قبل أسبوع من اليوم، وتحديداً في 3 مارس/آذار الحالي، أقيم في مدينة إسطنبول المؤتمر السنوي الثاني لـ"الميثاق الوطني العراقي"، الذي ضمّ عدداً من القوى السياسية والمدنية المعارضة أبرزها، "التيار القومي العربي"، و"هيئة علماء المسلمين في العراق"، و"مجلس عشائر جنوب العراق"، و"منتدى الكفاءات الوطنية"، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني. وتفاعل مع المؤتمر عراقيون من أبناء الجالية المقيمة في إسطنبول وبلدات تركية مجاورة. وجرى خلال المؤتمر توجيه الدعوة إلى مجلس الأمن الدولي لتحمّل مسؤوليته في ما يتعلق بالوضع العراقي في عدد من الملفات الحقوقية والإنسانية الملحّة، وإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية، وإدانة العمليات الإرهابية وانتهاكات المليشيات المسلحة في البلاد، وإيجاد حلّ لأزمة منطقة جرف الصخر، التي تسيطر عليها المليشيات منذ قرابة 6 سنوات وتمنع أهلها من العودة إليها. فضلاً عن الدعوة لطرد مسلحي حزب "العمال الكردستاني" من مدن شمال العراق، لتورط الحزب بعمليات إرهابية داخل العراق. وقدّم المشاركون في المؤتمر أنفسهم على أنهم يسعون لتغيير العملية السياسية المبنية على المحاصصة الطائفية، والانتقال إلى نظام سياسي وطني عادل.
لم تعلّق الحكومة العراقية على البيان الختامي للمؤتمر الذي غطته وكالة "الأناضول" التركية، وعدد من وسائل الإعلام العراقية والعربية ممن تمتلك مكاتب في إسطنبول، لكن عضو اللجنة العليا للمؤتمر، عبد القادر النايل، قال لـ"العربي الجديد"، إنهم يسعون إلى "مواصلة الحراك الهادف إلى تصحيح الأوضاع الشاذة التي خلفها الغزو الأميركي للعراق، من خلال الدعوة إلى الحل الوطني والقضاء على المحاصصة الطائفية وإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد".
النايل: تركيا توفر هامشاً كبيراً من الحرية للعمل السياسي
وحول إقامة المؤتمر في إسطنبول التي وفدت إليها الشخصيات المشاركة من دول عدة، قال النايل إنّ "إقامة المؤتمر في إسطنبول، يعتبر بحد ذاته مؤشراً على أكذوبة الديمقراطية في العراق، بدليل إقامته خارج البلاد"، مضيفاً أن "تركيا توفر هامشاً كبيراً من الحرية للعمل السياسي والتحدث بحرية بالنسبة للناشطين والمعارضين، ووجدنا منهم تعاملاً طيباً وعدم تدخل أو ممارسة أي ضغوط على العراقيين في هذا الإطار".
ومنذ الربع الأول من العام الماضي، وتحديداً عقب موجة الاغتيالات والاعتقالات التي طاولت الناشطين العراقيين في مدن جنوب ووسط العراق وبغداد، لجأ العشرات منهم إلى تركيا للإقامة هناك، ومارسوا منذ منتصف العام الماضي أنشطة سياسية معارضة للسلطات والأحزاب الحاكمة في العراق ولهيمنة الفصائل المسلحة على البلاد. وتحولت مدينة إسطنبول إلى مركز تجمّع للمعارضين السياسيين العراقيين بمختلف توجهاتهم، بعدما كانت دمشق وعمّان تتشاركان الصفة بكونهما مركز استقطاب لسياسيين وقوى عراقية معارضة للغزو الأميركي والعملية السياسية التي نتجت عنه بعد عام 2003.
لكن هذا لم يكن أول الأمر، إذ سبق الناشطين العراقيين، قوى سياسية وناشطين من المحافظات التي سقطت بيد تنظيم "داعش" عام 2014، شمال وغربي البلاد، فلجأوا إلى تركيا ومارسوا منها أنشطتهم السياسية والإعلامية. وساعدت في هذا التوجه إلى تركيا، التسهيلات التي تقدمها السلطات هناك في ما يتعلق بتأشيرات الدخول أو الإقامة بالنسبة للعراقيين، فضلاً عن العامل الاقتصادي الأكثر ملاءمةً، مقارنة بدول أخرى مجاورة للعراق ترتفع فيها تكاليف السكن والعيش.
