بعد نحو أسبوعين من إجراء مباحثات موسعة في موسكو بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري والروسي سيرغي لافروف، تتجه مصر لتقديم دعم مالي أكبر لشركات السياحة والطيران الروسية، من أجل جذب السياح الروس بشكل كبير، بما يخدم الاقتصاد المحلي ويساهم في تحسين العلاقة بين البلدين. وكشف مصدر دبلوماسي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخطوة تأتي استجابة لبعض التطورات التي حدثت أخيراً في سوق السياحة الروسية بمصر، بعد تلقي القاهرة ملاحظات سلبية عديدة على أوضاع المنتجعات السياحية بسيناء والبحر الأحمر، متعلقة بمستوى الخدمة والنظافة والكفاءة الصحية في مواجهة ظروف وباء كورونا. الأمر الذي انعكس على عدم قدرة شركات السياحة المتعاونة بالبلدين على زيادة حجم الحركة منذ استئناف حركة الطيران الروسي في أغسطس/ آب الماضي، للمرة الأولى منذ حادث تفجير الطائرة الروسية على يد "داعش" في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015.
تلقت مصر ملاحظات رسمية من روسيا مرتبطة بالقلق من كورونا
كما تلقت الحكومة ملاحظات رسمية مشابهة، مرتبطة بالقلق من مستوى التأمين الطبي، بسبب انخفاض نسبة المواطنين المصريين الحاصلين على لقاح كورونا، والتي لا تزيد حالياً على سبعة في المائة. وطلبت موسكو موافاتها ببيانات تؤكد، وعلى مسؤولية الدولة المصرية، أن العاملين بالمنتجعات التي تستقبل الروس ملقحون بالفعل. والأمر الآخر مرتبط بطلب الشركات الروسية من موسكو خلال فترة الإعداد لاستئناف رحلات الطيران، العمل على تعديل نظام التأشيرة لدى الوصول، المعمول بها في مصر بالنسبة للسائحين الروس، والتسهيل عليهم بشكل أكبر في إمكانية مغادرة سيناء إلى محافظات أخرى بالتأشيرة نفسها. لكن مصر رفضت الفكرة بشكل حاسم، مؤكدة أن الإجراءات الحالية تحمل تسهيلات كافية من ناحيتي الإجراءات والتسعير.
لكن ونظراً لضعف حركة السياحة من جانب والتعقيدات السياسية المحيطة بالعلاقة الثنائية من جانب آخر، ترى هذه الشركات أن الظروف مواتية للمطالبة بهذا الأمر مرة أخرى، أو بتسهيلات بديلة. وهو الحل الذي تبدو مصر قريبة من اللجوء إليه في الوقت الراهن، للحفاظ على التدفقات المالية من هذا المورد بقدر المعقول. وتتمثل التسهيلات، بحسب المصادر، في اقتطاع مبلغ مالي يراوح بين 1500 و3000 دولار على كل رحلة من الرسوم المقررة على شركات السياحة، بحسب مكان الإقلاع في روسيا والهبوط في مصر. وتُعطى حوافز أكبر للشركات التي تنظم الرحلات من مدن بعيدة، ثم عدد الرحلات التي تنظمها الشركة أسبوعياً مقسمة إلى شرائح، ومتوسط عدد السائحين على متن كل طائرة.
في المقابل، ستسهّل الحكومة الروسية والشركات الموالية لها مهام الدعاية والتسويق على نظيرتها المصرية في جميع المناطق الروسية التي كان من المعتاد وصول السائحين منها، ليصل عدد المدن التي ستنطلق منها الرحلات خلال الشتاء المقبل إلى 40 مدينة في جميع أنحاء روسيا. وأوضحت المصادر أن هذه التسهيلات الاستثنائية وإن كانت تظهر النظام المصري في موقف الطرف الأضعف، خصوصاً بعد القبول بمعظم الشروط المجحفة وغير المسبوقة للتحكم الأمني الروسي في مطارات المنتجعات، إلا أن الحكومة ترى أنه ربما تكون للتسهيلات آثار إيجابية على حركة السياحة. والمفاوضات المستمرة حول قيمة التعويضات المالية المستحقة لشركة الطيران وذوي الضحايا عن حادث 2015، والتي تم الاتفاق فقط على أن تدفعها مصر بتمويل مشترك من بعض الصناديق الاستثمارية ومن روسيا نفسها، على سبيل القرض، ولكن لم يتم الاتفاق على قيمتها ولا جدولتها.
