بدأ في مصر ترويجٌ لسيناريو إحداث تغيير حكومي جذري موسع، يشمل رئيس الحكومة الحالي مصطفى مدبولي، ووزراء يتولون وزارات في المجموعة الاقتصادية والخدمية، لاختبار مدى إمكانية نجاح هذه الخطوة بحال حدوثها، في امتصاص وتخفيف حالة الاحتقان التي لوّح لها الرئيس عبد الفتاح السيسي كثيراً بكلامه المتكرر عن صبر المصريين وتحملهم، ومرور البلاد بأزمات اقتصادية وظروف صعبة.
نصيحة بتأجيل التغيير الحكومي في مصر
وبينما يؤكد سياسيون وبرلمانيون مصريون، أن التغيير الحكومي أصبح قريباً من التنفيذ، قالت مصادر برلمانية أخرى، إن دوائر قريبة من السيسي، تلقت نصيحة مضمونها أنه إذا كانت هناك قرارات اقتصادية صعبة، خصوصاً في ما يتعلق بتعويم منتظر للعملة المحلية، وهو أمر متوقع، فمن الأفضل تأجيل خطوة التغيير الحكومي حتى الانتهاء من تنفيذ هذه القرارات. وهذا السيناريو هو المرجح حتى الآن، لأنه سيكون من الصعوبة إلى درجة كبيرة أن تستهل أي حكومة جديدة عملها بقرارات صادمة لشرائح واسعة من المصريين.
سيكون من الصعوبة أن تستهل أي حكومة جديدة عملها بقرارات صادمة للمصريين
وبدا لافتاً تصاعد النقد لأداء الحكومة من جانب بعض المعارضين، وحتى المحسوبين على النظام، وهو ما فسّره هؤلاء بأنه "محاولة لإبعاد النقد عن الرئيس، وتوجيهه فقط للحكومة، بينما الوقائع والتصريحات السابقة للسيسي نفسه، تؤكد أنه صاحب القرار الأول والأخير داخل الدولة.
وبحسب مصادر برلمانية، "فقد بدأت بالفعل أجهزة مختلفة في الدولة اقتراح طرح أسماء بديلة لرئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر، وعدد من وزراء الحقائب الخدمية". وكشف مصدر آخر لـ"العربي الجديد"، عن أن "هناك بروزاً لافتاً لاسم الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية المحلية السابق، في عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، ورئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس السابق، كرئيس للحكومة، خلفاً لمدبولي". وأوضح أنه "جرى اجتماع معه خلال الأيام القليلة الماضية، تناول رؤيته للوضع الاقتصادي الحالي، وأطروحاته للخروج من المأزق الراهن".
وأرجع المصدر "ترشيح درويش لخلافة رئيس الوزراء الحالي، لدرايته بدولاب العمل الحكومي المصري جيداً، وكذلك تشابه طباعه الهادئة مع مدبولي". وقال إن "هذه الشخصية هي التي يفضلها الرئيس، إضافة إلى أنه شخصية اقتصادية تتمتع بثقة واحترام بين المتخصصين ورجال الأعمال وكذلك المؤسسات الاقتصادية الدولية".
وكان أحمد درويش قد أكد في آخر حديث إعلامي له، أن "مصر بحاجة إلى تفكير جديد في ما يتعلق بإدارة مواردها". وأضاف درويش خلال "بودكاست" لـ"مركز حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة (الأول من يونيو/حزيران الماضي): "أنا متخوف من أننا ما زلنا متمسكين بالهياكل القديمة، وأننا في حاجة للتفكير في هياكل جديدة، فهذا ما سيضعنا على الطريق الصحيح لاستثمار الموارد المتاحة لنا". وضرب مثالاً بـ"معضلة الأوراق الحكومية، وآثارها السلبية في تعطيل سير العمل، بينما يمكن الاستغناء عن هذه الأوراق تماماً".
