تصعيد في شمال غربي سورية... رسائل تحذير لأنقرة؟

15 أكتوبر 2024
من القصف الروسي لإدلب، 29 فبراير 2024 (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد منطقة الشمال الغربي من سورية تصعيدًا عسكريًا بين فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" من جهة، وقوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها من جهة أخرى، مما يهدد التفاهمات الروسية التركية.
- شنت الطائرات الحربية الروسية غارات على مواقع الفصائل في ريف اللاذقية وإدلب، بالتزامن مع قصف متبادل بين قوات النظام و"تحرير الشام"، مما يعكس استعدادات لمعارك محتملة.
- رغم التصعيد، تبدو التفاهمات الروسية التركية صامدة، لكن التصعيد الروسي الإيراني يُعتبر رسالة تحذيرية لتركيا والفصائل في ظل الجمود في العلاقات بين أنقرة ودمشق.

تُنذر مجمل التطورات العسكرية في الشمال الغربي من سورية باقتراب ساعة الصدام بين فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) من جهة، وبين قوات النظام السوري ومليشيات تساندها من جهة أخرى، وهو ما يشكل تحدياً جديداً لتفاهمات موسكو وأنقرة التي تحكم المنطقة منذ عام 2020. وفي جديد التطورات، شن الطيران الحربي الروسي انطلاقاً من قاعدة حميميم، أمس الاثنين، غارات على مواقع للفصائل المتمركزة في منطقة تل التبانة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي غير بعيد عن الحدود السورية التركية. كما استهدفت الطائرات الروسية التي غابت عن سماء المنطقة لمدة شهرين، الطرف الغربي من مدينة إدلب، وحرج بلدة بسنقول بريف محافظة إدلب الغربي بالقرب من الطريق الدولي حلب – اللاذقية، وفق ناشطين محليين، أوضحوا أن ثلاث طائرات حربية روسية من طراز سوخوي "سو 24" و"سو 34" نفذت 12 غارة جوية، أمس الاثنين، مستخدمة صواريخ شديدة الانفجار.

تعزيزات في شمال غربي سورية

وتزامنت الغارات الروسية مع عمليات قصف متبادل بين قوات النظام من جهة، و"تحرير الشام" من جهة أخرى، في ريفي إدلب وحماة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي تحدث عن تعزيزات عسكرية لكلا الطرفين. وشمل القصف المدفعي الذي نفذته قوات النظام قرى قسطون والقرقور والمشيك بمنطقة سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي. وكان عنصر من قوات النظام قُتل أمس الأول الأحد، إثر استهدافه من قبل عناصر "تحرير الشام" في ريف حلب الغربي، بينما أسقطت قوات النظام طائرة مسيّرة انطلقت من مناطق الهيئة، قرب مدينة سراقب في ريف إدلب، وفق المرصد. وبحسب مصادر متقاطعة، عززت قوات النظام وحداتها العسكرية في شمال غربي سورية خلال الأيام القليلة الماضية، خصوصاً في ريف حلب الغربي، حيث خطوط التماس مع "تحرير الشام"، ما يؤكد أن النظام يتحسب من قيام الأخيرة بشن هجوم واسع النطاق تجاه كبرى مدن الشمال السورية وعاصمة البلاد الاقتصادية.


مصطفى البكور: النظام يعتبر أن نشاط الفصائل الثورية أكثر خطراً عليه من إسرائيل

وتشير مجمل التطورات العسكرية في شمال غربي سورية إلى أن المنطقة مقبلة على توتر وتصعيد، ربما يهدد تفاهمات أبرمتها موسكو وأنقرة في عام 2020 ما تزال تحكم الأوضاع الميدانية لهذه المنطقة المكتظة بالسكان، حيث تحاول كل الأطراف عدم الانجرار إلى تصعيد كبير من شأنه خلق أزمة إنسانية واسعة النطاق، تكون تركيا أكبر المتضررين منها. ولا تُعزل تطورات الشمال الغربي من سورية عن التصعيد الذي يشهده الإقليم برمته، أكان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أم على لبنان. ويبدو أن فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" تجد أن الوقت مناسب لتغيير خرائط السيطرة التي لم تتغير منذ عام 2020، حين تلقت هذه الفصائل ضربات متلاحقة أدت إلى انسحابها من ريف حماة الشمالي وأجزاء واسعة من أرياف إدلب وحلب، لتجد نفسها ضمن بقعة جغرافية ضيقة محدودة الموارد.

