توظّف روسيا كل إمكاناتها للضغط على الرئيسة المنتخبة في مولدافيا مايا ساندو، الفائزة على حساب الرئيس المنتهية ولايته إيغور دودون المدعوم من الكرملين، في الرئاسيات التي جرت يومي 1 و15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وفي ردّ مباشر على دعوة الرئيسة المنتخبة إلى خروج القوات الروسية من إقليم بريدنيستروفيا الانفصالي، طالب وفد من "جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية" موسكو بتسهيل منح الجنسية الروسية لسكان الجمهورية غير المعترف بها دولياً، عبر آليات مشابهة لمنح الجنسية لمواطني جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين في الشرق الأوكراني. وفي استكمال لمحاولات تقييد ساندو قبل تنصيبها رسمياً في 24 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أقرّ البرلمان المولدافي، أول من أمس الأربعاء، قانوناً لاعتماد اللغة الروسية كلغة للتواصل بين القوميات المختلفة في الجمهورية. وهو قانون يقضي باعتماد اللغة الروسية على كافة لوحات الإعلانات والبضائع، فضلاً عن ضرورة إتقان الموظفين الرسميين الروسية. ويلزم القانون الحكومة بفعل كل ما يلزم وخلق الظروف المناسبة لتطوير استخدام الروسية كلغة للتفاهم بين القوميات المختلفة في مولدافيا.
أقرّ البرلمان المولدافي قانوناً يقضي باعتماد اللغة الروسية في البلاد لغةً أساسية
وجاء القرار الأخير للبرلمان بعد نحو أسبوعين من اعتماده سلسلة قوانين لتقليص صلاحيات الرئيسة المنتخبة، التي دعت إلى إقالة الحكومة وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة. وتهدف ساندو إلى إطلاق يدها للمضيّ بإصلاحات اقتصادية ومحاربة الفساد، واتّباع سياسة متوازنة بين موسكو وبروكسل، انطلاقاً من مصلحة المولدافيين.
في سياق خطوات "جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية"، بحث رئيسها فاديم كراسنوسيلسكي في موسكو، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، الأوضاع في الإقليم، مع ممثلين عن الكرملين والخارجية ومجلسي الدوما (البرلمان) والاتحاد (الشيوخ) الروسيين. والتقى كراسنوسيلسكي والوفد المرافق ديمتري كوزاك، نائب رئيس ديوان الكرملين، المعني بالعلاقة مع بلدان الرابطة المستقلة (مجموعة الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره عام 1991). ونقلت صحيفة "كوميرسانت" عن مصادر عدة في وزارة الخارجية الروسية و"جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية"، أن البحث تطرق إلى تسهيل حصول سكان الجمهورية الانفصالية على الجنسية الروسية.
ومعروف أن روسيا تبنت تشريعات في الصيف الماضي لتسهيل منح الجنسية الروسية لشرائح واسعة من مواطني مولدافيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان، لكن سكان الجمهورية الانفصالية من حملة الجوازات الأوكرانية والمولدافية، لم يستفيدوا من هذه التسهيلات لعدم انطباق الشروط على عدد كبير منهم.
وأكدت نائبة رئيس برلمان الجمهورية الانفصالية غالينا أنتوفييفا مساعي الحصول على تسهيلات إضافية في آلية منح السكان المحليين الجنسية الروسية، من دون الحاجة إلى السفر والإقامة في روسيا، وتوسيعها لتشمل "من أجبر على الحصول في وقت ما على الجنسية المولدافية والجنسيات الأخرى، حتى يتمكنوا من السفر من بريدنيستروفيا". مع العلم أن الجمهورية الانفصالية رفضت الإقرار بانهيار الاتحاد السوفييتي، وأصدرت جوازات سفر للسكان المحليين بشعار المنجل والمطرقة. وفي عام 1992 خاضت بريدنيستروفيا حرباً مع مولدافيا، انتهت باتفاقية لنشر قوات حفظ سلام روسية لحماية مخازن ضخمة من الأسلحة السوفييتية، التي نقل جزء كبير منها إلى أراضي مولدافيا بعد الانسحاب السوفييتي من ألمانيا (1994)، وشرق أوروبا (في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي).
