شيّع آلاف الفلسطينيين في محافظة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، ظهر اليوم الخميس، الشهيدين محمد حرز الله ومحمد هشام محمد أبو كشك، اللذين استُشهدا متأثرين بإصابتهما برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ الصباح الباكر، تجمّع مئات الشبان أمام مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس. ومع انتهاء التجهيزات، انطلق موكب التشييع الحاشد، قاطعاً شوارع المدينة وصولاً إلى دوار الشهداء وسط المدينة، حيث أدى المشيعون الصلاة عليهما، وبعد ذلك جابت مسيرة شوارع مدينة نابلس، وصولًا إلى المقبرة الشرقية من المدينة، حيث ووري جثمانا الشهيدين الثرى.
وخلال المسيرة، علت الهتافات التي وجّهت التحية إلى مجموعة "عرين الأسود" التي يعدّ الشهيد حرز الله أحد قادتها، مع دعوتها إلى توجيه المزيد من الضربات الموجعة للاحتلال الإسرائيلي.
وفي وقت رُفع فيه الشهيدان على الأكتاف عالياً، وهما ملفوفان بعلم فلسطين، مع لف حرز الله براية عرين الأسود السوداء، أطلق عشرات المسلحين الرصاص في الهواء، تأكيداً منهم على مواصلتهم للمقاومة على درب الشهداء. كما رفعت في مسيرة التشييع أعلام فلسطين ورايات الفصائل الوطنية وعلم عرين الأسود.
وقال أسامة حرز الله، شقيق الشهيد محمد، لـ"العربي الجديد": "إن أخي قدم روحه رخيصة في سبيل فلسطين، فقد كان يتمنّى أن ينال الشهادة منذ صغره، وقد حقق الله له أمنيته".
وأضاف حرز الله، "لقد نلنا الشرف الكبير بأن أصبحنا من عائلات الشهداء، اليوم أنا أخو الشهيد، وأبي هو والد الشهيد، وأمي باتت تحمل لقب أم الشهيد، لا أحد يدرك هذا الشعور إلا من عاشه".
وأشار حرز الله إلى أن "نابلس اليوم خرجت عن بكرة أبيها في وداع المحمدين، في رسالة مفتوحة لمن يهمه الأمر، أنها ما زالت الحاضنة للمقاومة، وأن الاغتيالات وارتقاء الشهداء لن يفتّ في عضدها أو يدفع أبناءها إلى التراجع عن المشوار الذي ساروا عليه منذ عقود طويلة".
وخلال نقله من المستشفى الاستشاري بمدينة رام الله، الليلة الماضية، تم تشييع جثمان حرز الله 3 مرات، إضافة إلى تشييعه الأخير اليوم، حيث شيع في بلدة بيرزيت شمال رام الله، وحين وصوله إلى مشارف نابلس شيع مرة أخرى، ثم شيع على دوار الشهداء في مدينة نابلس، ونُقل جثمانه إلى منطقة باب الساحة في البلدة القديمة في نابلس عبر زقاقات البلدة القديمة، حيث كانت والدته وشقيقته الصحافية رشا حرز الله ومجموعة كبيرة من النسوة في انتظاره، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، ثم نقل الجثمان مرة أخرى إلى متشفى رفيديا.
وكان الموكب قد تعرّض فور وصوله إلى المدينة، أمس الأربعاء، لإطلاق قنابل الغاز من الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي فرّقت المشاركين، بحجة أنهم لا يريدون مسلحين في منطقة دوار الشهداء، رغم أن حرز الله هو أحد أوائل مقاتلي مجموعة "عرين الأسود"، ما دفع شقيق الشهيد حينها إلى الإعلان عن رفضه دفن الجثمان، بسبب هذا السلوك، ثم عاود وأعلن عن إتمام مراسم تشييعه.
وكان حرز الله أصيب برصاصة في الرأس، في الرابع والعشرين من شهر يوليو/تموز الماضي، أدت إلى تهتّك في الدماغ والجمجمة، وخضع لرحلة علاج طويلة متنقلاً بين عديد المستشفيات، آخرها المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله، حتى ارتقى بعد أربعة أشهر كاملة. فيما استشهد مقاومان آخران من مجموعة "عرين الأسود" حين إصابته، وهما عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي، خلال اشتباكات مع قوات الاحتلال في حارة الياسمينة بالبلدة القديمة من مدينة نابلس، قصفت قوات الاحتلال حينها أحد المنازل.
