اتهم مدافعون عن أملاك الطائفة الأرثوذكسية في فلسطين الرئاسة الفلسطينية والمملكة الأردنية بالعمل ضد أبناء الكنيسة الوطنيين، من خلال وقوفهما ودعمهما زعامة الطائفة الأرثوذكسية، المتهمة بالوقوف وراء العديد من صفقات تسريب أراضي الطائفة وأملاكها، وبيعها لجهات إسرائيلية، ورفض اتخاذ إجراءات عقابية ضد بعض رموز هذه الكنيسة.
وفي هذا الإطار، قال الباحث المختص، وعضو المجلس الأرثوذكسي أليف صباغ، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول التطورات الأخيرة المتعلقة بهذه الصفقات، واتهام زعامة البطريركية بتسهيل الاستيطان في القدس المحتلة، وتفسيره الجدل الحالي حول ما سبق من اتهامات بهذا الخصوص: "في الوقت الحاضر، ليس لدي رد طالما أن البطريركية لا تفتح أوراقها أمامي، اعتدنا على أكاذيبهم وبياناتهم الكاذبة، وأثبتنا ذلك عشرات المرات".
وتابع صباغ: "لا توجد أي هيئة فلسطينية أو أردنية تضغط على البطريرك لفتح الملفات أمامنا، مصيبتنا ليست مع المحتل الإسرائيلي وحده"، مضيفًا: "مصيبتنا في مملكة أردنية ورئاسة فلسطينية تؤازرانه ضد أبناء الكنيسة الوطنيين لاعتبارات ربما تتعلق بصفقات ما، وبضغوط أميركية واستسلام لهذه الضغوط".
وحول ما يمكن القيام به من إجراءات قانونية لإبطال هذه الصفقات، قال صباغ: "توجهنا إلى المدعي العام الفلسطيني عام 2017، حيث قال لنا قدموا إثباتات، وبالفعل، قدمنا مئات الوثائق، ثم طلب ترجمتها عند مترجم قانوني، وفعلنا ذلك، بعد ذلك قال لنا نحن بحاجة إلى جلسات مع كل واحد منكم فجلسنا، أنا شخصياً جلست مع المحامية مرتين، وقدمت الملف بتوقيع 300 محامٍ فلسطيني، ولم يفعل المدعي العام أي شيء، تابعنا الملف عدة مرات، وكان الجواب أنه بحاجة إلى قرار سياسي".
وتابع صباغ: "فحصنا إمكانية اتخاذ إجراء قانوني في المحاكم الأردنية، وكان الجواب من المختصين في الأردن بأنه لا جدوى من ذلك، ثم فحصنا إمكانية اتخاذ إجراء قانوني بسيط في المحاكم الإسرائيلية، فطلب منا مكتب المحاماة 200 ألف دولار، ونحن لسنا قادرين على تلك التكاليف، خصوصاً أننا نعلم أنها ستمتد إلى أكثر من ذلك بكثير، وربما لعشرات السنوات، لأن المؤسسة الحكومية الإسرائيلية معه وضدنا".
ويذهب المدافعون عن أملاك الطائفة الأرثوذكسية إلى اتهام البطريركية اليونانية للروم الأرثوذكس بمواصلة التفريط بالأملاك المقدسة لصالح الجمعيات الاستيطانية، والتماهي مع المشاريع التهويدية، ومن دون الرجوع لرعاياها، لتنفيذ مشروع استيطاني تهويدي يهدف إلى محاصرة بلدة بيت صفافا في القدس، وتشكيل سد استيطاني طبيعي بين القدس والمناطق الفلسطينية في الخليل وبيت لحم، وذلك من خلال مشروع "غفعات همتوس" الذي يحاصر أيضاً الأحياء الفلسطينية في بيت صفافا وصور باهر بالقدس، على حد تعبيرهم.
وكانت مجموعة "الحقيقة الأرثوذكسية" كشفت أخيراً، في بيان لها، عن تفاصيل مشروع استيطاني، تورط به البطريرك ثيوفيلوس، لتسريب آلاف الدونمات من الأراضي لصالح الاحتلال الإسرائيلي ومشروع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
وبحسب المجموعة، فإن المشروع هو "قديم جديد" في منطقة شرق القدس، سُمّي باسم 'تَلْيِيُوت هَحَدَشاه" (وهو محاذٍ لأرض دير مار إلياس)، إلا أن الجديد في هذا المشروع هو الدور الذي تلعبه البطريركية فيه.
وأشارت المجموعة إلى أنه بعد أن كانت البطريركيّة هي المسرّبة للأرض التي تبنى عليها المستوطنات، تتحوّل هنا في هذا المشروع إلى الذراع التنفيذيّ لإقامة هذه المستوطنة المقترحة، "فهي المبادرة لخرائط البناء المقدّمة لبلديّة الاحتلال في القدس، لتخفي أسماء جميع الشركات اليهوديّة والأجنبيّة المنفّذة والمالكة للجزء الأكبر في المشروع".
ولفتت المجموعة إلى أن هذا المشروع الاستيطانيّ، المقام في المناطق المحتلّة عام 1967، سيلاقي حتماً معارضة وشجباً من معظم دول العالم، وأهمّها دول السوق الأوروبيّة المعارضة لإقامة مستوطنات في هذه المناطق، وأن وضع اسم البطريركية يأتي في محاولة لإظهار أن المشروع غير إسرائيلي وأن الجهة التي تقوم به محسوبة على الشعب الفلسطينيّ.
ولفت البيان الى أن الوثائق الرسميّة تشير إلى أن صاحبي المشروع الحقيقيّين هما شركة "بريكت جفعات تَلْييُوت هَحَدَشاه" المسجّلة في دولة الاحتلال، وشركة "دياني هولدنجز" المسجّلة في مالطا.
