يترقّب اللبنانيون ما يحمله شهر سبتمبر/أيلول الجاري من مستجدّات على الساحة السياسية، ولا سيّما الرئاسية، في ظلّ مبادرة الحوار التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري، والزيارة المنتظرة للموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، وما يشاع عن حراكٍ عربيٍّ دوليٍّ سيُفعَّل في الفترة المقبلة، في محاولة لمساعدة القوى السياسية على انتخاب رئيسٍ للجمهورية قبل نهاية العام.
في المقابل، يرافق هذا الترقّب القليل من التفاؤل، خصوصاً أن المبادرة التي أطلقها بري لحوار على مدى سبعة أيام في سبتمبر/أيلول، ومن ثم عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس، ولاقت تأييد البطريرك الماروني بشارة الراعي، قوبِلَت برفضٍ حادٍّ من غالبية القوى المعارضة لحلفه السياسي.
كذلك، لا يعوِّل العديد من النواب والكتل البرلمانية على جولة لودريان الثالثة إلى بيروت، ولا سيما الذين لم يجيبوا على رسالته كتابةً بالشكل الذي طلبه، عبر السفارة الفرنسية، وفضّلوا الردّ عبر بياناتٍ ومواقفٍ علنية، حسموا فيها عدم جدوى أي صيغة تحاور مع "حزب الله" وحلفائه.
وفي 31 أغسطس/آب الماضي، ووسط زحمة الوفدين الإيراني والأميركي، اللذين أعادا تحريك الساحة اللبنانية بعد عطلة صيفية طالت في بلد يعاني من أخطر انهيار في تاريخه، أطلق بري مبادرة ثالثة للحوار، اعتبر نائبه، إلياس بو صعب، أنها قد تكون الفرصة الأخيرة لانتخاب رئيس أقلّه هذا العام.
ولاقت خطوة بري هذه المرّة ترحيب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، باعتبار أن شرطه للفرنسيين للمشاركة في الحوار "أن يكون في نهايته، إما توافق يُترجَم في جلسة انتخاب أو جلسات متلاحقة"، بيد أن الخطوة تعرّضت لسيلٍ من الهجوم، من رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس "حزب الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، وعدد من النواب المستقلّين والتغييريين.
وتعتبر القوى المعارضة، أن بري أراد من مبادرته "الابتزاز" أو "المناورة" والظهور محلياً وخارجياً، على أنه الطرف الذي يتحرّك ويقوم بالمبادرات بينما الفريق الآخر هو الذي يعطّل الاستحقاق الرئاسي، في حين أن ما فعله بري هو ملاقاة المعارضة في مطلبها عقد جلسات انتخاب متتالية، لكنه اشترط قبل ذلك الحوار، بهدف فرض مرشحه للرئاسة، رئيس "تيار المردة"، سليمان فرنجية، بينما المطلوب دعوة البرلمان لانتخاب رئيس بعد توقف منذ 14 يونيو/حزيران الماضي، من دون شروط، ونزول كل فريق بمرشحه للرئاسة وترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها. حسب ما ترى قوى المعارضة.
وصعّد جعجع في كلمة له، أمس، بوجه بري و"حزب الله"، قاطعاً الطريق على الحوار، و"كل محاولات المراوغة والمماطلة، وفرض المشاريع بالقوّة"، مشدداً على أن "الحلّ الفعلي بعدم الرضوخ لمحور الممانعة والتمسّك بموقفنا وتطلّعاتنا وقناعاتنا، حتى يتأكد أنه فشل بفرض ما يريده علينا وعجز عن تخطينا مهما طال الزمن، وعندها سيُجبر على الأخذ بالاعتبار الحقائق اللبنانية التاريخية والتصرّف بعقل ومنطق وواقعية".
من جهته، اعتبر الجميّل أن "اقتراح بري عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس شرط مشاركتنا بالحوار هو إقرار بأنه كان يخالف الدستور عمداً"، وأن "كل الحجج التي كان يتذرّع بها ساقطة"، متوجهاً إلى بري بالقول: "تطبيق الدستور ليس ورقة ابتزاز سياسي، والمجلس النيابي ليس ملكك، هو ملك الشعب اللبناني"، معتبراً كذلك أن "بري لن يفتح المجلس إلا لانتخاب حليف حزب الله رئيساً".
بري ينتظر ردوداً رسمية على مبادرته وترقب لجولة لودريان
في السياق، قال مصدرٌ مقرّبٌ من رئيس البرلمان، لـ"العربي الجديد"، إن "بري ينتظر أجوبة جميع الأفرقاء السياسيين على دعوته للحوار، وقد لاقى حتى الساعة ترحيباً واسعاً من أغلبية النواب والكتل البرلمانية، ضمنها الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة تيمور وليد جنبلاط، والتيار الوطني الحر"، مضيفا أن "المؤيدين للمبادرة تتخطّى أعدادهم أعداد أولئك المعارضين لها.. بيد أن المطلوب جلوس الجميع على الطاولة للتحاور، لأن لا انتخاب من دون توافق".
