- الجيش التركي يستخدم الطيران المسيّر لاستهداف قيادات "قسد"، في ظل ضغوط روسية وأميركية تحول دون شنّ عملية عسكرية كبرى منذ 2020، مع استمرار التوتر في شمال سورية.
- المحللون يرون أن تركيا تسعى لاستغلال الوضع الإقليمي المضطرب وتحسين علاقاتها مع بغداد لمواجهة "قسد"، لكنها تواجه عقبات دولية وتضارب مصالح مع روسيا والولايات المتحدة، مما يجعل مستقبل العملية العسكرية الملوح بها غير مؤكد.
لوّحت تركيا مجدداً بورقة استخدام القوة ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتوغل للمرة الثالثة في عمق الأراضي السورية في شمال سورية لدرء خطر هذه القوات التي يعتبرها الأتراك امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وهدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس الاثنين، بعملية عسكرية واسعة النطاق في العمق السوري "عندما يحين الوقت المناسب"، مضيفاً: "سنكمل عملنا في سورية، والذي تُرك غير مكتمل بسبب الوعود التي قطعها حلفاؤنا ونكثوا بها". كما قال في خطاب وجهه للشعب التركي عقب رئاسته اجتماعاً للحكومة في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة: "أريد أن يكون الأمر معلوماً، طالما أن بي كي كي (حزب العمال الكردستاني) يجد لنفسه متنفساً في العراق وسورية، لا يمكن أن نشعر بالأمان إطلاقاً". وأشار الرئيس التركي إلى أن "الإرهابيين في جبال قنديل (معقل حزب العمال على الحدود التركية العراقية)، وفي شمال سورية، سيواصلون التدخل ضد تركيا وفي سياستها وضد مواطنيها بكل فرصة"، مشدداً على أن "أي دولة لا تقبل بهذا الأمر".
ضربات تركية متواصلة في شمال سورية
ولطالما هدّد الجانب التركي منذ عام 2020 بشنّ عملية عسكرية واسعة ضد "قسد" التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي وتسيطر على الشمال الشرقي من سورية، إلا أن الرفض الأميركي والروسي لأي تغيير لخرائط السيطرة الحالية في سورية لا يزال يحول دون ذلك. وكان الجيش التركي على وشك الهجوم على "قسد" أواخر عام 2021، لولا الضغوط الروسية والأميركية، إلا أنه لجأ إلى بدائل أهمها استخدام الطيران المسيّر لقتل شخصيات في الصفّين الأول والثاني في الوحدات الكردية.
فراس رضوان أوغلو: أنقرة تحاول الاستفادة من تحسن علاقاتها مع بغداد
وفي مطلع العام الحالي، شنّ الطيران التركي حملة قصف مركزة على المرافق الحيوية في شمال شرقي سورية رداً على مقتل تسعة جنود أتراك خلال اشتباكات مع ما قالت أنقرة في حينه إنهم عناصر من حزب العمال الكردستاني لدى محاولتهم التسلل إلى قاعدة تركية شمالي العراق. وتتعامل أنقرة مع "قسد" على أنها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني المصنف لدى العديد من الدول في خانة التنظيمات الإرهابية. وسبق للجيش التركي أن شنّ عمليتين عسكريتين ضد "قسد"، الأولى في غرب الفرات مطلع 2018، وأجبرها على الانسحاب من عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، باتجاه تل رفعت، شمالي حلب. أما الثانية، فشنّها أواخر العام 2019 في شرق الفرات، مُبعداً "قسد" عن منطقتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سورية.
وتعليقاً على تصريحات أردوغان، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أنقرة تحاول الاستفادة من الوضع الإقليمي المضطرب، ومن تحسّن علاقاتها مع بغداد أخيراً، للتعامل مجدداً مع قوات قسد في شمال شرقي سورية". وحول جدية أنقرة هذه المرة في شنّ العملية التي تلوّح بها منذ سنوات، رأى أن "الأمر مرتبط بمدى القبول الأميركي"، مشيراً إلى أن الطائرات المسيّرة (التركية) لا تزال تقصف أهدافاً في شمال شرقي سورية. وبرأيه، فإن "تركيا ستكون مرتاحة في حال محاصرة حزب العمال الكردستاني بمساعدة من الحكومة العراقية، ومن خلفها إيران".
مؤشرات جدّية لعمل عسكري
من جهته، رأى المحلل العسكري في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك مؤشرات عدة على جدّية تركيا بتنفيذ عمل عسكري في شمال سورية ضد قسد". وتابع: "عمليات الطيران المسيّر التركي ضد أهداف ومنشآت اقتصادية تؤمن الدعم المالي لحزب العمال الكردستاني وذراعه السورية قسد، واستهداف الشخصيات القيادية، كل تلك الخطوات هو بمثابة تكتيكات مرحلية وصولاً إلى تنفيذ عمل برّي يقلص بموجبه سيطرة قسد على الأرض".
حوراني: قد تعمل أنقرة على وصل منطقة نبع السلام في شرقي الفرات بالحدود السورية مع العراق
وأعرب حوراني عن اعتقاده بأن تصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر منذ أيام عن سورية وربطه أي حوار (مع النظام السوري) حول الوجود التركي في شمال سورية مع كتابة دستور وإجراء انتخابات "تحمل في مضمونها رسالة مفادها أنه ليس هناك انسحاب للجيش التركي من شمال سورية ما دام النظام يغتصب السلطة في البلاد وهو ما يشكل عاملاً رئيسياً من عوامل عدم الاستقرار في سورية". ولكن حوراني رأى أن هناك عقبات أمام أي عملية عسكرية تركية محتملة في سورية "أبرزها المواقف الدولية الرافضة لأي عمل عسكري ضد أي طرف من الأطراف في سورية تخوفاً من موجات الهجرة، فضلاً عن تضارب مصالح القوى المتدخلة في سورية، خصوصاً روسيا والولايات المتحدة".
وعن حدود وعمق التدخل التركي المحتمل في سورية، رأى حوراني أن الجانب التركي "يستهدف الانتشار على طول حدوده مع سورية وبعمق 30 كيلومتراً بدلاً من خمسة كيلومترات كما ينصّ اتفاق أضنة المبرم في تسعينيات القرن الماضي بين أنقرة والنظام". وأضاف: "بناء على ذلك قد يكون العمل العسكري مرحلياً يقتصر على ريف حلب الشمالي، أو ربما تعمل أنقرة على وصل منطقة "نبع السلام" في شرقي الفرات بالحدود السورية مع العراق (إقليم كردستان)، خصوصاً أن أردوغان زار أخيراً العراق وكردستان اللذين صنّفا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وهو الأمر الذي يبرّر لتركيا ملاحقته وقطع سبل إمداده من سورية".