استمع إلى الملخص
- **رسالة ماكرون والتحولات الدبلوماسية**: قد يتضمن الخطاب رسالة تاريخية من الرئيس الفرنسي ماكرون تعبر عن موقف جديد لفرنسا من ملف الصحراء، بعد دعم دول أوروبية وأميركا لمخطط الحكم الذاتي المغربي.
- **أهمية الاعتراف الفرنسي وتأثيره على العلاقات الدولية**: يعتبر الاعتراف الفرنسي المحتمل بمغربية الصحراء نتيجة لجهود دبلوماسية مغربية، مما يعزز موقع المغرب دولياً ويؤثر إيجابياً على قرارات مجلس الأمن الدولي.
تسود حالة من الترقب في المغرب بشأن مضمون خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، المنتظر ليل الاثنين الثلاثاء، بمناسبة مرور ربع قرن على توليه العرش، والذي يأتي هذه السنة في ظل تطورات جديدة في قضية الصحراء، تتمثل بالأساس في تحول محتمل في موقف فرنسا.
وتطرح الأوساط السياسية والإعلامية في المغرب تساؤلات عدة حول مضمون خطاب الملك هذه السنة، وما إذا كان سيكشف عن تحول دبلوماسي لافت في موقف باريس من قضية الصحراء، وذلك لارتباطه بقرار دولة عضو في مجلس الأمن وأحد أعضاء مجموعة أصدقاء الصحراء التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا، وينشط فيها مجتمع مدني مؤيد لـ"البوليساريو".
ومما يضفي أهمية على مضمون الخطاب هو أن المغرب لم يعلق حتى الآن رسمياً على موقف الجزائر التي سارعت خارجيتها الخميس الماضي إلى إصدار بيان حاد اللهجة، أعربت من خلاله عن "استنكارها الشديد" لقرار الحكومة الفرنسية دعم خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لإنهاء النزاع في الصحراء، محذرة فرنسا من أن قرارها يتعارض مع "المصلحة العليا" للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة.
وقالت الخارجية الجزائرية إن الحكومة "أخذت علماً، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفّق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة".
وقبل ساعات من الخطاب، كان لافتاً ما ذكره الموقع المغربي "لوديسك" الناطق بالفرنسية، من أن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش يرتقب أن يكشف عن فحوى "رسالة تاريخية" من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، يعبر فيها عن موقف جديد وغير مسبوق لفرنسا من ملف الصحراء.
وقال الموقع، نقلاً عن مصادره، إن رسالة ماكرون، التي سيتم الإعلان عنها خلال الخطاب الملكي "قوية في مضمونها ومحملة بالرموز"، مشيراً إلى أنها "ليست مجرد تغيير في الموقف بل منعطفاً حاسماً في العلاقات بين باريس والرباط، التي شهدت أزمة عميقة منذ صيف 2021 إلى صيف 2023". وتسعى الرباط لإيجاد حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تقدمت بها في عام 2007. في حين، اعتبر العاهل المغربي أن ملف الصحراء "هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
ويأتي الاعتراف الفرنسي المنتظر بمغربية الصحراء بعد التغيير الجذري والتحول التاريخي لموقف إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، بعدما أعلن رئيس حكومتها بيدرو سانشيز، في 19 مارس/ آذار 2022، دعم الموقف المغربي علناً وللمرة الأولى، من خلال اعتباره مقترح الحكم الذاتي "الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع".
وقبل التحول التاريخي في موقف مدريد، كان لافتاً الموقف الذي أعلنه رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، فرانك فالتر شتاينماير، في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي في يناير/ كانون الثاني 2022، حينما قال إن ألمانيا "تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات صدقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق" لهذا النزاع الإقليمي.
