ظهرت "هيئة تحرير الشام"، المصنفة "تنظيماً إرهابياً"، أخيراً قائداً لحملة عسكرية هدفها القضاء على التنظيمات الأكثر تشدداً (إخوة المنهج السابقون للهيئة)، الذين تم وصفهم من قبل الهيئة بالغلاة. فأرسلت أرتالاً عسكرية إلى ريف إدلب الغربي، وريف اللاذقية الشرقي، وقضت على تنظيمات متشددة هناك، كانت تتهمهم روسيا بشكل دائم باستهداف قاعدتها العسكرية في حميميم بالمسيّرات.
وبدت تلك العملية تنفيذاً عملياً لأحد التزامات أنقرة، ضمن الاتفاق التركي الروسي، الذي يقضي الشق الثاني منه بالقضاء على "الهيئة" نفسها، فيما يبدو محاولة من الأخيرة للتحول من دور المتهم بالإرهاب إلى دور الشريك في محاربته.
يشبه سلوك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) إلى حد بعيد سلوك النظام، فكلاهما يحاول تعويم نفسه كي يصبح مقبولاً من المجتمع الدولي. كما أنهما يتبعان الطرق نفسها لتحقيق هذا الهدف. فالنظام، الذي ارتكب مئات المجازر بحق المدنيين والمدان من قبل منظمات دولية بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، واستخدام أسلحة محرمة دولياً، وتم عزله دولياً بسبب تلك الممارسات، لا يزال يحاول العودة مجدداً إلى حظيرة المجتمع الدولي من بوابة الأعمال التي يقوم بها. فنصب نفسه مدافعاً عن الأقليات الطائفية والعرقية، التي يمارس بحقها كل أنواع التمييز. كما يؤدي دور المحارب للإرهاب، بمساعدة موسكو، من خلال شنّ الغارات المشتركة مع الروس على بقايا تنظيم "داعش" المتمركزة في البادية السورية.
وكذلك "هيئة تحرير الشام" بدأت في محاولة تسويق نفسها لتصبح مقبولة دولياً، بهدف اعتمادها كجزء من أية تسوية مقبلة في سورية. فبعد تغيير اسمها، وفك ارتباطها الشكلي بتنظيم "القاعدة"، بدأت "تتبنى" مطالب الثورة والتحدث باسمها، في الوقت الذي تلاحق فيه الناشطين الثوريين وتعتقلهم وتصفيهم. كما ركزت على ترويج صورة ديمقراطية عنها للغرب، في الوقت الذي تُحرم فيه الديمقراطية في مناطق سيطرتها. وها هي اليوم تقوم بالتخلص من تنظيمات متشددة، في حين أن "الهيئة" هي المطلوب رقم واحد الذي تقضي التفاهمات الروسية التركية بالتخلص منه.
والمفارقة في هذه الطريقة العجيبة، التي تقوم على ممارسة الفعل، ومحاربته في الوقت نفسه، أنها نجحت الى حد بعيد بالنسبة للنظام، الذي بدأ المجتمع الدولي والعربي ينفتح عليه تدريجياً. فهل يتكرر المشهد مع "هيئة تحرير الشام"؟