ولفت المصدر (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، إلى أن "الفريق الآخر يتّهمنا بأننا نريد فرض مرشحنا، بينما هو يناور بطرح أسماء مثل النائب ميشال معوض سابقاً، والآن الوزير السابق جهاد أزعور، وذلك فقط من بوابة الإقصاء".
وقال: "نحن لا نريد أن نفرض رئيساً، بل ندعو للحوار، والجلوس معاً ليقول كل فريق ما عنده، ولنصل إلى نتيجة كما حدّد بري في سبعة أيام على الأكثر".
وأشار المصدر إلى أن "خطوة بري لا تلغي مبادرة لودريان بل تلاقيها". وأضاف: "تكتل بري كان أول من أرسل أجوبته على رسالة الموفد الفرنسي، حول المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة، ومواصفاته"، لافتاً، إلى "أننا ننظر دائماً بإيجابية إلى كل المبادرات الخارجية، لكن لا حل إلا بتوافق لبناني داخلي".
من جهته، قال رئيس جهاز العلاقات الخارجية في "القوات"، ريشار قيومجيان، إن "موقفنا بات معروفاً من الحوار، أما لودريان، فسنتحدث إليه وجهاً لوجهٍ من خلال المفاوضات الثنائية، وسبق أن عبّرنا له عن رأينا من جميع المسائل، وهو يعلم أجوبتنا، من هنا لم نرسل ردّاً على رسالته واعترضنا على الشكل الذي أرسلت به".
ولفت قيومجيان لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أولويات الرئيس أن يكون قادراً على استعادة الدولة وتحرير قرارها خصوصاً الاستراتيجي فيما يخصّ السياستين الخارجية والدفاعية وكذلك محاربة الفساد، وغيرها من المسلمات التي عليه الالتزام بها، والتي أعلنت عنها اللجنة الخماسية التي اجتمعت في الدوحة، وتضمّ المملكة العربية السعودية، فرنسا، قطر، الولايات المتحدة الأميركية ومصر، إلى جانب أن يكون توافقياً إصلاحياً، ويضع مع الحكومة خطة اقتصادية مالية، وأن يحظى بإجماع كل اللبنانيين ويتمتع باستقلالية وحرية قرار، أي حرية قرار الدولة خارج هيمنة حزب الله".
وأشار قيومجيان إلى "أننا لا نريد أن نكون سلبيين بشأن زيارة لودريان الثالثة، لكن لا يبدو أن الفريق الآخر سيساعده، ولا سيما أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أعلن بلسانه الأسبوع الماضي، من يعطّل ويتدخّل بشؤون لبنان، وسمّى إيران بالاسم"، مشدداً في المقابل على أن تقاطع المعارضة لا يزال داعماً للوزير السابق جهاد أزعور.
من جانبه، قال النائب عن "كتلة تجدّد"، أديب عبد المسيح: "علينا أن نذهب جميعاً إلى جلسة انتخاب من دون تعطيل ونقيم الحوار بين الدورات، ويمكن دعوة لودريان للحضور والوساطة، وبالتالي، لنبقى على 7 دورات بدل 7 أيام، وننتج رئيساً".
وأشار عبد المسيح إلى أن "مرشحنا للرئاسة لا يزال جهاد أزعور، ولا تغيير بذلك، وعبّرنا كقوى معارضة عن موقفنا بأن شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل بُعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية".
وأضاف: "أما محاولة تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات سياسية مسبقة فهي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب أولاً. من هنا كان رفضنا ورفضي الردّ على رسالة لودريان بشكل خطي، التي كانت غير موفَّقة وغير مقبولة، نحن نواب نمثل الشعب لا يمكن التعامل معنا بهذه الطريقة".
ولفت عبد المسيح إلى أن لودريان في حال قرّر اجراء مباحثات ثنائية قد يصل إلى تقارب بوجهات النظر، "لكن موقفنا من الحوار أصبح واضحاً ومُكرّراً ومعروفاً".
بدوره، قال النائب في كتلة بري البرلمانية، "التنمية والتحرير"، قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد"، إن "عنوان جولة لودريان الثالثة، هو الاستحقاق الرئاسي والخروج من أزمة الشغور المستمرّة منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتفاهم على مواصفات وشخصية الرئيس"، لافتاً إلى أن "للودريان مبادرته وهو يقرّر الآلية التي سيعتمدها بشأن الحوار والخطوات التي ستكون أساسية في جولته بعد أن يطلع من الأفرقاء على كل المواقف سواء الإيجابية والسلبية".
وحول الموقف الفرنسي المستجدّ بشأن التدخل الإيراني في لبنان، قال هاشم إن "رؤية الدول السياسية تتبدل بين الحين والآخر، تبعاً لمصالحها، من هنا علينا ألا ندخل في لعبة الأمم، وبأزمات نحن بغنى عنها، وللأسف أصبحنا ننتظر مواقف الدول، بينما علينا أن نحلّ الأزمة لبنانياً، فهذا شأن داخلي، وهنا أهمية أن نجلس جميعاً كلبنانيين على طاولة الحوار ونعقد الجلسات لانتخاب رئيس".