وعادة ما يتم تنظيم مؤتمرات وورش وندوات سياسية مختلفة تتعلق بالشأن السياسي والحقوقي العراقي من قبل الناشطين السياسيين والمعارضين للعملية السياسية على حد سواء. ويقول بعض القائمين على هذه الندوات من العراقيين، وهم من تيارات مدنية ودينية مختلفة، إنهم عانوا من قيود عديدة في دول عربية بالسابق مثل الأردن ولبنان في ما يتعلق بمسألة تنظيم أنشطة سياسية أو فعاليات مؤيدة للاحتجاجات الشعبية ومنددة بالقمع الحاصل في العراق بحق المتظاهرين؛ سواء على مستوى أخذ الموافقات الأمنية أو حتى ممارسة النشاط الإعلامي في هذا الإطار. عدا عن الجانب التحقيقي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية حول القائمين أو الناشطين في هذه الفعاليات هناك، وهو ما لم يصادفهم في تركيا.
تقدم تركيا تسهيلات في ما يتعلق بتأشيرات الدخول أو الإقامة بالنسبة للعراقيين
في السياق، وصف أحمد السعدي (اسم حركي)، وهو ناشط عراقي من مدينة البصرة جنوبي العراق ويتواجد في مدينة إسطنبول، الأوضاع في الأخيرة بأنها "جيدة"، لكنه لم يخفِ أمله بالانتقال إلى دولة أخرى لممارسة نشاطه السياسي من هناك، بغية الابتعاد عن التصنيف في الولاءات والأجندات الحاصل في المنطقة. وأضاف السعدي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "أوروبا مغلقة بوجه العراقيين، وكذلك الدول الغربية الأخرى، لذا فإنّ وجود الناشط أو السياسي في أي من دول المنطقة، سيضعه في خانة التصنيف، كون كل الدول وخصوصاً المحيطة بالعراق، واقعة ضمن محاور متناقضة ومتصارعة". ولفت إلى أنه غادر البصرة نهاية أغسطس/آب العام الماضي، بعد موجة اغتيالات وخطف لزملاء له شاركوا في الاحتجاجات معه في فلكة البحرية (ساحة اعتصام وتظاهر في البصرة) ولم يجد أفضل من تركيا، خصوصاً أن الأسعار مناسبة للعيش بأقل من 500 دولار بالشهر، كونه يعيش بمفرده.
وأوضح السعدي أنه ينشط مع ناشطين آخرين في ندوات حوارية مستمرة في أحد المقاهي بمدينة إسطنبول، عادةً ما تركز على سبل تحقيق الدولة المدنية في العراق، وخلق حالة وعي في الشارع من خطورة استمرار حالة الاستقطاب الطائفي داخل العملية السياسية في البلاد، مشيراً إلى أنه يملك صفحة مع اثنين من زملائه الآخرين على "فيسبوك"، تحمل اسم أحد أحياء البصرة القديمة، ويتابعها عدد كبير من العراقيين وينشر فيها خطاباً مدنياً وتوعوياً، ويشعر بأنه يقوم بواجبه التوعوي.
ناشط عراقي في إسطنبول: أوروبا مغلقة بوجه العراقيين، وكذلك الدول الغربية الأخرى
وكشف السعدي عن وضع زملاء آخرين له متواجدين حالياً في إحدى الدول العربية، قائلاً: "حاول ناشطون عراقيون بينهم طلاب في هذه الدولة، إقامة احتجاج أمام السفارة العراقية تنديداً بعمليات قمع المتظاهرين في الناصرية قبل نحو شهر، لكن الأمن لم يسمح لهم، بل وطلب من الناشط الذي قدم طلب الموافقة لإقامة الاحتجاج الحضور في اليوم الثاني لأحد المراكز الأمنية، وتم التحقيق معه قبل السماح له بالمغادرة، وحالياً يخشى أن يتم إلغاء إقامته وتسفيره إلى العراق".
وحول الموضوع نفسه، قال الخبير في الشأن العراقي إياد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ نحو ثلاث سنوات باتت إسطنبول خاصة، وتركيا بشكل عام، مقصداً للكثير من النشطاء والمعارضين العراقيين، ولعل ذلك يعود لعدم وجود أي تأثير ضاغط لحكومة بغداد على تركيا، بخلاف ما شهدناه من ضغوط مارستها حكومات عراقية ما بعد 2003 على دول عربية بسبب إيوائها لمعارضين عراقيين أو حتى وسائل إعلام عراقية معارضة". وأضاف الدليمي أنّ "هذا الأمر لا تجده في تركيا وعلاقتها بالعراق. يضاف إلى ذلك، أن تركيا سهلت الكثير من إجراءات الإقامة على أراضيها سواء لعراقيين أو عرب، ما شكّل فرصة للكثير من تيارات المعارضة العربية والعراقية لنقل أنشطتها إليها". وختم بالقول "أعتقد أن تركيا نجحت في أن تكون عاصمة لقوى المعارضة العراقية وحتى قوى عربية أخرى، ويبقى الدور على تلك المعارضة لتنظيم صفوفها والاستفادة من حرية العمل في تركيا، لإنضاج معارضة قادرة على أن تسهم في نقل العراق نحو تجربة ديمقراطية أكثر وعياً".