شهدت الأيام الأخيرة اغتيال تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" مسؤولين أمنيين وعسكريين مصريين في محافظة شمال سيناء، بعد فترة من الهدوء النسبي التي سادت المحافظة. ويضع هذا التطور علامات استفهام حول كيفية وصول التنظيم لهذه القيادات الوازنة على المستوى الأمني في سيناء، خصوصاً أن أحد القتلى هو ضابط رفيع في جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع، الفاعل بشكل أساس في شمال سيناء، والذي ينسق كل النشاطات في المحافظة، بما فيها العلاقة بين المجموعات القبلية المسلحة وقوات الجيش، وكذلك يتحكم في كل صغيرة وكبيرة في شمال سيناء، منذ سنوات طويلة. علماً بأنه قلما يتعرض جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع لخسائر مباشرة في صفوف ضباطه.
وفي التفاصيل، قالت مصادر طبية عسكرية لـ"العربي الجديد" إنّ هجمات تنظيم "ولاية سيناء" في الأيام الأخيرة أدّت إلى مقتل ضابطين برتبتين رفيعتين وعدد من المجندين. ففي 31 مايو/أيار الماضي قتل العميد أركان حرب في الجيش المصري خالد علاء الدين العريان برصاص قناص أثناء عمليات عسكرية للجيش جنوب مدينة الشيخ زويد. ويشغل العريان منصب قائد قوات التدخل السريع، وهي أحد أهم تشكيلات الجيش المصري في شمال سيناء، فيما كان يشغل منصب قائد "القوة 888" لمكافحة الإرهاب في الجيش. وبعد أيام قليلة من مقتل العريان، قتل ضابط كبير في المخابرات الحربية المصرية برتبة مقدم أركان حرب، وهو أحمد محمد جمعة، من إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وقائد الكتيبة "26"، بعد انفجار عبوة ناسفة استهدفت آلية عسكرية، فيما أصيب عدد من العسكريين بجروح. وبحسب المصادر، فإن عملية قتل جمعة تعدّ "هجوماً نادراً ونوعياً" في شمال سيناء، مشيرةً إلى أنّ مقتل ضابطين بهذه الرتب العسكرية العالية "يعدّ تطوراً نوعياً في هجمات التنظيم الإرهابي، بعد هدوء نسبي ساد الأوضاع الأمنية خلال الأشهر الماضية، وانخفاض ملحوظ في عدد خسائر قوات الجيش والشرطة في محافظة شمال سيناء خلال العامين الأخيرين".
وصول تنظيم ولاية سيناء إلى قيادات عسكرية وأمنية ليس أمراً سهلاً في شمال سيناء
يشار إلى أنّ تنظيم "ولاية سيناء" تمكّن على مدار السنوات السبع الماضية من اغتيال عشرات القيادات العسكرية والأمنية والشرطية في شمال سيناء، من خلال اعتداءات شملت الاغتيال المباشر من مسافة صفر، وتفجير عبوات ناسفة، وبرصاص القناصة، وخلال اشتباكات مسلحة. وشملت هذه الاغتيالات عدداً من القيادات البارزة برتب رفيعة، ومسؤولين مباشرين عن نشاط الجيش في المحافظة. وتركزت هذه العمليات في مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد ووسط سيناء.
في السياق، قال باحث في شؤون سيناء، فضّل عدم الكشف عن اسمه لوجوده في المحافظة، إن "وصول تنظيم ولاية سيناء الإرهابي إلى قيادات عسكرية وأمنية ليس أمراً سهلاً في شمال سيناء، خصوصاً في ظلّ القبضة الأمنية القوية التي لا اختلاف عليها خلال العامين الأخيرين، وقدرة قوات الجيش على فرض السيطرة في كافة أنحاء المحافظة بشكل شبه كامل بعد سنوات من فقدان هذه السيطرة وتوسع انتشار التنظيم على حساب وجود الجيش والشرطة". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "ما جرى أخيراً له تفسيران فقط؛ الأول أن أحد المتعاونين مع الجيش المصري، ويعرف جيداً تحركات القوات والمسؤولين، أخبر طرفاً في التنظيم بمعلومات حصرية. وهذا متوقع جداً في ظلّ حالة صراع المصالح في شمال سيناء، والعلاقة غير السوية بين القوات النظامية والمجموعات القبلية التي كان يعمل بعضها أصلاً في التهريب عبر الحدود على مدار العقود الماضية، والكثير من أفرادها كان مطلوباً لقوات الأمن والجهاز القضائي، إلا أنه تمت تسوية أوضاعهم، وإشراكهم في الحرب على الإرهاب في شمال سيناء".
ترجيح بتسريبات من قبل المتعاونين مع الجيش أو من قبل أفراد في القوات المسلحة
وأشار المتحدث نفسه إلى أنّ "التفسير الثاني يتعلق بتسريب معلومات أمنية وعسكرية من قبل أفراد أو ضباط في القوات المسلحة لصالح التنظيم. وهذا يعيد هواجس تجارب سابقة لانشقاق ضباط في الجيش المصري والتحاقهم بتنظيم داعش الإرهابي، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يتم فيها تسجيل خسارة بشرية كبيرة في صفوف جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع (المقدم أركان حرب أحمد محمد جمعة)، ويأتي ذلك وسط هدوء أمني شبه تام في كل أنحاء المحافظة. وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية الوصول لهذه الشخصية التي كانت في مهمة عمل في مناطق وسط سيناء، التي ينشط فيها التنظيم، وكذلك المجموعات القبلية المساندة للجيش، والتي تعتبر مناطق شبه خالية من السكان مقارنة بشمال سيناء. كما أن هناك علامات استفهام حول عملية قتل قائد قوات التدخل السريع في منطقة جنوب الشيخ زويد، العميد خالد علاء الدين العريان، برصاصة قناص، من مسافة بعيدة، وسط عدد كبير من العسكريين الذين كانوا موجودين في المكان".