كثّفت تركيا ضرباتها الجوية، خلال الأيام الماضية، على مخابئ مسلحي حزب العمال الكردستاني في مناطق متفرقة من أطراف إقليم كردستان العراق، مخلّفة خسائر كبيرة بين صفوف المسلحين، وتحديداً القادة منهم، وسط التزام حكومتي بغداد وأربيل الصمت، على خلاف العادة، في إصدار بيانات وتصريحات رافضة لعمليات القصف التركي المتكررة، التي تعتبرها الخارجية العراقية انتهاكاً للسيادة العراقية.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، منذ مساء الخميس الماضي، تدمير نحو 20 هدفاً لمسلحي حزب العمال الكردستاني، وتحييد (قتل أو أسر أو جرح) العديد من "الإرهابيين" في العمليات الجوية التي نُفذت داخل حدود إقليم كردستان. وجاء في بيانات متفرقة صدرت عن وزارة الدفاع التركية، أن الضربات طاولت مناطق متين وكارا وخواكورك وأسوس، وهي مناطق عراقية حدودية مع تركيا، وتقع ضمن إقليم كردستان، وتخضع لسيطرة مسلحي حزب العمال المعارض لأنقرة.
كما استهدف الطيران التركي مواقع لمسلحي الحزب في نينوى ضمن مدينة سنجار (غرب الموصل 115 كيلومتراً).
ووفقاً لمصادر أمنية كردية، فإن القصف التركي المكثف في الأيام الماضية أوقع خسائر بشرية ومادية في صفوف الحزب، وأدى إلى تدمير ما لا يقل عن 3 مخازن عتاد تابعة له، قرب قنديل وزاخو شمالي العراق.
وبيّنت المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن القصف المركّز دفع مسلحي الحزب إلى منع دخول الفلاحين والسكان المحليين مناطق وجوده، خوفاً من أن يكون الجيش التركي قد جنّد عدداً منهم لحسابه.
"ضربات مباشرة ودقيقة" على مسلحي العمال الكردستاني
الناشط السياسي في دهوك، علي عقراوي، قال لـ"العربي الجديد"، "إن مسلحي حزب العمال الكردستاني تعرّضوا لضربات مباشرة ودقيقة، تسببت في سقوط خسائر لهم، لكن في المقابل اعتقلوا عدداً من المواطنين (أكراد عراقيين) بتهمة التجسس لصالح الجيش التركي خلال اليومين الماضيين، وهم من سكان قرى قريبة على مواقع مسلحي الحزب".
من جانبه، قال عضو بارز في الحزب الديمقراطي الحاكم بأربيل إن "القصف التركي الأخير لم يتسبب في أي خسائر بين المدنيين في المناطق التي يستخدمها العمال الكردستاني للاختباء، كما أن حكومة الإقليم طالبت حزب العمال بإخلاء المناطق الحدودية التي يسيطر عليها، تحاشياً لتعرّض السكان والقرويين للقصف".
وبيّن المصدر ذاته لـ"العربي الجديد" أن "أربيل وبغداد تتابعان هذه العمليات، وهناك اجتماعات مستمرة تعقد بين هذه الأطراف".
وجاءت هذه الغارات بعد إعلان وزارة الدفاع التركية عن ارتفاع عدد قتلى الجيش التركي إلى 12 جندياً الأسبوع الماضي، نتيجة هجمات لمسلحي حزب العمال الكردستاني استهدفت الجيش التركي داخل مناطق حدودية عراقية تركية.
الخبير بالشأن الأمني العراقي ماهر جودة أشار إلى أن "أربيل متخوفة من أي أنشطة عسكرية وأمنية قد تمارسها جماعات من العمال الكردستاني، لذلك فهي متفاهمة مع أنقرة بهذا الخصوص، وبغداد تقدّر موقف أربيل وفقاً للمصالح المشتركة".
وأكمل جودة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الصمت في أربيل وبغداد هو إجراء طبيعي في ظل وجود اتفاقات مع تركيا، لكن هناك غضباً كبيراً من فصائل عراقية تجاه حكومتي محمد شياع السوداني ومسرور بارزاني من هذا الصمت الذي تعتبره الفصائل مؤامرة ضد مصالحها مع العمال".