ويستحوذ المشروع على 140 دونماً و600 متر مربع من أملاك البطريركية التي جرى تحكيرها للشركتين المذكورتين، بالإضافة إلى أن التخطيط المقدّم يشمل 3,500 وحدة سكنيّة، وثلاثة فنادق ومرافقها من حدائق، وقاعات، وبرك سباحة، ومتاجر ترتبط بالسياحة بِسَعَة 1,300 غرفة، كما يشمل التخطيط تشييد مبانٍ عامّة، منها دينيّة لليهود فقط، وهي خمسة كُنْس ومغتسل ('مِكْفي') لليهود المتديّنين.
إلا أن محامي البطريركية أسعد مزاوي وصف، في حديث إلى "العربي الجديد"، ما حصل أخيراً بأنه نجاح كبير للبطريركية، حيث تمكنت من تحويل جزء من أملاكها للانتفاع بها، بعد أن كانت محددة كمناطق خضراء يمنع البناء عليها، وكان يمكن أن تصادر للمصلحة العامة.
وأكد مزاوي أن القضية ليست جديدة، وموضوع أملاك الطائفة وما قيل عن صفقات كان قد أثير منذ سنوات طويلة، معرباً عن استغرابه من الضجة المثارة حول ذلك.
بدورها، أكدت البطريركية ما ذهب إليه محاميها، إذ اعتبرت في بيان لها أنّ هذا التقدم جاء بعد مرور أكثر من 13 عاماً على سعيها لتنظيم وإعادة تصنيف أراضٍ لها قريبة من مستوطنة "تلبيوت"، كانت مصنفة "خضراء" ومساحات عامة، ويمنع البناء فيها أو استغلالها.
وأوضح البيان أنّ سلطات التنظيم والبناء "الإسرائيلية" صنفت عام 2004 هذه الأراضي بأنها أراضٍ "خضراء"، ومرافق عامة لا يُسمح البناء الخاص بها، ما يجعلها عرضة للمصادرة والاقتطاع لغايات الشوارع والحدائق والأماكن العامة.
وبيّنت أنها اعترضت في حينه على مخططات بلدية الاحتلال في القدس، وقدّمت، بالتعاون مع مهندسين من ذوي الخبرة وشركات دولية ومحلية، مخططات بديلة لغايات اعتمادها، بما يضمن الحفاظ على الأرض.
ويتضمن المخطط التطويري للأرض، التي يقع قسم منها في الأراضي المحتلة عام 1948 وقسم آخر في الأراضي المحتلة عام 1967، بحسب بيان البطريركية، بناء فنادق ومركز تجاري، ومكاتب وبنايات سكنية لتوفير مئات الوحدات لأبناء الكنائس المسيحية في القدس.
وشددت على أهمية هذا الإنجاز، بصفته خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح للمضي في استراتيجية التطوير والبناء التي تبنتها للحفاظ على أملاكها وعقاراتها.
ونقل البيان عن بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن ثيوفيلوس الثالث، ومعه أخوية القبر المقدس، أنهم "جميعاً على دراية تامة بالوضع العام، ويعون تماماً المسؤوليات الكبيرة التي تقع على عاتقهم، وبناء عليه، يعملون مع إخوتهم رؤساء الكنائس من أجل الحفاظ على حقوق وإرث الكنيسة المحلية، وتثبيت أبنائهم فيها بالتنسيق مع القيادتين الفلسطينية والأردنية".
وأدانت البطريركية ما وصفتها بحملات التشويه وتحريف الحقيقة للنيل من الكنيسة ومواقفها المبدئية والتاريخية للمحافظة على حقوقها، وعقاراتها، ومقدساتها، أينما كانت، وخاصة في القدس، وبالوسائل والطرق التي ترتئيها مناسبة خدمةً للمصلحة العامة.
وأكد المكتب الإعلامي للبطريركية أن نجاحها في مخططاتها التنظيمية وسياساتها التطويرية على مختلف أراضيها في القدس سيوفر مئات الشقق السكنية للمقدسيين بشكل عام، ولأبناء الطوائف المسيحية بشكل خاص، بالإضافة إلى مشاريع تجارية تمنح فرص العمل لهم، ما يعزز صمودهم في مدينتهم.
وأشارت إلى أن بلدية الاحتلال تسعى لمصادرة أرض لها لصالح حديقة عامة، وأن البطريركية تحاول عبر الطرق القانونية والدبلوماسية منع مصادرة الأرض، داعية كل من يشكك بقراراتها إلى طرح خطة ومقترحات للحفاظ على ما تبقى من هذه الأرض.
وأدانت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية، الإثنين، "جريمة الاعتداء الهمجي التي قام بها نفر من أعضاء المجموعات الصهيونية المتطرفة بحق الأهل والأبناء والمستأجرين لعقاراتها في منطقة باب الجديد من البلدة القديمة بالقدس ليلة أمس الأول".
وأكدت البطريركية، في بيان صحافي، أن "السماح لأعضاء المجموعات الصهيونية المتطرفة بالتجول في أحياء القدس القديمة، وهي معلومة نواياهم الإجرامية، وواضحة استعداداتهم للاعتداء على أهالي البلدة الآمنين، يعتبر تواطؤا بالاعتداء وتساهلا مع المجرمين".
ودعت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية إلى "توفير الحماية لأهالي البلدة القديمة من هؤلاء المعتدين المتطرفين الذين يعملون على تغيير طابع مدينة القدس وفسيفسائها الثقافية والدينية، لتنطلي بلون واحد وهو لونهم، الأمر الذي ستقاومه البطريركية إلى جانب باقي كنائس القدس بكل ما أوتيت من قوة برحمة الرب".