تعود محافظة السويداء، جنوبي سورية، إلى واجهة الأحداث من جديد، في ظل تصاعد التهديدات التي تواجه الأردن، خصوصاً عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود، إضافة إلى التوغل الإيراني في الجنوب السوري الذي لا تتوانى إسرائيل عن استهدافه.
جديد هذا الملف برز في مقتل قائد "قوة مكافحة الإرهاب" سامر الحكيم، الذي تقول مصادر مطلعة إن فصيله كان في صراع مع المليشيات الإيرانية والنظام السوري، وواجه عمليات تهريب المخدرات.
وتربط المصادر بين هذا التطور، وسعي النظام لإحكام سيطرته على المحافظة، في ظل تسريبات بأن قوى خارجية تخطط للعمل على إحياء فصائل مسلحة في محافظتي درعا والسويداء لتمكينها من السيطرة على الجنوب وعلى الحدود مع الأردن، استجابة لقلق الأخير من موضوع المخدرات والقلق الأمني الإسرائيلي من التوغل الإيراني في الجنوب.
مقتل سامر الحكيم
واستيقظ أهالي مدينة السويداء أمس الأول الخميس، على جثة سامر الحكيم، مرمية بجانب دوار المشنقة في المدينة. وتحدثت شبكة "السويداء 24" المحلية أن جثة الحكيم نُقلت من المستشفى الوطني، إلى دوار المشنقة، ورميت مع ورقة تحمل عبارات تشفٍّ.
وكانت المخابرات العسكرية ومجموعات محلية داعمة لها، قد حاصرت يوم الأربعاء قرية خازمة، واشتبكت مع الحكيم وأفراد مجموعته، قبل أن تنسحب الأخيرة باتجاه البادية. وتحدثت معلومات عن أن الحكيم وأفراد مجموعته كانوا يحاولون الوصول إلى قاعدة التنف، قبل أن يقعوا في كمين قرب الحدود السورية الأردنية، من قِبل عناصر من المخابرات العسكرية، وجماعات مسلحة داعمة لها.
وأشارت معلومات إلى فقدان سبعة أو ثمانية أشخاص من أفراد مجموعة الحكيم، مع تضارب في الروايات حول مصيرهم، بين الحديث عن مقتل قسم منهم، وأسر القسم الآخر، أو أنهم تواروا عن الأنظار في البادية.
ونشرت مليشيا "المقاومة الشعبية" في السويداء المدعومة من إيران، مساء الأربعاء، صورة تظهر جثة الحكيم، وكتبت عليها عبارات تتشفى بقتله، الأمر الذي أثار غضب أهالي السويداء، معتبرين أنها تدل على العقلية الإجرامية لدى أجهزة الأمن التابعة النظام.
تسعى أجهزة النظام للقضاء على "قوة مكافحة الإرهاب" بعد انشقاق عدد من عناصرها
ووفق شبكة "السويداء 24"، فإن أجهزة النظام انتهزت فرصة ضعف حضور "قوة مكافحة الإرهاب" وانشقاق الكثير من عناصرها، خلال الفترة الماضية، بهدف القضاء عليها نهائياً. وظهرت "قوة مكافحة الإرهاب" في السويداء في يوليو/ تموز 2021، وعملت على تسخين المحافظة عسكرياً، فيما وجهت إليها بعض الجهات المحلية اتهامات بارتكاب تجاوزات حقوقية، وبأنها تضم بين عناصرها العديد من المتورطين بجرائم جنائية.
وجاء هذا التطور تزامناً مع تصاعد الحديث عن إمكانية إعادة دعم مجموعات مسلحة في الجنوب، من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى.
ووفق تقرير لمركز "جسور للدراسات"، صدر قبل أيام، فإنه "في ظلّ عدم قدرة أو رغبة روسيا على معالجة التهديدات التي تستهدف الحدود الأردنية، فإن الأردن قد يتجه إلى بحث خيارات بديلة لحماية أمنه القومي"، مثل طلب الدعم من التحالف الدولي لحماية الحدود الأردنية أو التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات مع إسرائيل، بهدف توجيه ضربات صاروخية وجوية ضد مواقع المليشيات الإيرانية، بما قد يشمل السماح بمرور الطائرات الإسرائيلية عبر أجواء شمالي الأردن، بغرض توسيع نطاق استهداف المليشيات.
كما يمكنه استعادة قنوات الاتصال مع قيادات المعارضة السورية المسلّحة والمقاتلين السابقين في الجبهة الجنوبية، من أجل تنسيق عمليات أمنية تستهدف قادة المليشيات الإيرانية وزعماء عصابات تهريب المخدرات، التي تحظى بغطاء من قوات النظام السوري. وأخيراً السعي لإقناع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإقامة مناطق عازلة على الشريط الحدودي بعمق معين داخل الأراضي السورية، لضمان إبعاد المليشيات الإيرانية عن المناطق الحدودية، إضافة إلى تعزيز الاتصال والتنسيق مع الفصائل المحلية في السويداء، بهدف العمل المشترك على مواجهة المليشيات الإيرانية التي تعمل بشكل حثيث على زيادة مساحة انتشارها في المحافظة.