كذلك شكّل اعتبار هولندا في 11 مايو/ أيار 2022 أن مبادرة الحكم الذاتي "مساهمة جادة وذات صدقية" في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل لقضية الصحراء، وإعلان بلجيكا في 21 أكتوبر/ تشرين الأول من السنة نفسها، دعمها لمخطط الحكم الذاتي، خطوات أوروبية أخرى عززت الموقف المغربي وأكسبته زخماً. وفضلاً عن الدعم الأوروبي، كان الاعتراف الأميركي بسيادة الرباط على الصحراء في نهاية 2020 حافزاً لإعلان دول أفريقية عدة ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن اعترافها بمغربية الصحراء وفتح تمثيليات دبلوماسية بمدينتي العيون والداخلية.
وطيلة الأسابيع الماضية، بدا لافتاً توالي إشارات حدوث تحول في موقف فرنسا وانتقاله من التأييد المستمر منذ 2007 لمقترح الحكم الذاتي إلى الاعتراف بمغربية الصحراء، خاصة بعد إحراز تقدم في طي صفحة أزمة عميقة شهدتها العلاقات بين البلدين منذ عام 2021، كان من أبرز مظاهرها حالة فراغ دبلوماسي بعد تجميد زيارات مسؤولي البلدين المتبادَلة وأي اتصال بين قادتهما.
وكان وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه قد أكد في فبراير/ شباط الماضي أنه "يمكن للمغرب أن يعتمد على فرنسا للدفاع عن أولوياته اليوم وفي المستقبل"، مشدداً على أن "الصحراء رهان وجودي بالنسبة للمغرب وفرنسا تعرف ذلك، وهناك مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ سنة 2007 ومنذ ذلك الوقت فإن المغرب يجب أن يعتمد على دعم فرنسا الواضح والدائم لهذا المخطط. وموقفنا البحث عن حل سياسي ومستدام وفق مقررات مجلس الأمن".
وفي السياق، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية بوبكر أونغير أنّ الاعتراف الفرنسي المحتمل بمغربية الصحراء هو "نتاج مسار ترافعي رسمي وشعبي مغربي مستمر منذ سنوات"، مشيراً إلى أن الرباط كانت دائماً وأبداً من أصدقاء فرنسا المقربين ومن الحلفاء الذين تعتمد عليهم باريس في أمنها واستقرارها.
وأوضح أونغير في حديث لـ"العربي الجديد" أن "قوة ومتانة العلاقات المغربية الفرنسية في الآونة الأخيرة كانت مؤشراً مهماً على أن مسار الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء متواصل وسيفضي إلى هذه النتيجة المهمة بالنسبة للدبلوماسية المغربية وبالخصوص الملكية".
واعتبر أن "الاعتراف المنتظر هو أكبر هدية ممكنة للمغرب في الذكرى 25 لتربع العاهل المغربي على العرش"، مضيفاً أن "الاعتراف الأميركي في سنة 2020 بمغربية الصحراء والاعترافات المتوالية لعدد من الدول، واستعداد العالم لاستقبال فوز محتمل جداً للرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية كلها معطيات ضاغطة على الموقف الفرنسي".
ولفت إلى أن "معظم الأحزاب الفرنسية الكبرى يميناً ويساراً عبرت عن دعمها لمغربية الصحراء، مما يعني أن الدولة العميقة الفرنسية استشرفت تطورات مستقبلية لصالح الدبلوماسية المغربية واعتبرت أن أي تأخير في الالتحاق بركب الدول الكبرى المعترفة بمغربية الصحراء إيذان بفشلها الدبلوماسي في مجالها الاستراتيجي التاريخي لفائدة الولايات المتحدة وحلفائها". وبخصوص تداعيات القرار على مسار الملف، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية أن "المغرب قد ربح في السنوات الأخيرة ما لم يربح طيلة عقود بخصوص قضية الصحراء المغربية، وأن الدبلوماسية الملكية استطاعت أن تكسب المغرب موقعاً ريادياً دولياً وعلى أصعدة مختلفة".
وتابع: "المغرب سيطوي قريباً هذا الملف عبر إقرار جهوية موسعة وتنزيلها من جانبه دون تأخير ولا تسويف، وستعرف قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الصحراء تغييراً كبيراً من حيث إضافة صوت فرنسي واضح وجلي داعم للمغرب بالإضافة إلى الصوت الأميركي المساند التقليدي للمغرب في مجلس الأمن".