شهدت عدة مدن ومناطق ليبية، اليوم الجمعة، تظاهرات حاشدة رافضة لقرار سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وطالب بعضها بإسقاط مجلس النواب ومغادرته للمشهد السياسي.
وفي ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، تجمهر آلاف المواطنين في مظاهرة حاشدة، رفعوا خلالها شعارات نددت بقرار مجلس النواب بشأن سحب الثقة من الحكومة، وطالبت الحكومة بالاستمرار في ممارسة مهامها.
وفيما حمل المتظاهرون لافتات بأسماء مناطق وأحياء العاصمة طرابلس طالبوا بإسقاط مجلس النواب ومغادرته للمشهد السياسي، كما طالبوا الحكومة والمجلس الرئاسي بسرعة تهيئة الظروف لإنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وبالتزامن، شهدت مدن مصراته وزليتن، شرقي طرابلس، والزاوية وغريان في الغرب، وسبها جنوب البلاد، مظاهرات استنكرت هي الأخرى قرار سحب الثقة من الحكومة وطالبتها بالاستمرار في ممارسة أعمالها.
وفي مصراته، شدد المتظاهرون على ضرورة إسقاط البرلمان وإلغاء قوانين الانتخابات الصادرة عنه، وأكدوا أنها قوانين أصدرها المجلس بشروط خاصة برغبة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر في دخول الانتخابات، وذكّروا عبر شعارات وصور بـ"جرائم الحرب" التي اقترفها حفتر بحق سكان العاصمة طرابلس.
وفي رد ضمني من جانب مجلس النواب، أعلنت هيئة الرئاسة، مساء اليوم، عن تشكيلها لجنة برلمانية مكونة من 13 نائباً لإعداد مقترح مشروع قانون الانتخابات البرلمانية، في إشارة لتجاهل المظاهرات المطالبة باسقاطه وإلغاء القوانين الانتخابية الصادرة عنه.
من جانبها، بثت منصة "حكومتنا"، التابعة للحكومة، مشاهد وصوراً من المظاهرات التي شهدتها طرابلس، ومدن أخرى، مشيرة إلى أن هذه المظاهرات جاءت استجابة لنداء رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة للمواطنين للتظاهر والتعبير عن رأيهم حيال قرار مجلس النواب بشأن سحب الثقة من الحكومة.
الدبيبة: هذه أقوى رسالة لرفض الانقسام
في الأثناء، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أن المظاهرات "أقوى رسالة بأن ليبيا واحدة موحدة وأن أهلها يرفضون الانقسام".
كما أكد الدبيبة، في كلمة ألقاها وسط متظاهرين في ميدان الشهداء في طرابلس رفضاً لقرار سحب الثقة من الحكومة، أن شعار حكومته "لا للحروب ونعم للسلام والتنمية"، مضيفاً "الحكومة بدأت بتوافق كبير ونالت الثقة واجتهدت في تنفيذ مهامها لقد صرفنا أموالاً لدعم ومساعدة الشباب وتوفير فرص عمل لهم".
وشدد على أن حكومته تعمل من أجل تنفيذ مهامها "في توفير الرخاء والاستقرار لليبيين"، وقال "قطار التنمية والاستقرار وعودة الحياة بدأ في البلاد ولا يمكن إيقافه... يقولون إن الدبيبة ضيّع الأموال، هذه الأموال أموالكم وأنا هنا خادمكم، ومن حق الليبيين أن يتمتعوا بخيراتهم".
وحول قرار سحب الثقة من حكومته قال "مجلس النواب كنا نأمل فيه الخير الحكومة بدأت بداية فيها توفيق كبير وذهبنا لمجلس النواب وحصلنا على الثقة.. كان هذا المشهد فريداً جداً تم من خلاله توحيد أول مؤسسة وهي البرلمان".
وطالب الدبيبة الليبيين بالتمسك بحقهم في الانتخابات، وأضاف "الهدف هو الانتخابات ولا يمكن التخلي عنه ولا يمكن لفرد أو حزب أن يقودنا دون أن نختاره في الانتخابات القادمة".
وقال "يريدون أن يأخذوا منكم حقكم في اختيار من تشاؤون، ولا بد أن نصل إلى الانتخابات بأي شكل من الأشكال"، مضيفاً "صوتكم اليوم وصل إلى أهل الشر والحرب".
ونبّه الدبيبة، في معرض كلمته، المواطنين الى ضرورة التيقظ لما وصفه بمحاولات "العودة للانقسام"، وأضاف "ليس هناك خلاف جوهري بين الشرق والغرب والجنوب وهدفنا هو التنمية والبناء والحياة".
وأردف "سنبني جيشاً واحداً في ليبيا ولاؤه لله والوطن ولا يمكن أن يتبع أي شخص أو قبيلة ولا يمكن السماح بالانقسام والعودة إلى الماضي.. لا للحروب ونعم للتنمية، ونعم لدعم الجيش الليبي القوي"، وتابع "نهدف أن ننشر التسامح والتلاحم بين الشعب الواحد والوصول بالوطن إلى بر الأمان".
وبالتزامن بثت منصات التواصل الاجتماعي بياناً مرئياً لعدد من أعضاء تجمع تيار الرخاء والتقدم، في طبرق، وصفوا فيه قرار مجلس النواب بشأن سحب الثقة من الحكومة بـ"التآمر على الوطن"، وطالبوا المجلس بحسب قراره، كما طالبوا الحكومة بالاستمرار في عملها.