صراع مع المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري
وقال مصدر مقرب من "قوة مكافحة الإرهاب"، لـ"العربي الجديد"، إن قتل الحكيم يأتي في إطار صراعه مع المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري، ومنها عناصر من الأمن العسكري.
وأكد أن الحكيم كان "يحارب خلال وجوده في قوة مكافحة الإرهاب تجارة المخدرات وعمليات الخطف والسرقة في محافظة السويداء، وأسهم في إلقاء القبض على عناصر أمنية متورطة بتجارة المخدرات وجرائم خطف ونهب وسلب". واعتبر أن "هذا الأمر أدى لتصعيد الأمور بين القوة وبين الأجهزة الأمنية، ما تسبب بالتالي بالمعركة التي هاجمت فيها مليشيات إيرانية ومعها الأمن العسكري قرية خازمة من محاور عدة".
قتل الحكيم يأتي في إطار صراعه مع المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري
وعن موضوع المخدرات في الجنوب السوري، اعتبر المصدر أن ما يرد في وسائل الإعلام يشكل جزءاً بسيطاً مما يحدث على أرض الواقع. وقال "للأسف تم إغراق الجنوب بمراكز تجميع وتخزين المخدرات. وأُغرقت الأسواق بهذه المادة بشكل كبير لدرجة أصبحت في متناول الأطفال، من دون نسيان مراكز التصنيع".
وحول مدى تأثير الملاحقات الأخيرة على "قوة مكافحة الإرهاب" وهل أسهمت في إضعافها، خصوصاً بعد مقتل الحكيم، اعتبر المصدر أن الجهاز ما زال موجوداً بقوة، وقد أخذ على عاتقه محاربة تجارة المخدرات في محافظة السويداء والجنوب السوري، إضافة إلى التصدي للعصابات المدعومة من أجهزة النظام الأمنية. ورأى أن هذه القوة هي الجهة الوحيدة التي تعمل بجدية ضد انتشار المخدرات في محافظة السويداء.
دعم أميركي لـ"قوة مكافحة الإرهاب"؟
وعن مصادر دعم القوة، ألمح المصدر إلى وجود تنسيق مع قاعدة التنف الأميركية على مثلث الحدود السورية ـ الأردنية - العراقية، وقد جرى أخيراً تسليم أحد أبرز تجار المخدرات المدعومين من "حزب الله" من جانب القوة للمسؤولين في تلك القاعدة.
واتهم المصدر بعض الشخصيات البارزة من السويداء بالمشاركة في التآمر عليهم، معتبراً أن وجودهم كان يمنع، ولو بشكل جزئي، تهريب المخدرات باتجاه الحدود الأردنية، بسبب موقع قرية خازمة بوصفها العقدة الرئيسية لخطوط المخدرات التي ترعاها إيران، وتقودها مليشيات محلية باتجاه الأردن.
ورأى أن التخلص من القوة "كان يجرى التحضير له منذ زمن، بتحريض من إيران ومليشياتها"، معتبراً أن القوة كانت تشكل "حجر عثرة في وجه المشروع الإيراني وتمدده في جنوب سورية، خصوصاً السويداء".
وتسود تكهنات بأن "قوة مكافحة الإرهاب" هي الجناح العسكري لحزب "اللواء السوري"، الذي أعلن الصحافي السوري المنحدر من السويداء مالك أبو خير من باريس عن تأسيسه العام الماضي، وقال إنه "يحمل مشروعاً وطنياً". وأعلن الحزب أن هدفه "محاربة الفلتان الأمني وتجارة المخدرات في السويداء، والعصابات التي تخطف المدنيين، والتي يحمل معظمها بطاقات أمنية من الفاسدين في أجهزة الأمن التابعة للسلطة السورية".
وبشأن صلة القوة بحزب "اللواء السوري"، أكد المصدر عدم وجود "علاقة مباشرة بين اللواء السوري وبين قوة مكافحة الإرهاب"، مشيراً إلى أن "اللواء" حزب سياسي غير مسلح وفق بيانه التأسيسي، بينما "قوة مكافحة الإرهاب" لها إدارتها الخاصة بها وهي مستقلة لا تتبع لأي حزب أو جهة سياسية.
من جهته، قال أبو الخير، لـ"العربي الجديد"، إن "محاور عدة توجد اليوم في الجنوب السوري، إذ يسعى الأردن إلى صد حمولات المخدرات الآتية إليه من حزب الله، ويأمل أن يقوم النظام السوري بممارسة دوره عبر كبح هذه الحمولات، بينما النظام مجرد واجهة لا قرار له في الجنوب، وإيران هي التي تتحكّم بالأمور".
وتحدث عن وصول تعزيزات إيرانية إلى الجنوب تحت لباس جيش النظام. وأضاف أبو الخير أن التحالف الدولي يُجري مناورات مستمرة في مناطق الجنوب ومحيط قاعدة التنف، فيما تراقب إسرائيل هذه التطورات ولا تتردد في التدخل من خلال الغارات وعمليات التوغل عبر الحدود لحماية مصالحها.