يشهد الصراع السياسي في تونس منعرجاً خطيراً بعد حملة التوقيفات والمداهمات التي حصلت أمس الإثنين، في منزل رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي ومقر حزبه، واليوم الثلاثاء في مقر "حراك تونس الإرادة" الذي تتخذه "جبهة الخلاص" مقراً لأنشطتها، ومنعها من عقد مؤتمر صحافي وأي نشاط، بحسب تأكيدات المحامين.
واعتقلت الشرطة الغنوشي، على خلفية تصريحات بحسب ما أكده مسؤول من الداخلية التونسية لوكالة الأنباء الرسمية، واعتقلت كذلك عدداً من المرافقين، بحسب ما أكدته قيادات في "النهضة" في مؤتمر صحافي طارئ مساء أمس الإثنين، ثم القياديين محمد القوماني وبلقاسم حسن، ومسؤول العمل الطلابي في "النهضة" محمد شنيبة. وبعد المؤتمر بساعات، تمّ إخلاء مقر "النهضة" من قبل الشرطة بغية التفتيش.
وتمثل هذه التطورات منعطفاً خطيراً في الصراع الدائر في تونس بين الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه، وخصوصاً الغنوشي. ويلتحق الغنوشي في السجن بنائبيه، علي العريض ونور الدين البحيري، وعدد من القيادات الأخرى للحركة، وكذلك محمد القوماني وبلقاسم حسن ومحمد شنيبة، ومن قبلهم حبيب اللوز، وسيد الفرجاني، وقيادات جهوية، وكذلك قيادات سابقة مثل الوزير الأسبق محمد بن سالم وغيره، بالإضافة إلى التحقيقات المفتوحة في أكثر من ملف مع قيادات أخرى.
وتذكّر هذه التطورات بأجواء استهداف الحركة في تسعينيات القرن الماضي قبل الثورة، ما يؤكد أيضاً أن هناك مسعى واضحاً لضرب أكبر مكوّن من مكونات المعارضة التونسية لحكم سعيّد، وإصابة "جبهة الخلاص" بشلل نهائي، عبر استهداف كل قياداتها ومكوناتها الحزبية.
واعتبر مستشار الغنوشي السياسي، رياض الشعيبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذا المنعطف لم يكن اليوم بتوقيف الغنوشي، وإنما حصل منذ 25 يوليو/تموز 2021، يوم انقلب الرئيس سعيّد على الدستور، وفعّل الفصل 80 من الدستور على غير مضمونه، ولذلك فإن اعتقال الغنوشي اليوم ليس منعرجاً، وإنما هو خطوة تصعيدية في سياسات هذه السلطة في تكميم أصوات المعارضين، والتنكيل بهم، ومحاولة منعهم من حقهم في انتقاد هذه السلطة، والاعتراض على قراراتها".
وأضاف الشعيبي أن "استهداف راشد الغنوشي ليس فقط لأنه رئيس حركة النهضة، ولكن لأنه أيضاً رئيس البرلمان الشرعي، وهو شخصية وطنية من الصف الأول، ولها حضورها الإقليمي والدولي، ولذلك يتم استهدافه، ولكننا سنجيب هذه السلطة بمواصلة النضال، والنزول إلى الشارع، والاحتجاج السلمي كما كنا دائماً، والتمسك بحقوقنا ومطالبنا وثباتنا على مقاومة هذا الانقلاب، حتى إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، ومنهم الغنوشي، وحتى نستأنف مسارنا الديمقراطي، ونغلق قوس الانقلاب، ونعود إلى ديمقراطيتنا".
وبخصوص هذا الاستهداف المتواصل لـ"النهضة" عبر ضرب قياداتها، قال الشعيبي، إن "حركة النهضة اليوم هي الحزب الأكبر، بحجمها ودورها وتاريخها، وهي محور العملية السياسية في تونس، ولذلك فإن أي استهداف للحركة الديمقراطية في تونس يطاول الجزء الأكبر منه حركة النهضة".
