تمرير رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مشروعه القضائي، الاثنين، في الكنيست بالرغم من تحذيرات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أثار الكثير من الضيق في واشنطن حتى لدى الجهات والدوائر المحافظة التي أبدت تفهمها لخطوة الحكومة الإسرائيلية، ربما لتسجيل موقف ضد الرئيس بايدن "لتدخله" في الشأن الإسرائيلي. ففي الجوهر كان القلق العلني منه والمكبوت القاسم المشترك بين كافة الردود، لأن المسألة أبعد من "إصلاح" أو بالأحرى تعديل قضائي، فهي كشفت عن زيف خطاب مزمن لطالما تغنّى "بديمقراطية الدولة اليهودية".
والأهم أن هذا التشريع، المتوقع أن يلحق به تصويت على مشروعين مكملين لتحرير الحكومة والكنيست من أي حسيب أو رقيب، يرمي إلى اطلاق مشروع التهويد الكامل والتحرك على أرضيته لممارسة "التطهير العرقي والضم للأراضي الفلسطينية"، حسب الكاتب اليهودي التقدمي بيتر باينرت في أول رد له على هذا التصويت.
ومثل هذا التوجه ينسف كل الحيثيات المزعومة التي كانت واشنطن تتغطى بها لحماية سياسات القضم والضم التي كان الاحتلال الإسرائيلي يمارسها بالتقسيط والتحايل.
الخشية الآن هي من أن "الديمقراطية" المفصلة على قياسات الإسرائيليين صارت هي الأخرى مهددة بالتحول إلى "دكتاتورية" فاشية قومية مفضوحة تحظى بدعم أكثر من 50% من يهود إسرائيل. وهذا كلام تردد بصيغة أو بأخرى في أكثر من منبر وموقع ورأي وخصوصاً اليهودية منها التي بدت متأرجحة بين كتم المخاوف تحت زعم عدم التدخل في الشأن الإسرائيلي وبين المجاهرة فيه بلغة التحذير أو الإدانة لحكومة نتنياهو.
القاسم المشترك بين هذه الردود والقراءات أن إسرائيل تمر في عملية تحوّل غير عابر، جاء نتيجة مسار طويل تراكمت عوامله وقواه الوازنة المحلية أكثر مما هو نتيجة لموازين قررتها الانتخابات الأخيرة. فقد شهدت إسرائيل أربع انتخابات خلال سنتين. خلالها بقي الليكود مع حلفائه ممسكاً بالأكثرية أو ما يقاربها والتي أعادته إلى الحكم، ليس لـ"شطارته" السياسية الانتخابية فقط بقدر ما كان ذلك نتيجة لجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو التزمت القومي - الديني. وهذه وجهة ساهمت مختلف الحكومات الإسرائيلية في بناء مداميكها. وهنا يكمن التخوف الأميركي واليهودي الأميركي، بل تكمن النقمة على تمرد إسرائيل على ولي نعمتها. من تعبيراتها، تنامي الدعوة المعلنة لوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل، أو على الأقل البدء بخفضها "التدريجي" على طريق الانتهاء منها.
نيويورك تايمز نشرت قبل يومين مقالة لأحد كتاب صفحة الرأي فيها نيكولا كريستوف، دعا إلى طي هذه الصفحة من زاوية أنه لا يجوز تقديم مليارات الدولارات لبلد غني. كلام غير مسبوق إلا مرة واحدة على لسان السيناتور رون بول، الذي استنكر الإغداق على إسرائيل الغنية بالمساعدات "ونحن بلد مديون".
تمرد نتنياهو ضم مطالبة المسؤولين اليهود السابقين صراحة بوجوب البدء في فطام إسرائيل عن المساعدات الأميركية، مثل مارتن إنديك، السفير السابق، ودافيد آرون ميلر، الذي عمل مع فريق المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية.
كما أن هناك بعض الأصوات في الكونغرس التي سبق وطرحت هذا المطلب مثل السيناتور بيرني ساندرز وآخرين في مجلس النواب.
أصحاب هذا التجرؤ ما زالوا قلة، لكنهم كسروا المحظور في ظل مناخ موآت ومرشح للتنامي بقدر ما تتفاعل الأزمة في إسرائيل وتتراكم معها التحولات التي بدأت بهذا التصويت والمتوقع أن تنتقل إلى الترجمة على الأرض فور الانتهاء من إقرار ملحقاته قريباً. فإسرائيل كشفت عن حقيقة هويتها. تتجه نحو دولة يهودية. الديمقراطية كانت للتمويه والتجميل.
يهودية وديمقراطية تقول الأزمة الإسرائيلية إنهما لا يلتقيان. حقيقة كانت مستورة بالتزييف.
"ستبقى إسرائيل ديمقراطية لكننا لا نعرف أي ديمقراطية"!، يقول ريتشارد هاس، من مجلس العلاقات الخارجية. يعني ليست الديمقراطية التي يعرفها والتي لا يتردد آخرون في القول إنها صارت "مهددة بالموت" في إسرائيل.
الخاسر الأكبر في المشهد كان الرئيس بايدن. نزل في المواجهة مع نتنياهو بالأدوات غير الملائمة فكانت حصته لطمة.
في حديثه مع الصحافي توماس فريدمان، الذي استدعاه إلى البيت الأبيض بعد ساعتين من اجتماعه بالرئيس الإسرائيلي، قال بايدن إن استمرار العلاقات الخاصة مع إسرائيل سيكون أمراً "صعباً" إذا أصر نتنياهو على مشروعه.
نتنياهو أصر ونفذ. الكرة في ملعب البيت الأبيض. التجارب والسوابق تقول إن هذا الأخير سيتناسى الموضوع.