مع تواصل الحراك الشعبي في السويداء جنوبي سورية، وتجاوزه شهره الأول، فشلت معظم التوقعات والرهانات على تراجعه وانتكاسه، بفضل التعاطف الجماهيري داخل سورية وخارجها، وثبات موقف القيادة الروحية، ومن خلفها وجهاء العائلات والعشائر، في صقل شكل الحراك وتنظيمه، وكذا صمود شرائح المجتمع المحلي.
وجمع الحراك معظم فئات المجتمع العمرية وكل الشرائح من فلاحين وعمال وتجار وحرفيين ومعلمين وأطباء ومهندسين، وتميزت ساحات التظاهر بوجود لافت لعدد من المحامين المعروفين في السويداء، ما ساهم في تشجيع حالة المبادرة والجرأة لدى عامة المشاركين.
ومنذ أكثر من شهر، تشهد ساحة السير (الكرامة) في مدينة السويداء خروج محتجين ينادون برحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالحل السياسي، متحدين جراء ذلك الانعكاسات السلبية المحتملة للحراك على أعمال المواطنين وكذا تعطل المصالح العامة لبعض الوقت.
وعن ذلك، قال الناشط المدني أيمن نوفل، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك في السويداء انطلق بشكل شعبي من دون قيادة أو تنظيم، فأغلق معظم المؤسسات في الأيام الأولى وقطع الطرقات المؤدية إلى المدينة وطلب من التجار الإغلاق العام لمدة يوم واحد، وذلك للضغط على السلطة من جهة ومنح العاملين والموظفين في المؤسسات الحكومية المبرر للتغيب عن العمل وللتشجيع على الاحتجاج والتظاهر من جهة أخرى".
وتابع: "وما لبث أن أدرك خطورة إقفال المؤسسات والمحال التجارية على شعبية الحراك، فعاد لفتحها وحمايتها من أية أعمال تخريبية، وهنا بدأ بصقل عمله ويكسب شرعيته من الجميع، حتى أصبح الشعور العام يوحي بأن الجميع شريك في هذا الحراك".
وأضاف نوفل: "منذ الأيام الأولى للحراك توقفت بشكل شبه كامل الدعاية للتظاهر والضغط على الفئات غير المشاركة، وذلك انطلاقاً من أهداف ومبادئ الحراك التي تُجمع على حرية الرأي والموقف، وعلى أن الحراك يمثل الغالبية الشعبية بمن حضر، ولن يكون بديلاً للسلطة وأدواتها وبرامجها، لكنه بديل أخلاقي يسعى للعدل وكرامة الإنسان".
تمركز الحراك الشعبي اليومي في ساحة الكرامة، وبدأ يشغل الساحة ساعات الصباح والمساء بتظاهرتين، أخذت الأولى المنحى الهتافي والثانية المنحى الفني، حيث تتوافد بعض الفعاليات الفنية من موسيقيين ورسامين وتركز على الجانب الإنساني للحراك الشعبي.
وقال التاجر حسام العفلق لـ"العربي الجديد": "لم نلاحظ أية انعكاسات سلبية على حركة العمل والتجارة، فهذا الحراك ذو طابع سلمي وقد تجاوز الجميع حالة الخوف من ردود أفعال السلطة بعد مرور أيامه الأولى. ولن أخطئ إن ادعيت أن هذا الحراك بهذا المنحى الجميل أصبح جزءاً من حركة الأسواق ومشهداً جاذباً للكثير من الزبائن والطلاب والموظفين المحرومين من المشاركة".
وتابع العفلق: "لا يمكن تحميل أزماتنا الاقتصادية والسياسية للحراك، فجميعنا يُدرك سوء الوضع المعيشي وأزمات ارتفاع أسعار صرف الدولار وأسعار جميع المواد الاستهلاكية والأولية، بالإضافة إلى أن هذه الفترة من العام تصادف بداية الفصل الدراسي وموسم المونة".
وفي ما يخص المزاج العام الجديد الذي خلقه الحراك الشعبي لدى معظم الناس، قال: "هناك شعور بالألفة والمودة وشيء من النشوة والفخر بالانتماء إلى هذا الحراك، ولا ينكر أحد حالة التواصل الكثيف بين الأهل والأبناء المغتربين والأصدقاء، فإن مشاعر كل فرد لدينا هي جزء من انعكاسات هذا الحراك في العالم". وختم حديثه بالقول: "اليوم نحن نتنفس حرية، وهو ما يقلب الموازين الخاسرة إلى أرباح خالصة ليست لها علاقة بالتجارة، بل بالحياة كلها".
من ناحية موازية؛ فإن الصعوبات التي تواجه العديد من الفعاليات الاقتصادية ما زالت مستمرة، لعل أهمها توقف حركة المواصلات لعدة أيام والنقص الكبير في توريد المواد النفطية والغذائية من العاصمة دمشق، باعتبارها المنفذ الوحيد لأعمال المحافظة.
عهد مقلد، الذي يعمل سائقاً، قال لـ"العربي الجديد" إنه ليس مُستغرباً انقطاع المازوت والبنزين عن المحافظة لعدة أيام، أو تأخر موعد استلام المخصصات عبر بطاقة المحروقات، موضحاً أن ذلك أصبح اعتيادياً وسبباً رئيسياً للمشاركة بالحراك منذ ساعاته الأولى، وربما ساهم توقف حركة المواصلات وصعوبة الانتقال من الريف إلى المدينة في خلق ساحات متعددة للتظاهر في جميع البلدات.
وختم مقلد قائلاً: "لقد تجاوزنا ميزان الربح والخسارة المادية واجتمعنا على التخلص من مسببات هذا العيش الرديء".