يسعى النظام السوري لإنجاز مشهد جديد من مسرحية التسويات في محافظة درعا جنوبيّ سورية، التي عقدت منذ أكثر من عامين بوساطة روسية ودعم إقليمي، ما سمح للنظام بإعادة تمدده في مناطق المعارضة داخل المحافظة، وسرعان ما اكتشف الأهالي والفصائل عدم التزام النظام تعهداته، فالتسويات التي كان من المفترض أن تمنع ملاحقتهم واعتقالهم، لم تكن أكثر من حبر على ورق، إذ نفذ النظام حملات اعتقال طاولت مئات الأشخاص، منهم من قضى تحت التعذيب، فيما عمّت الفوضى الأمنية عموم درعا، وكان عنوانها الرئيسي حالات الاغتيال والاختطاف اليومية.
وتنص التسوية الجديدة، بحسب مصادر محلية في مدينة درعا، أشارت لـ"العربي الجديد"، على أنها تضمن شطب أسماء المطلوبين من قبل الفروع الأمنية، وإعطاء مهلة مدتها 6 أيام لالتحاق المنشقين السابقين عن القوات النظامية غير مجبرين على ذلك، وفي حال تخلفهم عن تسليم أنفسهم للنظام خلال الفترة المحددة، ستصدر بحقهم مذكرة فرار.
وبيّنت المصادر أن التسوية الجديدة مطروحة على درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا وبعض البلدات في الريف الشرقي.
وحول الفروقات ما بين التسوية الجديدة وما سبقها من تسويات، بين الناشط الإعلامي عامر الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التسوية الجديدة نسخة مشابهة لتسوية عام 2018، والفارق الوحيد حضور قاضٍ يتبع النظام يمنح أوراق تسوية جديدة مختومة من وزارة العدل، تسمح لحاملها بالتنقل على الحواجز من دون ملاحقته، وبضمانة روسية".
وأعرب عن "عدم تصديق هذه التسوية كسابقاتها، لأنها ليست الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، وقبل مدة قصيرة أُجريَت تسوية مماثلة، مع مكتب الأمن الوطني المسؤول عن الأجهزة الأمنية، تشمل عناصر متطوعين في اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، وخاصة المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية في القوات النظامية، إلا أنه لم تمضِ فترة قصيرة حتى عادت الاعتقالات لتطاولهم بالرغم من أن المكتب محسوب ومدعوم من قبل الروس".
ولفت الحوراني إلى أنه "بالرغم من الحديث عن التسوية الجديدة، تواصلت الاعتقالات حتى في يوم إعلانها، كما كانت قبلها تطاول من أجرى تسويات سابقة"، معتبراً أن "النظام يستهدف البلدات في درعا بشكل منفرد، حيث يشنّ حملة اعتقال لأشخاص من إحدى البلدات، ومن ثم يهدد باقتحامها، ومن ثم تتدخل جهات محلية وروسية لتطرح تسوية كحل لوقف التصعيد، ويعود النظام لتنفيذ الاعتقالات بحجج جديدة، كما حدث في الصنمين وكناكر والكرك وطفس وغيرها".
ورأى أن "التسويات عبارة عن خديعة يمارسها النظام لتهدئة الشارع عندما يشعر بأنه وصل إلى حد الانفجار، ثم يعيد تكرار انتهاكاته"، مرجعاً أسباب هذه الممارسات إلى "تحركات أذرع إيران في المنطقة وبرضى روسي، الأمر الذي سيبقي التوتر في درعا، ويعطل أي تسوية".
وأشار الحوراني إلى أن "النظام يعمل على التفريق بين أهالي المحافظة وإثارة النعرات والفتن وتعدد الانتماءات، وسعي كل جهة، إن كانت أفرعاً أمنية أو عسكرية أو الدول الإقليمية، لتجنيد أبناء المحافظة لمصلحتها، لذلك عندما يستفرد بمنطقة ما يكون ردّ فعل باقي المناطق خجولاً، وفي ظل الوضع الحالي فإن تلك الأطراف غير قادرة على التأثير لدرجة إيقاف أي حملة للنظام، بالرغم من تسجيل بعض النجاحات إن كان في وقف حملة أو إضعاف أثرها على الأقل".