كما يبدو أن الفصائل تريد استغلال التخبط الذي يمر به حزب الله والمليشيات الإيرانية جراء التصعيد الإسرائيلي المتواصل لطرد هذا الحزب وهذه المليشيات من ريف إدلب الجنوبي والشرقي. وتؤكد المعطيات أن فصائل المعارضة السورية لن تقدم على أي عمل عسكري يهدد التفاهمات الروسية التركية بالتلاشي، إلا بعد تنسيق مع أنقرة التي لا يبدو أنها تضع تغيير المعادلات العسكرية في إدلب ومحيطها ضمن الأولويات، ولا سيما أنها تدرك أن هذه الخطوة من شأنها زعزعة علاقتها في موسكو.

وكانت غرفة "الفتح المبين" التي تضم فصائل سورية معارضة في شمال غربي سورية مع "هيئة تحرير الشام"، أكدت في بيان السبت الماضي استعدادها لـ"أي تطور عسكري واستحقاق ثوري، للدفاع عن المحرر (الشمال السوري)، وحمايته وصون حرماته"، محمّلة النظام وحليفته إيران مسؤولية القصف المستمر على المدنيين في الشمال السوري.

في السياق، أكد العقيد مصطفى البكور وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في إدلب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهدف من الغارات الروسية "جعل الشمال الغربي من سورية بحالة من عدم الاستقرار بشكل دائم"، مشيراً إلى أن "الحشود العسكرية على أطراف إدلب من الجانبين (النظام والمعارضة)، تأتي في إطار التحضيرات لمعارك هجومية أو دفاعية في حال قرر أحد الطرفين البدء بعمل عسكري، مستغلاً الظروف الإقليمية والدولية السائدة حالياً". وأشار البكور إلى أن "النظام عزز قواته في محيط إدلب في وقت تتوغل فيه القوات الإسرائيلية في جنوب سورية"، مضيفاً: النظام يعتبر أن نشاط الفصائل الثورية أكثر خطراً عليه من إسرائيل، فهو لا يهتم إذا خسر بعض الأراضي في الجنوب السوري مقابل كسب رضى إسرائيل.


عباس شريفة: فصائل المعارضة لن تفتح معركة واسعة النطاق في شمال غربي سورية

تفاهمات روسية ـ تركية

لطالما سعت قوات النظام والمليشيات الإيرانية للتقدم في ريفي إدلب الجنوبي والغربي لوضع يدها على الطريق الحيوي "أم 4"، طريق حلب ــ اللاذقية، الذي يقطع المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، إلا أن التفاهمات الروسية التركية تحول دون ذلك حتى اللحظة. وتبدو هذه التفاهمات الهشة صامدة حتى اللحظة، فكلفة انهيارها سيكون ثقيلاً على الجانبين الروسي والتركي، خصوصاً أنها ستنسف المساعي الروسية الجارية من أجل تطبيع العلاقات مجدداً بين أنقرة ودمشق، التي تشهد جموداً هذه الفترة بسبب التصعيد الذي يشهده الإقليم والذي بدّل كما يبدو أولويات القوى الفاعلة في سورية.

تعليقاً على التصعيد في شمال غربي سورية رأى الباحث في مركز كاندل للدراسات، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التصعيد الروسي الإيراني ضد الشمال المحرر هو رسالة تحذيرية لتركيا والفصائل من استغلال أي مواجهة مع إسرائيل لفتح معارك في الشمال". وتابع: يأتي هذا التصعيد بعد فشل عقد اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، في نوع من الضغط الروسي لتقديم تنازلات للنظام من قبل تركيا تتعلق بجدول الانسحاب التركي من شمال سورية. واستبعد شريفة إقدام فصائل المعارضة على فتح معركة واسعة النطاق في شمال غربي سورية "إلا إذا بدأ النظام بها"، مضيفاً: حالياً الظروف الدولية والإقليمية لم تتهيأ لصالح المعارضة لتفتح مثل هذه المعركة. وتابع: لكن لا شك ثمة تربص من قبل الفصائل لاقتناص الفرصة في حال تغيرت المعادلة الإقليمية، لكن حتى الآن الفرصة غير متحققة.