تصعيد عسكري ودبلوماسي على جبهة لبنان: صراعٌ بلا سقف زمني

20 سبتمبر 2024
قصف إسرائيلي على قرية الوزاني جنوب لبنان، 16 سبتمبر 2024 (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني**: يشهد الجنوب اللبناني تصعيداً عسكرياً بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر، بعد عدوان إلكتروني إسرائيلي. الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أشار إلى أن الصراع قد يطول، مؤكداً على حساب عسير.

- **حراك دبلوماسي مكثف**: تشهد الساحة اللبنانية حراكاً دبلوماسياً مكثفاً لبحث الوضع الراهن، مع دعوات دولية لضبط النفس ووقف إطلاق النار في غزة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد دعمه للبنان.

- **تحقيقات حزب الله وتكتم شديد**: يجري حزب الله تحقيقات حول التفجيرين الأخيرين وموضوع العمالة، مع توقيف بعض العناصر. الأمم المتحدة دعت لضبط النفس وتجنب الحسابات الخاطئة.

تشهد الساحة اللبنانية منذ أيام "تصعيدين غير مسبوقين"، الأول ميداني مع احتدام المواجهات العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني وتكثيف العمليات المتبادلة، والثاني دبلوماسي في ظلّ ارتفاع وتيرة الحراك الدولي تجاه لبنان للدعوة إلى "ضبط النفس وعدم التصعيد" بعد موجتي تفجيرات أجهزة الاتصال اللتين وضعتا في خانة "مجزرتي الثلاثاء والأربعاء"، وأسفرتا عن سقوط 37 شهيداً وجرح 2931 في حصيلة غير نهائية.

وتتسارع التطورات في الفترة الأخيرة على خطّ المعارك المستمرة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الإلكتروني، فاتحةً باب المواجهة على مصراعَيْه لزمنٍ يصعب التكهّن بسقفه، خصوصاً مع تلويح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في كلمته، أمس الخميس، إلى أنّ الصراع قد يطول، دون أن يُحدّد وقتاً للردّ على التفجيرات، التي أقرّ بأنها "ضربة كبيرة أمنية وإنسانية غير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان"، كما إشارته إلى أنّ جبهة لبنان ستبقى "مُسانِدة" ومستمرّة حتى وقف إطلاق النار في غزة.

وحرص نصر الله أيضاً على التأكيد أنّ "الحساب سيكون عسيراً والقصاص عادلاً من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون"، والتشديد على أنّ الحساب سنحتفظ فيه لأنفسنا، بل في "الدائرة الضيقة"، علماً أنّ هذه العبارة اعتُبرت بمثابة إشارة إلى الخرق الداخلي في صفوف حزب الله و"العملاء المندسين"، خصوصاً في ظلّ سلسلة الاغتيالات التي يتعرّض لها قادته بشكل أساسي، وأخيراً بشحنتي "الأجهزة الملغومة".

وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ حزب الله يجري تحقيقات واسعة وبتكتم شديد في موضوع التفجيرين إلى جانب العمالة، وهناك عناصر جرى توقيفهم، بعد التحقيق معهم، كما أنّ تفاصيل كثير من العمليات أصبحت محصورة في دوائر ضيقة جداً يثق بها الأمين العام.

تصاعد وتيرة العمليات العسكرية

وبانتظار ردّ حزب الله على تفجيري الثلاثاء والأربعاء، الذي فصله عن العمليات العسكرية اليومية التي ينفذها ضدّ مواقع وتجمعات إسرائيلية إسناداً لغزة ورداً على اعتداءات الاحتلال على القرى والمنازل والمدنيين والاغتيالات، فإنّ الأنظار تتجه إلى الجبهة الجنوبية التي تشهد تصعيداً قد يكون الأخطر منذ فتح جبهة الإسناد في 8 أكتوبر. ويكثف جيش الاحتلال الإسرائيلي من غاراته على القرى والبلدات الحدودية جنوبي لبنان، في حين رفع حزب الله من عملياته "كمّاً ونوعاً"، ضد مواقع وتجمعات وقواعد إسرائيلية، ملحقاً بها أضراراً مباشرة.

وفي تطور خطير أيضاً، أفادت معلومات عن قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بأسر جثماني شهيدين من حزب الله على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وذلك وسط تكتم شديد من جانب الحزب الذي لم يصدر حتى الساعة أي بيانٍ حول العملية. وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ عملية الأسر حصلت قبل أيام، وذلك بعدما استهدف الاحتلال الإسرائيلي خلية تابعة لحزب الله على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، استشهد فيها عنصران من الحزب، جرى سحب جثمانيهما. وتبعاً للمعلومات، فإنّ أحد الشهيدين يدعى حسين فقيه من بلدة رب ثلاثين جنوبي لبنان، فيما يجري التأكد من هوية العنصر الثاني.