الحوراني: التسويات عبارة عن خديعة يمارسها النظام لتهدئة الشارع عندما يشعر أنه وصل إلى حد الانفجار، ثم يعيد تكرار انتهاكاته
واعتبر أن "كل الأحداث في المحافظة بعد إبرام التسوية وقفت خلفها روسيا، وكانت تصبّ في مصلحة النظام، وفي النهاية روسيا تريد أن تبقى درعا متأرجحة بحيث لا تثور ولا تهدأ، فتبقى تدور في فلك تسويات غير مجدية ومرهقة بحل مشاكل المجتمع نسبياً، وفي المقابل ترهقنا بالصراع مع الوجود الإيراني، بينما هي التي سمحت بتمدده أساساً".
ولا يبدو أن هناك اهتماماً مجتمعياً كبيراً بتقلبات الأوضاع في درعا، حيث أشار الحوراني إلى هذا الجانب بالقول: "لا أحد يملك اهتماماً كبيراً، وفي كل مرة يعلن فيها شيء جديد عن مصالحة ما تجد هناك أشخاصاً يتقدمون للحصول على التسوية، لمجرد شكهم في أن يكون عليهم أي مشكلة أمنية، علّهم يتخلصون من شبح الملاحقة الأمنية، في حين هناك شريحة لم تعد تستجيب لمثل هذه الطروحات، مكتفين بالتزام منازلهم".
من جانبه، قال الناشط الإعلامي أبو محمد، المقيم في ريف درعا الشرقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "التسوية الجديدة مع الأفرع الأمنية، أما التسوية القديمة فكانت عبارة عن عفو لم يفعّل، حيث أُعيد إدراج عشرات آلاف الأسماء في قوائم المطلوبين، وطالبوهم بإجراء تسوية جديدة، قالوا إنها ستؤدي إلى شطب الأسماء من قوائم المطلوبين، إلا أنهم قد يعيدون إدراج الأسماء، حيث لا يوجد أي ورقة أو بطاقة رسمية تؤكد شطب الاسم".
ولفت إلى أن "التقديم على التسوية الجديدة سيكون في الاتحاد الرياضي بدرعا المحطة، وكانت مسبقاً في مدرسة ميسلون، لكن المشكلة أن درعا محاطة بحواجز أمنية تفتّش الناس والمطلوب يُعتقَل، وهذه مشكلة حتى للراغبين في الذهاب للتقديم على التسوية".
وحول التضييق على المنشقين عن القوات النظامية والمستنكفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية، رأى الناشط الإعلامي أن "النظام يحاول ضم أكبر عدد من الشباب إلى قواته النظامية، وبالتالي إفراغ المحافظة من الشباب، والسيطرة عليها عبر سياسة قضم البلدات الواحدة تلو الأخرى".
بدوره، قال مصدر معارض في دمشق، طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الوضع في الجنوب ما زال غير مستقر، ولم يتضح بعد مستقبله. ففيما تحاول الفرقة الرابعة التابعة للنظام والمخابرات الجوية وحزب الله اللبناني أصحاب الولاء الإيراني، توسيع سيطرتهم في الريف الشمالي والغربي، يحاول اللواء الثامن المدعوم من الروس والإمارات تثبيت سيطرته في الريف الشرقي ومدّ سيطرته إلى منطقة اللجاة في الريف الشمالي، بالرغم من تعطيل الأمن العسكري ذي الميول نحو إيران، والموجود في مناطقه بحسب اتفاق خفض التصعيد في جنوب سورية".
وأضاف: "هناك معلومات تفيد بأن الدور الروسي في الجنوب الروسي يتراجع أخيراً لمصلحة إعادة الدور الأميركي والأردني، شركاء الروس في اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري".
واعتبر أن "النظام يعتمد سياسة التفريق بين أهالي درعا عبر خلق فتن على أساس عائلي ومناطقي، إضافة إلى رعاية الفلتان الأمني، حيث توجد حرب اغتيالات يومية تستهدف قيادات سابقة في المعارضة السورية وعناصر للنظام، ضمن سياقات الصراع الدائرة في درعا، إضافة إلى خلق فتن مع السويداء جارتها الشرقية".
يشار إلى أن مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" وثق، خلال الشهر الماضي، وقوع 30 حالة اعتقال نفذتها القوات النظامية بحق أبناء محافظة درعا، فيما أفرج عن 15 منهم خلال الشهر ذاته، لافتاً إلى أن أعداد المعتقلين أكبر من الرقم الموثق، لامتناع ذويهم عن الادلاء بمعلومات عن أبنائهم بسبب مخاوفهم الأمنية، فيما كان تقرير سابق قد تحدث عن اعتقال أكثر من ألف شخص منذ إبرام التسوية صيف عام 2018.