أدخل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تنتظرها البلاد ستجرى في 14 مايو/أيار المقبل، البلاد عملياً في الصراع الانتخابي، في ظل منافسة حادة متوقعة بين الأحزاب الحاكمة، والمعارضة التي سعت خلال الأشهر الماضية لتوحيد صفوفها.
وتجرى الانتخابات في ظل عوامل داخلية وخارجية جديدة ستكون لها تداعيات على قرار الناخبين، فالاستحقاق يحصل في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعاني منها تركيا، إذ اقترب التضخم وفق آخر الأرقام في ديسمبر/كانون الأول الماضي من 65 في المائة على أساس سنوي. كما ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية أكثر من مائة في المائة، بحسب أرقام غير رسمية.
هذا الوضع الذي سعت الحكومة منذ أشهر لمعالجته عبر محاولة حل المشاكل الاقتصادية، يُتوقع أن تستفيد منه المعارضة، التي عملت على رص صفوفها عبر تشكيل طاولة سداسية تجمع أبرز أطرافها. وتتزامن الانتخابات أيضاً مع متغيرات دولية وإقليمية عديدة، منها الحرب الروسية الأوكرانية، وتطورات الملفين السوري والليبي، ومشاكل الطاقة العالمية، وسلاسل التوريد، وكلها سيكون لها انعكاسات على الاستحقاق التركي.
وعلى الرغم من أن تركيا تعيش منذ نحو عامين استقطاباً سياسياً بسبب أجواء الانتخابات ومطالب المعارضة بإجراء انتخابات مبكرة، إلا أن إعلان أردوغان عن الموعد سرّع جهود الأطراف السياسية الساعية للوصول إلى سدة الحكم.
الانتخابات التركية في 14 مايو
وأعلن أردوغان، في كلمة له خلال لقاء شبابي في بورصة أمس الأول الأحد، أنه سيستخدم صلاحياته لتقريب موعد الانتخابات إلى 14 مايو المقبل، علماً أن الموعد الأولي كان 18 يونيو/حزيران المقبل. وأشار إلى أنها "ليست انتخابات مبكرة... إنما هذا تعديل لأخذ تاريخ امتحانات (الجامعات) بالاعتبار".
ولفت أردوغان إلى أن الحملة الانتخابية ستبدأ قبل 60 يوماً من الموعد، أي في 10 مارس/آذار المقبل. وبرر أردوغان تقديم موعد الانتخابات بأن حصولها في موعدها السابق يصادف "عطلة الصيف، وفترة حصاد الشاي في منطقة البحر الأسود، وإجراء الامتحانات الجامعية"، مضيفاً "كل هذه العوامل أُخذت بعين الاعتبار كي لا تتعرض الانتخابات لأي معوقات، وخصوصاً كي لا تؤثر على أوضاع الطلاب".
لم تحدد المعارضة بعد مرشحها للرئاسة، وسط أحاديث عن إمكان الذهاب بعدة مرشحين
وبهذا الإعلان سيكون أمام طرفي المنافسة مهلة تزيد على ثلاثة أشهر للتحضير واختيار النواب والقوائم الانتخابية. ويضم التحالف الجمهوري، حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية، وحزب الوحدة الكبرى.
أما الطاولة السداسية للمعارضة، فتضم حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزبي المستقبل ودواء المنشقين عن "العدالة والتنمية"، وحزب السعادة الإسلامي، والحزب الديمقراطي. كما يتواجد في جبهة المعارضة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الممثل في البرلمان، وأحزاب أخرى.
وفي الوقت الذي حدد فيه التحالف الحاكم مرشحه للانتخابات الرئاسية وهو أردوغان، إلا أن المعارضة ما زالت تبحث عن مرشحها المشترك، وسط أحاديث عن الذهاب للانتخابات بعدة مرشحين ثم دعم مرشح واحد للمعارضة في المرحلة الثانية.
ويتوجب أن يحصل أي مرشح رئاسي على نسبة 50 زائداً واحد في المائة من أصوات الناخبين للفوز، وفي حال فشل أي مرشح من الحصول على هذه النسبة في الجولة الأولى من الانتخابات، فإن المرشحين الاثنين الحاصلين على أعلى الأصوات سينتقلان إلى المرحلة الثانية التي تجرى خلال أسبوعين من انتهاء الجولة الأولى.
الحكومة مرتاحة لتخبّط المعارضة
وتعليقاً على هذا التطور، قال عضو "العدالة والتنمية"، المحلل السياسي بكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، إن "موعد الانتخابات الجديد مناسب أكثر، لأن شهر يونيو غير ملائم بسبب انشغال الطلاب بامتحانات القبول الجامعي، وهناك امتحانات الجامعات والمراحل الانتقالية، فتقديم الامتحانات أسبوعاً أو تأخيرها يتسبب بمشكلة، خصوصاً إن حصلت جولة ثانية للانتخابات الرئاسية".
وأضاف أن "تأخير الانتخابات أكثر يُظهر تهرّب الحكومة منها لأنها ستتوافق مع العطلة الصيفية، وبالتالي تقديمها منطقي أكثر قبل الامتحانات والعطلة". وتابع أن "تاريخ 14 مايو له رمزية أخرى، فهو بداية مرحلة ونهاية أخرى مع تولي الحزب الديمقراطي الحكم في البلاد قبل 73 عاماً، ما يُظهر تمسك الحكومة بالديمقراطية واستمرار قيم الحزب التي أُسس العدالة والتنمية عليها وتذكير الشعب بها، فكان التاريخ مناسباً".
