ولّد تحالف المرشح الرئاسي عن تحالف الشعب المعارض كمال كلجدار أوغلو مع زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ، المعروف بقوميته التركية المتشددة المعادية للعرقيات الأخرى، نوعاً من الاستياء لدى القاعدة الشعبية لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض والقاعدة الكردية التصويتية بشكل عام.
وعلى الرغم من هذا الاستياء ومن شمول اتفاق التحالف مع أوزداغ على بنود مناهضة للأكراد والبلديات التي يسيطرون عليها في ولايات شرق تركيا، إلا أن "الشعوب الديمقراطي" أعلن استمرار دعمه مرشح تحالف الشعب المعارض كلجدار أوغلو في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية التركية المقررة بعد غد الأحد.
وكان تحالف "العمل والحرية" الذي يقوده "الشعوب الديمقراطي" قد حصل على نسبة 10% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 14 مايو/أيار الحالي، وهي نسبة لا يمكن لكلجدار أوغلو الاستغناء عنها للفوز.
وفي مؤتمر صحافي عقد بعد ظهر أمس الخميس، قالت الزعيمة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي برفين بولدان إن الانتخابات ليست خياراً بين الرئيس رجب طيب أردوغان وكلجدار أوغلو، بل هي استفتاء على ما وصفته "بالنظام الظالم". في حين قال الزعيم المشارك للحزب مدحت سنجار إن الحزب يتمسك بالمطالب ذاتها، وإن الشعب الكردي سيذهب إلى الصناديق بأعداد أكبر.
وتُعتبر الكتلة الكردية في تركيا إحدى الفئات التي سيكون لها دور فاعل في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، لا سيما أنها تشكل نحو 12 إلى 14% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم 64 مليونا و113 ألفا و941 ناخبا.
وتتركز الكتلة الكردية في شرق وجنوب شرق الأناضول، وتعد ولاية ديار بكر معقلاً لها، إلى جانب انتشارها في بعض المناطق في التجمعات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.
والبنود التي استفزت الشارع الكردي في اتفاق كلجدار أوغلو مع أوزداغ هي التي تضمنت الحفاظ على تعريف ومضمون الجنسية التركية وفقاً للمواد الأربع الأولى والمادة 66 من الدستور، وخوض كفاح فعال وحازم ضد جميع التنظيمات الإرهابية من دون استثناء، إضافة إلى استمرار تطبيق سياسة وصاية الدولة على البلديات التي يثبت تورط إدارتها في دعم الإرهاب، فضلا عن إعادة جميع اللاجئين والمهاجرين إلى بلدانهم في غضون عام واحد على أبعد تقدير.
وكان أوزداغ قد صرح قبل اتفاقه وإعلان دعمه لكلجدار أوغلو أن الأخير إذا فاز بالانتخابات الرئاسية، فسوف تندلع حرب أهلية. وقال "حزب الشعوب الديمقراطي يحقق تقدماً كبيراً في الانتخابات المحلية بجنوب شرق الأناضول ويسيطر على معظم البلديات، وتتطور العلاقة بين المنظمة (حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا لدى أنقرة) وبلديات حزب الشعوب الديمقراطي؛ إلا أن كلجدار أوغلو لا يهتم بهذه الأمور. وبعد فترة ستحصل اضطرابات في المناطق التي يعيش فيها السوريون، وستقوم البلديات بطلب دعم دولي والاستعانة بالمنظمة لإيقاف هذه الاضطرابات، فتندلع حرب أهلية في تركيا".
رأي الشارع الكردي
واستطلع "العربي الجديد" آراء أكراد مقيمين في العاصمة أنقرة كانوا قد شاركوا في الجولة الأولى من الانتخابات. وفي إجابته عن سؤال "لمن ستعطي صوتك في الجولة الثانية بعد اتفاق كلجدار أوغلو مع أوزداغ؟"، قال الشاب مسعود، الطالب في كلية الإعلام بجامعة أنقرة والمولود في مدينة شرناق جنوب شرقي البلاد: "في الجولة الأولى، انتخبت حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان وكلجدار أوغلو في الرئاسة، لكن في الجولة الثانية لن أذهب للانتخابات".
فيما أشارت سيرمين إلى أنها ستعطي صوتها مجدداً لكلجدار أوغلو من أجل التخلص من حكم أردوغان. وفي اتصال مع سمرا، المقيمة في ولاية هكاري، شددت على ضرورة الالتزام بقرار حزب الشعوب الذي تنتمي إليه: "فقيادة الحزب تعلم أكثر منهم بخبايا الأمور"، وفق قولها.
من جهتها، أكدت رقية، المولودة في ديار بكر وتعمل معلمة في إحدى مدارس أنقرة، أنها ستنتخب أردوغان كونه سمح للأكراد بممارسة حقوقهم وجعل الكردية لغة شرعية في البلاد، مشيرة إلى أنها ترتدي حجابها بفضل سياسات أردوغان.
أما يوكسال فقال: "شاهدت فيديوهات لأوزداغ يهاجمنا فيها نحن الأكراد ويتهمنا بالانفصاليين والإرهابيين وهو شخص متطرف، وما اتفاق كلجدار أوغلو معه إلا لأجل المنصب فقط، لذلك ليست له ضمانة تجاه تنفيذ وعوده لنا"، مضيفاً أن "أردوغان تحالف مع المرشح سنان أوغان الذي يناهضنا أيضا"، لافتا إلى أنه متردد تجاه إعطاء صوته لأحد المرشحين أو امتناعه عن التصويت.
مغامرة غير مضمونة العواقب
وتعليقا على ذلك، ذكر الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، لـ"العربي الجديد"، أنه بغض النظر عن قرار حزب الشعوب الديمقراطي الداعم لكلجدار أوغلو، إلا أن المعادلة ليست قرار السياسيين ورؤساء الأحزاب، بل انطباعات الناخبين وآراؤهم، "فزخم اعتراضات وانتقادات الأكراد في وسائل التواصل والإعلام وعلى ألسنة وأقلام الكثير من السياسيين والإعلاميين يجعل تأثر بعض الناخبين سلباً أمراً متوقعاً".
وقال الحاج: "ليس متوقعاً أن يخسر كلجدار أوغلو الجزء الأكبر من تصويت أنصار (الشعوب الديمقراطي) له، فما زالت تجمعهما الرغبة بهزيمة أردوغان، لكن مقاطعة نسبة ولو بسيطة منهم للانتخابات احتجاجاً على الاتفاق قد تكون محددة في نتيجة الإعادة".
ولفت إلى أن كلجدار أوغلو "بدا مستميتاً لكسب كل صوت وأي صوت جديد قبل جولة الإعادة، فاتفاقه مع أوزداغ مغامرة غير مضمونة العواقب"، حتى بافتراض أنه تواصل مسبقاً مع "الشعوب الديمقراطي" وضمن موقفه.
وأضاف: "الأمر متعلق بتصويت الناخبين لا موقف السياسيين، فقد تكسبه هذه الخطوة بعض الأصوات نظرياً واحتمالاً، لكنها قد تخسره في الجهة المقابلة أصواتاً أكثر من أنصار الأحزاب المحافظة والشعوب الديمقراطي".