ"تاون هول"، عبر "سي أن أن" التي عاد للظهور على شاشتها بعد غياب طويل منذ عام 2016، ويتضمن تلقي أسئلة من الحضور، حيث جرى اللقاء في نيوهامشير، التي ستكون من أولى الولايات التي سيُجري فيها الحزب الجمهوري انتخاباته التمهيدية العام المقبل، لاختيار مرشحه للرئاسة.
وجاءت المقابلة أيضاً في وقت ليس فيه الحزب بأفضل حالاته، وسط ضعف المرشحين الآخرين، المعلنين والمحتملين، وقضية توقيف النائب في الكونغرس جورج سانتوس بتهمة الاحتيال وتبييض الأموال والاختلاس. وقدّم ترامب، خلال المقابلة، أجوبة مثيرة للجدل، ليس فقط في قضايا ثانوية، بل على رأس هرم الاهتمامات الأميركية. وما يجعل الحزب أكثر قلقاً، بالتأكيد، بقاء اسم ترامب الأكثر ترجيحاً للفوز بتمهيديات الحزب، بحسب استطلاعات الرأي الجمهورية، التي تؤكد تصدره بفارق كبير لائحة المرشحين، المعلنين حتى الآن، والمحتملين.
ولم يشأ ترامب، في ظهوره الأول بعد إدانته بالتحرش الجنسي للمرة الأولى، في قضية تعود إلى عقود مضت، أن يكون مختلفاً، مقدماً حلقة ذروة منحت الشبكة نسبة عالية من المشاهدين، لكنها بنظر بعض المتابعين، أخذت من "سي أن أن" بعض الرصيد، لاستضافتها شخصية مثيرة للجدل، لطالما اتهمها كتّاب على موقع الشبكة بالتطرف اليميني، أو التحريض حتى على حرب أهلية في أميركا، فيما اعتبر ترامب هذه القناة معادية له.
وصف ترامب اقتحام أنصاره للكونغرس باليوم الجميل
وتنوع وصف حوار ترامب على "سي أن أن"، الأربعاء، من قبل وسائل إعلام عدة ما بين "المستفز" أو "العفوي" أو "القليل المعرفة"، فيما سارعت حملة الرئيس جو بايدن للتأكيد إثر اللقاء أن الأميركيين قد لا يرغبون رؤية وسماع ذلك لأربع سنوات أخرى مجدداً، داعية إلى التبرع لحملة الرئيس الديمقراطي، بعدما أعلن بايدن رسمياً أنه يسعى لولاية ثانية. ذلك أن ترامب لم يخرج عن السياق المعتاد في كيل "الأكاذيب"، بحسب جميع تقارير التحقق من المعلومات، التي خرجت بها جميع وسائل الإعلام الأميركية والغربية إثر اللقاء، وذلك فيما أمكن وضع المحاور الأكثر إثارة للجدل في 5 رئيسية، هي الاقتصاد وقضية الحرب الروسية على أوكرانيا والإجهاض والتحقيقات التي تلاحق الرئيس السابق، وتزوير الانتخابات.
ترامب يتمسك بثوابته
وسخر ترامب من قضية إدانته بالتحرش، واصفاً مقدمة الشكوى، إي جين كارول، بأنها امرأة مجنونة. وأكد الرئيس السابق أن نتائج انتخابات الرئاسة في عام 2020، والتي فاز بها بايدن وأدّت إلى أسوأ اقتحام للكونغرس الأميركي من قبل أنصار ترامب، "مزورة" وأن الانتخابات الماضية "سرقت منه"، وهو أمر بالنسبة إليه، "لا يمكن ألا يعرفه أي شخص سوى إذا كان مجنوناً".
ورفض الرئيس السابق تأكيد ما إذا كان سيعترف بنتائج انتخابات العام المقبل، إذا ما وصل إليها، وخسر فيها مجدداً. واتهم ترامب في الحوار رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي بالتسبب بالاقتحام الذي وصفه بـ"اليوم الجميل"، قائلاً إنها كانت مسؤولة عن أمن الكونغرس، وأكد أنه لا يدين بشيء لنائبه السابق مايك بنس، ومضيفاً أنه "يميل" للعفو عن "العديد" من المدانين من أنصاره بقضية الاقتحام إذا ما عاد إلى البيت الأبيض.
امتنع ترامب عن توضيح موقفه من الحرب على أوكرانيا
وفي الاقتصاد، حضّ ترامب زملاءه الجمهوريين الذين يتفاوضون مع الديمقراطيين على التسبب في تخلف عن سداد الديون الأميركية، ما لم يتم إجراء تخفيضات "ضخمة" في الميزانية، معتبراً أن التخلف عن سداد الديون ليس بالأمر المهم. وحول الإجهاض، وهو الملف الذي يلقي بثقله بشكل متزايد على الجمهوريين، وربما جعلهم لا يحققون "التسونامي" الذي وعدوا فيه بالانتخابات النصفية في الخريف الماضي، رفض ترامب القول ما إذا كان سيصادق على حظر وطني للإجهاض، معتبراً أن انقلاب المحكمة العليا على قانون "رو ضد وويد" (1973)، الذي يكرّس حق الإجهاض، بأنه "انتصار عظيم بالنسبة للمدافعين عن حقّ الحياة".
كما أكد ترامب أنه بنى جدار الفصل بين بلاده والمكسيك، محذراً من أن انتهاء القيود الصحية سيزيد من تدفق المهاجرين غير النظاميين. وشدّد ترامب على حقّه في حمل وثائق معه إلى مقره في ولاية فلوريدا، إثر مغادرته البيت الأبيض، معتبراً أنه بمجرد أخذها، وعدم تسليمها للأرشيف الوطني، فإنها أصبحت غير سرّية.
وانتقد ترامب الدعم الأميركي لأوكرانيا، مدعياً أن الولايات المتحدة "لم يعد لديها عتاد"، من كثرة ما قدّمته من أسلحة لكييف، مجدداً دعوته دول الاتحاد الأوروبي لدفع ما يتوجب عليها لبلاده. كما رفض الإفصاح عن موقفه من الحرب، وما إذا كان يدعم أوكرانيا، معتبراً مجدداً أنه لو كان في البيت الأبيض لما وقع الغزو الروسي، وأنه يجب وقف الموت الذي يطاول الروس والأوكرانيين.
ورأت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس، أن ترامب تصرف خلال المقابلة كزعيم الجمهوريين، معتبرة أن "ترامب يبقى دونالد ترامب، وأن لديه سرعة واحدة، وأنه يظلّ شهيراً بفنّ الأداء، حتى خارج السلطة، ويبقى مركز جذب في السياسة الأميركية". واعتبرت الصحيفة أن الرئيس السابق كان مشغولاً بالدفاع عن نفسه ومناقشة أفكاره خلال الحوار، لدرجة أنه تغاضى عن انتقاد عهد بايدن.
وإثر اللقاء، ذكرت وسائل إعلام أميركية عدة أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يشاهد مقابلة ترامب، إذ كان في رحلة داخلية بطائرة "أير وان فورس" إلى نيويورك، وأن فريقه بدّل القناة من "سي أن أن" إلى "أم أس أن بي سي" لدى العودة. لكن بايدن غرّد على "تويتر" بعد ساعة من بثّ حوار "سي أن أن" مع الرئيس السابق، بقوله: "هل تريدون 4 سنوات من هذا؟ إذا كان الجواب لا، تبرعوا لحملتنا".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)