وفي 14 مايو 1950، فاز الحزب الديمقراطي الذي أسسه عام 1946 عدنان مندريس وأنصاره في الانتخابات، ليضعوا حداً لـ27 عاماً من حكم حزب الشعب الجمهوري.
أتاجان: الحكومة تحاول الاستفادة من بعض التأثيرات الإيجابية على الاقتصاد
وعن نقاط القوة والضعف لدى الحكومة والمعارضة، قال أتاجان إن "الحكومة تحاول الاستفادة من بعض التأثيرات الإيجابية في الاقتصاد، مع ثبات نسبي في سعر صرف العملة، ورفع الرواتب والأجور، وبدء انخفاض التضخم، وثبات الأسعار، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية، والمشاريع الخدمية العديدة".
ورأى أن الوضع الاقتصادي نقطة ضعف للحكومة، لكنه اعتبر أن "المعارضة ليست جاهزة تماماً للانتخابات، فهي لم تختر بعد مرشحها الرئاسي، ولم تحدد برنامجها، ما يشكّل فرصة للحكومة لإرباك صفوف المعارضة بتبكير موعد الانتخابات".
وأكد أتاجان أن "الصناعات الدفاعية نقطة قوة للحكومة في الداخل والخارج، إضافة إلى الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية وإمكانية لعب دور الوسيط، وعدم معاناة تركيا من تبعات (اقتصادية) كما حصل في الولايات المتحدة وبريطانيا، وبالتالي تحاول الحكومة الاستفادة من هذا الوقع". كما رأى أن التدخلات الخارجية، الأوروبية والأميركية، في الشأن الداخلي التركي، والدعم المقدّم للمعارضة إعلامياً، ينعكسان سلباً على المعارضة.
أوراق قوة المعارضة التركية
من جهته، قال بولنت كايا، نائب رئيس حزب السعادة، أحد أطراف الطاولة السداسية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الطاولة السداسية مستعدة للانتخابات، وتم الانتهاء من البرنامج الحكومي وسيُعرض على الرأي العام نهاية الشهر". ولفت إلى أنه "سيبدأ البحث باسم المرشح الرئاسي في الأيام المقبلة، وليس هناك تأخير في هذا الموضوع، فنحن قلنا سابقاً إننا لن نناقش مسألة المرشح الرئاسي قبل دخول مرحلة الانتخابات".
ورأى كايا أن "المعارضة تملك أبرز أوراق القوة وهي تلاقي 6 أحزاب سياسية من مختلف المشارب، على الرغم من الاختلافات بينها، من أجل حل مشاكل البلاد، وهي فرصة كبيرة". وأضاف أن "اجتماع أحزاب المعارضة يفتح مجالاً للتوصل إلى نقاط مشتركة لكيفية حل مشاكل تركيا، كما أنه يعكس حالة الديمقراطية، عكس النظام القائم على حكم الشخص الواحد (أردوغان)".
كايا: الطاولة السداسية مستعدة للانتخابات وسيبدأ البحث باسم المرشح الرئاسي في الأيام المقبلة
من جهته، رأى الكاتب السياسي مصطفى أوزجان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة تشهد خلافات عديدة في صفوفها، فهي تتشكل من 6 أطراف تتفق في نقاط وتختلف في أخرى"، مضيفاً "نقطة قوة المعارضة هي استغلال التدهور الاقتصادي، مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، واستمرار آثار ما بعد جائحة كورونا، والمعارضة تراهن على هذه النقطة وتعتقد أنها في صالحها".
ولفت أوزجان إلى أن تحديد موعد الانتخابات في 14 مايو له معنى خاص، "إذ يعود بالتاريخ إلى ما قبل 73 عاماً، حين قال رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس كفى لحكم حزب الشعب الجمهوري، وأدلى الشعب بصوته ووضع حداً لحكم هذا الحزب"، مضيفاً: "يتمنى أردوغان أن يتكرر التاريخ إذ يعتبر أن حزب العدالة والتنمية امتداد لأحزاب يمينية ومحافظة مثل حالة مندريس".
وتوقع أن تشهد فترة الانتخابات صراعاً واستقطاباً حاداً بين المعارضة والحكومة، "وإذا فاز الحزب الحاكم ستعترض المعارضة على نتائج الانتخابات ما قد يؤدي إلى صراع أكبر"، آملاً أن "تكون النتائج حاسمة لمنع أي مشاكل لاحقة".
أما الصحافي خليل تشليك، فقال لـ"العربي الجديد" إن "البلاد دخلت فعلياً مرحلة الانتخابات، ومن الواضح أن هناك استعداداً أكبر من قِبل الحكومة"، لكنه لفت إلى أن "المعارضة تمتلك أوراق قوة منها تعزيز مسألة الديمقراطية والحقوق والدستور، وتراجع الاقتصاد".
وأضاف "هناك نقاط قوة وضعف لكل طرف، ولكن المؤكد أنها انتخابات حاسمة، وكان أردوغان قد وصفها سابقاً بأنها مفترق طرق، خصوصاً أن هناك اهتماماً عالمياً كبيراً بها"، متوقعاً "أن يبلغ الاستقطاب ذروته في الفترة المقبلة، وقد نشهد تشنجاً سياسياً كبيراً يكون مسرحه الإعلام في الأشهر المقبلة".