تركيا تعلن قتل مسلح في الكردستاني شارك باغتيال دبلوماسي في أربيل
وفي السياق، نقلت وسائل إعلام تركية، اليوم الأحد، عن مصادر أمنية، تمكّن جهاز المخابرات التركية من قتل مسلح في حزب العمال الكردستاني خلال الضربات، متهم بقتل دبلوماسي تركي في مدينة أربيل عام 2019.
وقالت قناة خبر تورك إن جهاز المخابرات تمكن من قتل جميل أكار، الملقب بـ"ريناس ديريك"، بعد أن حققت أجهزة الاستخبارات في الحادث إثر اغتيال الدبلوماسي عثمان كوسيه من قبل مسلحي الكردستاني.
جهاز المخابرات التركية تمكن من قتل جميل أكار، الملقب بـ"ريناس ديريك"
وفي يوليو/تموز 2019، هاجم مسلحون بمسدسات مزودة بكاتم للصوت القنصل التركي عثمان كوسيه، داخل مطعم في مدينة أربيل، ما أدى إلى وفاته في الحال متأثراً بجروحه، واتهمت سلطات إقليم كردستان العراق وأنقرة "العمال الكردستاني" بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
وبحسب نفس المصادر، فإن أجهزة المخابرات راجعت التسجيلات ومشاهد الفيديو وتبيّن أن المهاجمين دخلا المطعم سيرا على الأقدام، وجلسا على طاولة بالقرب من طاولة الدبلوماسي كوسيه، وسرعان ما فر المسلح الثالث الذي كان بالداخل في ذلك الوقت مع المهاجمين.
وبعد الهجوم ومن خلال الفحص التفصيلي للقطات الكاميرات الأمنية، تم التعرف على هوية منفذي الهجوم ومن تعاونوا معهم، وتبيّن أن أحد المسلحين الذين نفّذوا الهجوم هو جميل أكار، الملقب بـ"ريناس ديريك".
ومع تعمق العمل الاستخباراتي بعد الحادثة، تم التوصل إلى أن المسلح، وهو عضو في الكردستاني، انتقل من أربيل إلى منطقة السليمانية ومن هناك إلى جبال قنديل.
وفي العملية الجوية التي نفذتها المخابرات التركية والقوات المسلحة في شمال العراق (لم يذكر تاريخها)، تم بنجاح ضرب أهداف للكردستاني، وتم تحييد العديد من المسلحين، وتبيّن من خلال العمل الاستخباراتي الذي تم تنفيذه، أن منفذ الهجوم الذي قتل فيه الدبلوماسي كوسه، كان من بين المسلحين الذين تم تحييدهم.
وأفادت نفس المصادر بأن المسلح أكار عبر من تركيا إلى سورية بطريقة غير شرعية نهاية 2014، وانضم إلى الكردستاني، ومن ثم واصل أنشطة الحزب في منطقة مخمور بالعراق.
وسابقاً، أعلنت المخابرات التركية تحييد جلال كايا، الملقب بـ"حسن"، المحرّض على الهجوم الذي قتل فيه الدبلوماسي عثمان كوسه في أربيل، خلال عملية جرت في السليمانية شمال العراق الصيف الماضي.
ومنذ منتصف عام 2021، تستهدف العمليات العسكرية التركية البرية والجوية مقار وعناصر حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان، وتقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا، حيث يتخذ الحزب منها منطلقاً لشن الهجمات في الداخل التركي.
وأدت تلك العمليات خلال الفترة الماضية إلى مقتل المئات من مسلحي حزب العمال، وتدمير مقار ومخازن سلاح ضخمة تابعة للحزب، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع التركية.
وينتشر "العمال الكردستاني" في مناطق متفرقة من إقليم كردستان العراق إلى جانب مناطق غرب نينوى، أبرزها سوران وسيدكان وقنديل وزاخو والزاب والعمادية وحفتانين، وكاني ماسي، إلى جانب مخمور وسنجار.
ويحظى مسلحو "العمال" بعلاقة مباشرة مع مليشيات عراقية مسلحة حليفة لإيران، أبرزها "كتائب حزب الله" العراقية، و"عصائب أهل الحق"، كما نجح في تجنيد المئات من المسلحين المحليين من الأكراد الأيزيديين في سنجار وضواحيها، وشكّل ذراعاً محلية له تُعرف باسم "وحدات حماية سنجار".