أخفقت الولايات المتحدة الأميركية في تسويق الإعلان الأممي المشترك لوقف إطلاق النار في اليمن لدى جماعة الحوثيين، التي أعلنت رفضه رغم الامتيازات التي قدمتها لها إدارة الرئيس جو بايدن، وهو ما يهدّد بانهيار التفاهمات السياسية وعودة المعارك، التي بدأت تشتعل في أكثر من محافظة، إلى المربع الأول.
ومنذ منتصف فبراير/شباط الماضي، حاول المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ تحقيق اختراق في مسار عملية السلام المتعثرة، وذلك بمحاولة إقناع الحوثيين بخطة لوقف إطلاق النار مقرونة بإغراءات غير مسبوقة، ابتدأت بشطب الجماعة من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية ووقف الدعم العسكري للتحالف السعودي، وانتهت بالإعلان، أمس الجمعة، عن إعادة المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخاضعة للجماعة شمالي اليمن.
وكشف المبعوث الأميركي عما سماها "خطة متماسكة" مطروحة على الحوثيين لعدد من الأيام، لكن الجماعة التي تستقوي بالموقف العسكري الذي يهدد مأرب والأراضي السعودية، لم تنتظر لعدة ساعات عندما أعلنت رفضها الرسمي لها، واعتبرتها "مؤامرة" والتفافاً شكلياً يؤدي للحصار بشكل دبلوماسي.
وفي ظل الغموض في تفاصيل الخطة الأميركية، أكد مصدر رفيع في الحكومة الشرعية لـ"العربي الجديد" أنه لا وجود لأي خطة أميركية جديدة لوقف إطلاق النار، ولكنها امتداد للإعلان الأممي السابق الذي تم طرحه في مارس/آذار الماضي.
وقال المصدر إن "الخطة التي يحوم النقاش حولها حالياً هي ذات أفكار الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار، والمتعلق بدرجة رئيسية بوقف المعارك والغارات الجوية وعودة الملاحة إلى مطار صنعاء الدولي والتفاهم على مسألة إيرادات ميناء الحديدة، ثم الانتقال بعد ذلك إلى المشاورات السياسية".
ومن خلال الرفض السريع للحوثيين، كان واضحاً أن الجماعة تسعى للحصول على بعض الامتيازات من الإدارة الأميركية، إذ كشف كبير المفاوضين الحوثيين، أمس الجمعة، عن أن الخطة الأميركية شملت شروطاً من قبيل "تحديد وجهات مطار صنعاء"، الخاضع لهم و"إصدار التراخيص للرحلات من التحالف"، و"عدم التعامل مع جوازات السفر الصادرة عن صنعاء"، لافتاً إلى استحالة "قبول أية خطة أقل مما قدمها المبعوث الأممي".
وطيلة الجولات الماراثونية التي عقدها المبعوث الأممي خلال العام الماضي مع أطراف النزاع اليمني، ظلت هذه النقاط الإنسانية والاقتصادية هي العقدة الرئيسية وراء عدم إحراز تقدم في بنود الإعلان المشترك، وخصوصاً من جانب جماعة الحوثيين، رغم التوافق شبه التام من الجانبين على مسألة وقف إطلاق النار.
ووفقاً لمصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، فقد كانت النسخة الأولى من الإعلان المشترك تنصّ على فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية المباشرة إلى كافة الدول، ومن دون وجود أي تراخيص من التحالف بقيادة السعودية، لكن الحكومة الشرعية أعلنت تحفظها على هذه البنود، واعتبرتها انتقاصاً من السيادة، وذلك بالسماح لمليشيات متمردة بتسيير رحلات مباشرة من دون علم السلطات الرسمية وجهتها.
وتحت ذريعة أن الرحلات المباشرة من مطار صنعاء وعدم معرفة هوية المسافرين سيؤدي إلى زيادة تهريب الأسلحة والخبراء الإيرانيين من طهران إلى جماعة الحوثيين، رضخ المبعوث الأممي لضغوط الحكومة الشرعية والسعودية، وأدرج بعض التعديلات التي قوبلت برفض حوثي تام.