واستشهد أمس، في نابلس، فلسطينيان، وهما إضافة إلى حرز الله، الطفل أحمد شحادة والشاب محمد أبو كشك، فيما عم الحداد والإضراب الجزئي لحين التشييع مدينة نابلس اليوم.
ونعت عرين الأسود الشهيد حرز الله، وقالت في بيان، "لقد فقدت فلسطين ومدينة نابلس والمقاومة الفلسطينية رجلاً استثنائياً صلباً شرساً وفياً صادقاً، فقد العرين أسداً من أسود الله في الميدان، وهو من أول رجال العرين الذين ضحّوا بدمائهم، وقاتل بكل شراسة ولبى نداء الله والوطن".
أما الشاب أبو كشك فهو في الثانية والعشرين من عمره، أصيب قبل ليلتين برصاصة في بطنه، خلال المواجهات العنيفة التي دارت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها للمنطقة الشرقية من مدينة نابلس، ما أدى حينها إلى استشهاد الطفل أحمد أمجد شحادة وإصابة العشرات، بعضهم خطيرة.
وقال منسق لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس نصر أبو جيش، لـ"العربي الجديد": "إن جنازات الشهداء باتت استفتاءً حقيقياً على نهج المقاومة، ورفض كل محاولات إجهاضها، ما يتطلب من القيادة الفلسطينية التقاط هذه الشارة والتساوق مع الشارع".
وشدد أبو جيش على أن المطلوب اليوم هو الوحدة الحقيقية على برنامج سياسي واضح المعالم، حتى يتمكن الفلسطينيون من مجابهة السياسات العنصرية للحكومة الإسرائيلية المرتقبة بقيادة بنيامين نتنياهو، ومعه "إيتمار بن غفير"، و"سموترتش" وبقية الأحزاب اليمينية.
ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم، إلى 206 شهداء، بينهم 150 من الضفة الغربية، و52 من قطاع غزة، و4 شهداء من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.
اقتحام باحات الأقصى
إلى ذلك، اقتحم عشرات المستوطنين، اليوم الخميس، باحات المسجد الأقصى، بحماية معززة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي. وتقدّم الاقتحام وزير إسرائيلي مكلف في الحكومة الإسرائيلية المرتقبة.
ووفق مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فإن الوزير المكلف عن حزب "عوتسما يهوديت"، يتسحاق فاسرلاف، تقدم الاقتحام بصحبة عدد من مرافقيه ومساعديه.
يأتي اقتحام الوزير الإسرائيلي، اليوم، بعدما قاد عدد من أعضاء الكنيست، وعلى رأسهم الحاخام يهودا غليك، اقتحامات المستوطنين للمسجد على مدى اليومين الماضيين.
توازياً، اقتحمت طواقم مشتركة من بلدية وشرطة الاحتلال بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، وصورت منازل ومنشآت هناك، كما سلمت استدعاءات للتحقيق لعدد من أصحابها بذريعة البناء غير المرخص.
وكانت بلدات العيسوية وشعفاط وبيت حنينا شهدت، منذ مطلع الأسبوع الحالي، حملات دهم مماثلة طاولت العديد من منازل المواطنين في هذه البلدات.
واقتحمت قوات الاحتلال، ولليوم الثاني على التوالي، قرية بيت إكسا شمال غرب القدس المحتلة، وقامت بمصادرة كاميرات مراقبة لمنازل مواطنين وفحصها، في إطار تحقيقاتها في عمليتي التفجير التي حدثت في القدس المحتلة أمس، وأوقعت قتيلا وعددا من الجرحى.
في شأن آخر، أصيب عدة فلسطينيين، اليوم الخميس، بحالات اختناق بالغاز السام المسيل للدموع، في بلدة بيت أمر شمال الخليل جنوب الضفة، خلال مداهمتها عدة منازل وتنفيذ عمليات اعتقال.
واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، 14 فلسطينياً، من مناطق متفرقة من الضفة الغربية، بما فيها القدس.
كما هدمت قوات الاحتلال ثلاث غرف زراعية في بلدة كفر الديك غرب سلفيت شمال الضفة الغربية.