وأضاف: "نحن نعرف أن هناك ضريبة تدفعها الحركة بسبب مواقفها المبدئية التي أعلنت عنها منذ 25 يوليو 2021 برفضها لهذا الانقلاب، ونحن مستعدون لذلك، ولكن لتعلم هذه السلطة أنه مهما كانت هذه الضريبة غالية، فلن تثنينا عن مواصلة نضالنا المبدئي".
من جانبه، اعتبر القيادي في "حركة النهضة" العجمي الوريمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "اعتقال الغنوشي قرار سياسي لأسباب سياسية، ويُفهم ضمن سياق الأزمة التي تمرّ بها البلاد"، مشيراً إلى أن هذا "للأسف سيعمّق الأزمة، ولن يقود إلى حلول، فالأزمة الاقتصادية والمالية غير مسبوقة، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي متوقفة، وحتى استئنافها سيكون بشروط وإصلاحات مؤلمة، وهناك خشية من أن تكون لها تداعيات اجتماعية كبيرة".
وتابع المتحدث أنه "عوض تنقية المناخات والأجواء، وتوفير الاستقرار مما يمكن أن يعطي الأمل في البلاد، تفضّل السلطة الهروب إلى الأمام، وهذا يبين أن تونس في طريق الخطأ، ونحو مزيد من تقسيم المجتمع التونسي بين من يحكم ومن في السجن، وعوض أن تتسع تونس للجميع وتكون لكل أبنائها، يتواصل سجن الأشخاص، واختيار المقاربة الأمنية، وهذا جُرّب في السابق، وكانت نتائجه كارثية على البلاد".
ورأى أن "التركيز على "النهضة" يعود لكونها كانت ضد الانقلاب منذ اللحظة الأولى، وهي تتحرك ضمن جبهة وطنية وهي "الخلاص الوطني"، وتصرّ على مواصلة النضال من أجل عودة الديمقراطية، وغلق قوس الانقلاب"، مشيراً إلى أن "السلطة متوترة ومرتبكة ومتشنجة".
وأضاف الوريمي أنه "بعد نتائج الانتخابات، ونسب المشاركة الضعيفة، فإن السلطة، عوض الاستماع إلى المبادرات السياسية كالاتحاد العام التونسي للشغل، وصوت المعارضة المسؤولة التي تبحث عن سبل للإنقاذ والخلاص، تتمسّك بسياسة الأمر الواقع، وتصفية الخصوم، واعتبارهم متآمرين ويستقوون بالأجنبي، وهي مصرة على تقسيم الشعب التونسي، في الوقت الذي يحذر فيه كل العالم تونس من خطر الانهيار".
بدوره، أكد القيادي في "حركة النهضة" منذر الونيسي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "تم اعتقال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ونائبيه، علي العريض ونور الدين البحيري، المسجونين حاليا، إلى جانب أعضاء من المكتب التنفيذي وأعضاء مكاتب جهوية للحركة، ومرافقي الغنوشي، وهم 3 من أعوان الحراسة الخاصة، وشاب كان حاضراً معهم، وتم أخذ هواتفهم"، متسائلاً "إذا لم يكن هذا الأمر استهدافاً، فما هو الاستهداف؟".
وأضاف أن "راشد الغنوشي حضر عشرات التحقيقات التي دُعي إليها في العديد من القضايا، وجلّها بسبب تصريحات أو كلمات أو استهداف من طرف ما، كشاكٍ في قضايا فارغة، وهي فقط من أجل التنكيل، والإذلال، والمس برئيس حركة النّهضة، حتى ولو لمجرد التحقيق ثم المغادرة، حيث يتم الإيقاف أولاً، ثم البحث عن تهمة". وقال: "لا نعرف إلى حد الآن أسباب هذا الاعتقال وهناك غموض كامل حول هذا الأمر".