وأبدى عضو مجلس الدوما قسطنطين زاتولين تفهّمه لمطالب وفد بريدنيستروفيا بشأن تسهيل الحصول على الجنسية الروسية. وأكد أنه وجّه مذكرة إلى رئيس الحكومة ميخائيل ميشوستين، طالب فيها بتبنّي تشريعات لتسهيل العملية. ومع إشارته إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر مرسوماً في العام الماضي لمنح الجنسية لمواطني جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك (الانفصاليتين عن أوكرانيا)، حضّ الكرملين على سنّ مرسوم رئاسي جديد خاص لا يلزم سكان بريدنيستروفيا بالسفر إلى روسيا للحصول على جنسيتها، ومراعاة أن "الجمهورية" لا تملك حدوداً مشتركة مع روسيا.
وأعرب زاتولين، الذي شارك في الاجتماعات مع وفد بريدنيستروفيا، عن أمله في أن تساهم تصريحات ساندو حول ضرورة انسحاب القوات الروسية واستبدالها بوحدات مدنية من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في زيادة وعي المسؤولين الحكوميين الروس بشأن نوايا الرئيسة المنتخبة. وقال: "أشكر ساندو لأنها سرّعت العملية"، في إشارة ضمنية إلى تجاوب أكبر في الكرملين لمطالب المشرّعين الروس بتسهيل منح الجنسية للانفصاليين المولدافيين، واتخاذ خطوات لمنع توجه الرئيسة المنتخبة نحو الغرب. وسبق أن وجّه رئيس لجنة رابطة الدول المستقلة في مجلس الدوما ليونيد كلاشنيكوف، منذ أشهر، رسالتين إلى ديوان الرئاسة والخارجية، مشدّداً فيهما على ضرورة تبنّي تشريعات جديدة خاصة، لتسهيل حصول سكان الجمهورية الانفصالية على الجنسية الروسية.
وفي نهاية الشهر الماضي أثارت ساندو غضب موسكو، بدعوتها إلى انسحاب القوات الروسية من بريدنيستروفيا، في أول مقابلة لها مع وسيلة إعلام روسية بعد فوزها. أما حليف الكرملين دودون، فأعلن عن نيّته زيارة موسكو في 24 ديسمبر الحالي، بالتزامن مع موعد تنصيب ساندو، كاشفاً في صفحته على "فيسبوك"، عن عقده لقاءات رسمية مع المسؤولين الروس.
يسعى سكان بريدنيستروفيا للحصول على الجنسية الروسية
وفي إطار محاولات تقويض سلطات ساندو، أقرّ النواب المولدافيون، في 3 ديسمبر الحالي، مشروع قانون ينقل سلطات إدارة جهاز الاستخبارات من الرئاسة إلى البرلمان، الخاضع لسيطرة أنصار دودون. لكن الضغط الشعبي المُرفق بتقديم شكوى إلى المحكمة الدستورية العليا، أدى إلى تعليق المشروع في 7 ديسمبر.
ولا تستطيع ساندو تطبيق برنامجها الانتخابي، نظراً لنظام الحكم الذي يمنح البرلمان صلاحيات واسعة في اختيار الحكومة ورسم سياساتها، ولهذا السبب كرّرت دعواتها لتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، يعارضها أنصار دودون وأوليغارشيون محليون متهمون بالفساد.
ويأتي استنفار موسكو للإسراع بحسم الأمور في بريدنيستروفيا، ومحاولات حلفائها لتقليص صلاحيات الرئاسة والضغط على ساندو، من أجل منع أي تقارب محتمل مع الغرب، واستباقاً لأي قرارات بشأن إقليم بريدنيستروفيا. وكانت موسكو قد استبقت الانتخابات الرئاسية المولدافية بإطلاقها تحذيراً على لسان مدير جهاز الاستخبارات الروسي سيرغي ناريشكين، في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من احتمال إعداد الولايات المتحدة "سيناريو ثوري" لمولدافيا. وذكر ناريشكين في بيان، أنه "الآن نرى بوضوح أن الأميركيين يعدون سيناريو ثورياً لمولدافيا، التي ستنتخب رئيساً في نوفمبر. إنهم غير راضين عن رئيس الدولة الحالي إيغور دودون، الذي يحافظ على علاقات بنّاءة مع بلدان رابطة الدول المستقلة، بما في ذلك روسيا".