وكان الدبيبة قد دعا الليبيين، خلال كلمة ألقاها وسط متظاهرين في طرابلس ليل الثلاثاء الماضي، إلى التظاهر، وقال "موعدنا الجمعة المقبلة للتعبير عن رأيكم.. من كل المدن".
والثلاثاء الماضي، أعلنت رئاسة مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة، بشكل مفاجئ، ما أثار جدلاً ليبياً واسعاً على خلفية اعتراض عدد من النواب على طريقة التصويت على القرار وصحة عدد المصوتين.
وأعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد حمودة، عن استمرار الحكومة في عملها وأن قرار المجلس "باطل دستورياً وإجرائياً".
وليل أمس، دعا المجلس الرئاسي، في بيان له، الحكومة لمواصلة عملها، كما دعا مجلس النواب إلى تحمل مسؤولياته في إنجاز التشريعات اللازمة لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
من جهتها، شددت البعثة الأممية في ليبيا على أن الحكومة "هي الحكومة الشرعية حتى إجراء الانتخابات".
عقيلة صالح: لا قيود على عمل الحكومة في الداخل وتستطيع ممارسة عملها حتى الوصول للانتخابات
في المقابل نفى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، اتهامات بتزوير عدد المصوتين على قرار سحب الثقة من الحكومة، معتبراً أن القرار لا يمنع الحكومة من ممارسة أعمالها داخلياً.
وتزامن لقاء صالح، عبر قناة محلية مقربة منه، ليل الجمعة، مع خروج آلاف الليبيين في عدة مدن ليبية من بينها العاصمة طرابلس ومدينة طبرق التي تحتضن مقر مجلس النواب، للتنديد بقرار سحب الثقة من الحكومة.
وحملت تصريحات صالح لهجة تضمّنت تراجعاً عن قراراته واجراءاته السابقة، سيما قرار سحب الثقة من الحكومة، وإصراره على إصدار قوانين الانتخابات بشكل أحادي، ورفضه اشتراك المجلس الأعلى للدولة في إعدادها.
وحول اتهام 38 نائباً لرئاسة مجلس النواب بتزوير عدد المصوتين على قرار سحب الثقة، بين أن "النصاب المطلوب لسحب الثقة هو نصف عدد النواب +1 طبقاً للوائح مجلس النواب الداخلية"، مضيفاً: "تم التصويت على سحب الثقة من خلال رفع أيادي 89 نائباً في المجلس".
واعتبر أن تهم التزوير الموجهة من بعض النواب سببها معارضتهم قرار الحكومة، مشيراً إلى أن سبب القرار جاء على خلفية "انزعاج النواب من إبرام الحكومة عقوداً بالمليارات مع الخارج، ما يرتب على الدولة التزامات وديوناً".
وفي محاولة للتخفيف من ردود الفعل الرافضة لقرار سحب الثقة من الحكومة، قال: "هدفنا من القرار هو فقط منع الحكومة من توقيع عقود طويلة الأجل مع الخارج، لكن الحكومة يمكنها أن تمارس عملها داخلياً بشكل طبيعي، وأطالبها بالعمل على توفير مساكن وفرص عمل للشباب"، وأردف: "لا قيود على عمل الحكومة في الداخل، وتستطيع ممارسة عملها حتى الوصول للانتخابات، وقد أبلغت المبعوث الأممي أنه لن يكون هناك فراغ في السلطة وأن الحكومة مستمرة في مهامها".
وحول موقفه من المظاهرات المنددة بقرار سحب الثقة من الحكومة، قال: "التظاهر حق دستوري ومشروع للجميع ومن حق الليبيين أن يتظاهروا في أي مكان بالبلاد".
وفي إشارة لدعوة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة المواطنين للتظاهر تنديداً بقرار سحب الثقة قال: "من يريد تقديم نفسه للانتخابات ويعتقد أن لديه شعبية عليه أن يقدم نفسه لصندوق الاقتراع، وعلى الدبيبة أن يعمل من أجل تقديم الخدمات للشباب ودفع الرواتب ومجلس النواب هو من أصدر قرارات رفع الرواتب منذ عامين".
وحول دور مجلس النواب حيال الانتخابات قال: "أصدرنا قانون الانتخابات الرئاسية وفي الجلسة القادمة أو التي تليها سيصدر قانون الانتخابات البرلمانية".
وفي موقف آخر أبدى فيه صالح تراجعاً عن مواقفه السابقة حيال المجلس الأعلى للدولة قال: "نحن في تواصل مع مجلس الدولة، واللجان المتحاورة معه لم تصل إلى أي حلول بخصوص القاعدة الدستورية والقانونية، ولا أقول إنها لن تصل فالتواصل لا يزال".
وفيما دافع صالح عن انفتاح مجلس النواب على الجميع؛ أكد أن النواب ليسوا حريصين على بقاء مجلس النواب فـ"هم من يعملون على صدور قوانين الانتخابات وبمجرد انتخاب جسم تشريعي جديد سيسلم مجلس النواب السلطة".
وحول نيته الترشح للانتخابات المقبلة قال: "لن أقرر الترشح للانتخابات إلا عندما يعلن الفتح عن باب الترشح بشكل رسمي".