وفي ما يخص التدابير الاقتصادية، لا تزال الموارد المالية لميناء الحديدة هي العقدة الرئيسية أمام الإعلان الأممي والخطة الأميركية المعدّلة، حيث اشترط الإعلان المشترك "عودة النشاط التجاري بشكل كامل لميناء الحديدة من دون قيود، شرط أن تقوم جماعة الحوثيين بتوريد الإيرادات إلى حساب في البنك المركزي بالحديدة، يتم تخصيصه لدفع رواتب موظفي الدولة في كافة مناطق اليمن، بناءً على كشوفات رواتب الموظفين في 2014، أي قبل الانقلاب، وذلك بعد اتهامات للحوثيين بنهب الإيرادات وتسخيرها للمجهود الحربي وتمويل عملياتهم العسكرية، لكن الجماعة ترفض حتى الآن".
تصعيد حكومي وتحذير من مكافأة الحوثيين
وبالتزامن مع تصعيد عسكري واسع بدأت رقعته تتوسع من مأرب إلى تعز وحجة، حذر مستشار رئاسي يمني، في وقت متأخر من مساء الجمعة، "من مكافأة الحوثي على جرائمه وهجومه على مأرب باتفاق يجعل من هزيمته العسكرية انتصاراً سياسياً يشرعن وجوده".
ولمّح مستشار الرئيس اليمني عبد الملك المخلافي إلى أن الخطة الأميركية "ستؤدي إلى إدامة الحرب بطرق أخرى، تحت ذريعة وقف الهجوم على مأرب ووقف إطلاق النار، وتصوير اتفاق كهذا بأنه تنازل من الحوثي (المهزوم) من دخول مأرب وتكرار كارثة استوكهولم"، في إشارة إلى هدنة الحديدة الهشة التي تم توقيعها أواخر 2018.
ما سيجبر الحوثي على السلام هو صمود الأبطال في مارب وتعز وحجة والضالع وتحريك كل الجبهات ودعم وإسناد الاشقاء في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لهزيمة المشروع الإيراني وليس تقديم مشاريع تكافئ الحوثي وتشجعه على أستمرار عدوانه وعنصريته وجرائمه وارهابه.
— عبدالملك المخلافي(abdulmalik-ALmekhlafi) (@almekhlafi59) March 12, 2021
وقال المخلافي، في سلسلة تغريدات على "تويتر"، إن ما سيجبر الحوثيين على السلام هو "صمود الأبطال في مأرب وتعز وحجة والضالع، وتحريك كل الجبهات، ودعم وإسناد التحالف العربي لهزيمة المشروع الإيراني، وليس تقديم مشاريع تكافئ الحوثي وتشجعه على استمرار عدوانه وعنصريته وجرائمه وإرهابه"، في تلميح حكومي لرفض الخطة الأميركية.
وخلافاً لما كان عليه الوضع مطلع فبراير/شباط الماضي، تبدو معنويات الحكومة المعترف بها مرتفعة في الوقت الراهن بعد تحسن الوضع الدفاعي في مأرب، حيث أعلن رئيس الحكومة الشرعية معين عبد الملك، مساء أمس الجمعة، "أن الوقت قد حان لاستكمال معركة استعادة الدولة" وبارك التعبئة العامة في تعز.
تقدم جديد غربي تعز
في غضون ذلك، حققت قوات الجيش اليمنين السبت، تقدما جديدا في الجبهات الغربية لمدينة تعز، فيما دعت الأحزاب السياسية الموالية للحكومة الشرعية إلى توحيد الموقفين السياسي والإعلامي والحشد المشترك للناس لدعم النفير العام، ودعوة أبناء المحافظة في صفوف الحوثيين للعودة إلى الصف الوطني.
وقال مصدر عسكري بالجيش الوطني لـ"العربي الجديد" إن "معارك عنيفة اندلعت، ظهر السبت، في جبهة مقبنة، أسفرت عن تحرير جبل القرقرة في منطقة الطوير الأعلى بمديرية مقبنة، حيث تسعى القوات الحكومية إلى تطويق مدينة البرح".