وذكرت المصادر أن القيمة ستكون محكومة بعدة اعتبارات، منها ألا تقل عن القيمة المالية التي دُفعت بالفعل كتعويض من الشركة وبعض شركات التأمين لذوي الضحايا بموجب أحكام قضائية في موسكو، وبالتالي فإن مصر ستكون مُطالبة بتغطية تلك التكاليف المسددة بالفعل أيضاً.
وأدى تطبيق البروتوكول الجديد الموقع بين البلدين والخاص بالتعامل الأمني مع الرحلات للبحر الأحمر، للمرة الأولى، لاستحداث سيطرة روسية شبه كاملة على مطاري شرم الشيخ والغردقة منذ بدء الاستعداد لاستقبال الوفد السياحي. وتمّ تسليم قيادة المطار لفريق أمني روسي يشرف على تجهيز أماكن تخزين الأمتعة ونقاط التفتيش والمراقبة وغرفة التحكم المركزية بالمطار، من دون أي تدخل من المسؤولين المصريين، حسبما تكشف مصادر مطلعة بوزارة الطيران المدني.
ستدفع مصر بتمويل تشارك به روسيا تعويضات عن حادثة الطائرة عام 2015
ويختلف هذا البروتوكول عن سابقه، الذي فرض التزامات أمنية معينة على المصريين بشأن مطار القاهرة وباقي المطارات الإقليمية، والذي تضمن ضرورة تركيب أنظمة قياس بصمة بيومترية متقدمة، وبصمة الوجه، في المناطق الأمنية الخلفية، وتركيب بعض الأجهزة في المناطق الخاصة بدخول الأمتعة وخروجها وبعمل الموظفين. مع العلم أن مصر لم تطبق نظام بصمة الوجه في مطار القاهرة إلا في أكتوبر 2019 فقط، وبدأ العمل بها بهدف التأمين وإحكام السيطرة على منافذ المطار.
كما يتضمن البروتوكول الجديد وجود فريق روسي عند الحاجة وفي نسبة معينة من الرحلات لضبط أعمال مطاري الغردقة وشرم الشيخ، فضلاً عن إجراء زيارات تفتيش دورية وغير دورية للتأكد من تنفيذ الاشتراطات الأمنية.
يذكر أن البلدين بحثا أخيراً في اجتماع وزيري الخارجية، وقبله في لقاء وزيري الدفاع، المصري الفريق أول محمد زكي، والروسي سيرغي شويغو، بشأن الخطوات التنفيذية التي تأخرت كثيراً لإنشاء منطقة صناعية حرة روسية داخل حدود المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وهو مشروع تلح موسكو على سرعة إنجاز المرحلة الأولى منه، لكن يبقى بشكل أساسي الاتفاق الثنائي على تكاليف المشروع وطريقة التمويل وجدولته.
كما تمّ الاتفاق على المضي قدماً في صفقة المقاتلات الروسية "سوخوي 35"، التي عُقدت في عام 2018، ووصلت منها فقط خمس طائرات إلى مصر، وتم تدريب أقل من 10 طيارين مصريين عليها في العامين الماضيين. ومن المتوقع وصول 12 طائرة في العام المقبل، و12 أخرى خلال عام 2023. ويعني بيع 29 طائرة لمصر رقماً كبيراً بالنسبة لمبيعات المقاتلة الروسية التي تواجه تضييقاً شديداً من الولايات المتحدة منذ بضعة أعوام، وتجد صعوبة في الوصول للأسواق العالمية بسبب التهديدات الأميركية.