توصيات بتنفيس احتقان الشارع المصري
وقال المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، إن "خطوة تغيير الحكومة بالكامل، كانت مؤجلة لما بعد الانتخابات الرئاسية المقرر لها مطلع العام المقبل، إلا أن الأوضاع الراهنة، وتنامي حالة الغضب في الشارع المصري، طرحت تعديل تلك الرؤية من خلال تغيير حكومي واسع، أو تعديل محدود، لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية".
ولفت المصدر إلى أن "حالة الغضب بسبب أزمة انقطاع الكهرباء في الوقت الحالي، تشبه إلى حدّ كبير الأزمة التي خلّفتها نتائج الثانوية العامة العام الماضي، وتراجع النتائج، ما أدى للإطاحة بوزير التربية والتعليم وقتها طارق شوقي، رغم أنه كان يحظى بدعم وثقة كبيرين
من جانب رئيس الجمهورية، وهو ما ينطبق على وزير الكهرباء الحالي محمد شاكر، وكذلك رئيس الوزراء".
وبحسب المصادر، فقد "تصدر الحديث عن حلول سياسية للأزمة من أجل تهدئة الشارع، توصيات الأجهزة السيادية، لحين التوصل إلى حلول عملية تخفف من وطأة الأزمة، وذلك في ظل تبادل جهات حكومية مصرية الاتهامات بشأن انقطاع التيار الكهربائي".
يبرز اسم الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية المحلية السابق، كمرشح لخلافة مدبولي
وحول فرص نجاح الجهات السيادية في تنفيذ "مناورة التدوير الحكومي" لمواجهة الأزمات العاصفة في الساحة المصرية، قال الباحث في العلوم السياسية، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، حسام الحملاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "تابع بالفعل طرح بعض الأسماء من قبل جهات معينة في الإعلام المصري على شكل تسريبات مقصودة، في الوقت الحالي، بالتزامن مع الأزمات الحياتية التي يعيشها المواطن المصري، كانقطاع الكهرباء على سبيل المثال".
لكنه اعتبر أنه "بغض النظر عن الأسماء وصفاتها وتاريخها، فإن الجميع بات يعلم أن ما تبقى من النظام المصري الرسمي، يدار من قبل شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي، تجاوره مجموعة من الضباط كنجله محمود السيسي واللواء عباس كامل مدير جهاز الاستخبارات العامة، والضابط أحمد شعبان مدير ملف الإعلام في الاستخبارات". ويعني ذلك برأيه أن المشكلة "ليست في الشخص الذي يدير الوزارة أو مجلس الوزراء ككل، وإنما المشكلة تكمن في أن هؤلاء الذين يتم وضعهم في المناصب الحكومية لا يملكون أي صلاحيات للتعامل مع الأزمات القائمة".
تصدر الحديث عن حلول سياسية للأزمة من أجل تهدئة الشارع توصيات الأجهزة السيادية
وفي وجهة نظر أخرى، قال الرئيس السابق لحزب الدستور، وعضو الحركة المدنية الديمقراطية، علاء الخيام، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة التي تمرّ بها مصر لا تتعلق بالحكومة وأشخاصها، وبالتالي أي تغيير في جسم الحكومة أو تغييرها بشكل عام لن يغير الواقع السيئ الذي وصلت إليه الدولة المصرية خلال السنوات الماضية".
وأوضح أن المواطن المصري "لم يلمس أي تغيير في الوضع مع تغير الحكومات والوزراء خلال العقد الأخير، وبالتالي فإن تغييراً جديداً لن يكون ذا فائدة، طالما بقيت سياسات النظام ككل على ما هي عليه، وفي ظل عدم وجود رؤية وطنية جامعة، وهذا يتطلب إشراك الجميع، وعدم اقتصار اتخاذ القرارات على فئة محددة".
وبرأي الخيام فإن "المخرج الوحيد، يتمثل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، باختيار شخصية قادرة على الخروج من الأزمة، والاستماع للجميع والإتيان برئيس جديد مؤمن بالعمل مع الجميع".