في الإطار، يقول مصدرٌ في قوة الأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) لـ"العربي الجديد": "إنّنا رصدنا تكثيفاً كبيراً للعمليات العسكرية من جانب الأطراف على الحدود، خصوصاً في الساعات القليلة الماضية، والوضع أصبح مثيراً للقلق أكثر من السابق". ويشير المصدر إلى أنّ "التصعيد الحاصل خطير، وندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب الحسابات الخاطئة التي لن تكون مكلفة فقط على لبنان وإسرائيل، بل على المنطقة ككلّ"، لافتاً إلى أنّ "اليونيفيل تكرر دائماً عزمها على تقديم المساعدة، والتأكيد أن الحل الدبلوماسي لا يزال ممكناً لوقف إطلاق النار، وتأمل أن يتم التوصل إليه بشكل سريع، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة المقلقة جداً".

حراك دبلوماسي في اتجاه لبنان

سياسياً، وإلى جانب الحراك الأممي الذي سلكه لبنان إلى مجلس الأمن بعد تفجيري الثلاثاء والأربعاء، تتكثف الاتصالات الدبلوماسية الدولية لمحاولة ضبط النفس والتهدئة وتجنّب أي تصعيد ستكون له ارتدادات كارثية على المنطقة. وفي السياق، استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اليوم الجمعة سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في بيروت ليزا جونسون وبحث معها الوضع الراهن في لبنان والجلسة المقررة لمجلس الأمن الدولي لبحث ملف التفجيرات التي حصلت على الأراضي اللبنانية أخيراً.

كما استقبل رئيس الحكومة كلّاً من سفيري اليابان ماسايوكي ماغوشي وهنغاريا فيرنز تشيلاغ، وجرى التشاور في موضوع التفجيرات التي وقعت في لبنان، وطلب منهما المؤازرة والمساعدة التقنية في التحقيقات الذي يقوم بها الجيش في هذا الملف. ويقول مصدرٌ مقرّبٌ من ميقاتي لـ"العربي الجديد" إنّ "جميع الاتصالات والرسائل التي يتلقاها لبنان تعرب عن دعمها وتضامنها مع الشعب اللبناني، وقلقها إزاء التطورات وتصاعد التوترات، وتدعو إلى التهدئة ومحاولة ضبط النفس، والتوصل إلى حل يعيد الاستقرار إلى الجنوب، لكنها في المقابل لم تقدم بعد أي ضمانات لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي".

ويشير المصدر إلى أنّ "الجواب اللبناني واحد ومكرّر بأنه لا يريد الحرب، وأن من يجب وضع حدّ له هو الإسرائيلي، من هنا ضرورة الإسراع، أكثر من أي وقتٍ مضى، في وقف إطلاق النار في غزة ما ينسحب حكماً على الجبهة اللبنانية". وتلقى ميقاتي أمس اتصالين بارزين؛ الأول من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دان فيه التفجيرات، ودعا إلى ضبط النفس وعدم التصعيد، والثاني يأتي في السياق نفسه من جانب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي.

إلى جانب ذلك، خاطب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشعب اللبناني مساء أمس، عبر مقطع فيديو نشره على حسابه عبر منصة "أكس"، أكد خلاله دعمه لهم وقوفه إلى جانبهم، مشدداً على أن المسار الدبلوماسي لا يزال قائماً، وأن الحرب ليست حتمية بعد رغم التطورات.

وقال ماكرون: "أصدقائي اللبنانيين الأعزاء، مرة أخرى أتوجه إليكم مباشرة، إن بلدكم غالٍ جداً على قلبي وعلى قلب الفرنسيين، ونظراً لتاريخنا المشترك، نقف في كل أزمة إلى جانبكم بأخوة وإخلاص"، مضيفاً "بينما يواصل بلدكم التغلب على التحديات، لا يمكن للبنان أن يعيش في خوف من حرب وشيكة. وأقول لكم بكل وضوح، كما قلت لمسؤوليكم ولجميع الذين تواصلت معهم من الأطراف المؤثرة في الأزمة من إسرائيل إلى إيران، علينا أن نرفض هذه الكارثة، ونحافظ على لبنان"، معتبراً أنّ على "الزعماء السياسيين اللبنانيين أيضاً العمل في هذا الاتجاه".

وأشار ماكرون إلى أن "المسار الديبلوماسي قائم وملحّ، وهذا هو المسار الذي تريده فرنسا للبنان"، وقال "لا أحد لديه مصلحة في التصعيد. ويجب الحفاظ على وحدة لبنان وسيادته وأمنه، لا شيء، لا مغامرة إقليمية، ولا مصلحة خاصة، ولا ولاء لأي قضية مهما كانت، يستحق إثارة صراع في لبنان"، مضيفاً "أكثر من أي وقت مضى، تحتاجون في هذه اللحظة إلى رئيس يتولى قيادة البلاد في مواجهة التهديدات".