وذكر المصدر أن "وحدات الجيش الوطني في جبهات مقبنة والكدحة والأشروح، غربي تعز، تمكنت من الالتحام وستنفذ خلال الساعات القادمة عملية مشتركة نحو معاقل الحوثيين في البرح ومدينة مقبنة، بالتزامن مع توافد عشرات المتطوعين من المقاومة الشعبية".
ونقلت وكالة "سبأ" الخاضعة للحكومة الشرعية، عن مصدر عسكري لم تسمه، أن معارك السبت أسفرت عن مقتل 35 عنصرا حوثيا وإصابة آخرين.
وكانت المعارك قد احتدمت فجر اليوم، بعد هجوم شنته قوات اللواء 20 مشاة على مواقع الحوثيين في جبل العرف بجبهة البرح، بالتزامن مع تقدم قوات محور تعز العسكري في جبهة الكدحة.
في السياق، دعت أحزاب التحالف الوطني إلى "وحدة الصف الجمهوري والالتفاف حول الشرعية والجيش الوطني، وخلق أجواء توحد الموقف الفعلي في صفوف القوى المناهضة للتمرد الحوثي سياسيا وإعلاميا وميدانيا، وعلى كافة الصعد المركزية والمحلية"، وفقا لبيان صحافي.
وحث البيان الحكومة الشرعية على مضاعفة جهودها في دعم الجيش الوطني والإسراع في صرف رواتب الجنود بانتظام، ورفد كافة الجبهات بالمعدات والذخائر والأسلحة النوعية لإحداث تغيير استراتيجي في مسار المعركة لصالح الدولة ووحدتها وسلامة أراضيها.
وفي محافظة الحديدة المشمولة باتفاق استوكهولم، تتجه الأوضاع للانفجار بشكل أكبر بعد مناوشات بالأسلحة الثقيلة، حيث أعلنت القوات المشتركة، مساء أمس الجمعة، أنها قصفت بالمدفعية الثقيلة تجمعات حوثية شمال شرق مطار الحديدة ومعسكر الدفاع الساحلي وشارع الخمسين ومحيط كلية الهندسة داخل مدينة الحديدة، بالتزامن مع إعلان وسائل إعلام سعودية عن تعزيزات بحرية للتحالف قبالة ميناء الحديدة.
وعلى الرغم من رفع سقف مطالبها كما لو أنها قد أسقطت مأرب بشكل كامل، إلا أن جماعة الحوثيين لا ترغب في توسيع رقعة المعارك بمحافظات مختلفة، جراء الإنهاك الذي تعرضت له أخيراً على تخوم المحافظة النفطية.
وظهر القيادي الحوثي البارز محمد البخيتي، أمس الجمعة، يتوسل إلى حزب "الإصلاح"، الذي يصفه بأنه المتحكم بالقرار العسكري بمدينة تعز، إعادة النظر في قرار تفجير الوضع والالتزام بالتهدئة، لافتاً في تغريدة على "تويتر" إلى أنهم كانوا قد عرضوا في السابق الانسحاب من تعز لتحييدها.
لكن جشع المستفيدين من حزب الاصلاح في استمرار الاستئثار بحقول النفط دفعته لتفجير الوضع في تعز
— محمد البخيتي(Mohammed Al-Bukaiti) (@M_N_Albukhaiti) March 12, 2021
وكما عرضنا في السابق الانسحاب من تعز لتحييدها ننصح حزب الاصلاح اليوم بإعادة النظر في قرار تفجير الوضع والإلتزام بالتهدئة المتفق عليها في السويد والوفاء بالعهد حتى لا تتحول تعز لساحة معركة
وبالتزامن مع تحريك جبهات تعز وحجة وبعض المناطق شمالي الضالع، بدأ التحالف السعودي بتغيير استراتيجية إدارة الحرب، من خلال توسيع رقعة الغارات الجوية على أكثر من محافظة يمنية خاضعة لنفوذ الحوثيين، كما أعلن تدمير عدة منصات صاروخية ومنظومات دفاعية خلال اليومين الماضيين في مأرب، شرقي البلاد.