لا يبدو مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق سالكاً أمام الطرفين، نظراً للكثير من المطبّات التي تتخلله، بالإضافة إلى الشكوك التي تحيط بجدية كل من النظام السوري والحكومة التركية في إكماله، وعدم استخدامه كورقة سياسية لتمرير ملفات سياسية داخلية، بالنسبة للطرفين.
التطبيع بين أنقرة ودمشق: ظروف غير مناسبة
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن الظروف غير مناسبة للتطبيع مع دمشق، مضيفاً أنه بحث الملف السوري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال اللقاء الذي جمعهما في "منتدى أنطاليا الدبلوماسي". وأضاف خلال مؤتمر صحافي في ختام المنتدى، أول من أمس الأحد: "نحن بحاجة إلى الحديث بشكل مفصل عن القضايا المتعلقة بالملف السوري"، و"خلق بيئة نقاش أوثق حول القضية السورية". وأشار إلى أن "عودة اللاجئين وكتابة الدستور الجديد ومكافحة الإرهاب وغيرها، كلها قضايا عالقة تحتاج إلى وقت للتقدم"، منوهاً إلى أن هذه المسائل "تتعلق بشكل وثيق بأمن تركيا ومصالحها الوطنية".
لافروف: خطوات التطبيع بين تركيا وسورية أصبحت الآن "غير ممكنة" على خلفية الوضع في قطاع غزة
وسبق كلام الوزير التركي، تصريحات لنظيره الروسي خلال المنتدى ذاته، أشار فيها إلى أن خطوات التطبيع بين تركيا وسورية أصبحت الآن "غير ممكنة" على خلفية الوضع في قطاع غزة، مضيفاً: "نؤكد اهتمامنا بتطبيع العلاقات بين سورية وتركيا، ولقد عملنا على ذلك ومستمرون فيه، لكن الخطوات العملية الآن غير ممكنة على خلفية ما يحدث في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى، حيث يؤثر ذلك بشكل مباشر على جميع المشاركين في هذه العملية".
وأشار لافروف إلى "القصف الذي شنّه الأميركيون على أهداف معينة تابعة للقوات الموالية لإيران، وقصف العراق وسورية واليمن"، موضحاً أن "مثل هذه الأحداث تؤثر على التركيز والاهتمام بمواصلة جهود دفع التطبيع بمشاركة الجانب الروسي بين سورية وتركيا".
ويوم السبت الماضي، قال مصدر في الرئاسة التركية لوكالة "نوفوستي" الروسية إنه لا تتوفر لدى أنقرة أي معلومات حول خطط لعقد اجتماع في موسكو بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك رداً على معلومات ذكرتها صحيفة "ايدينليك" التركية بأن أردوغان والأسد قد يجتمعان في موسكو في المستقبل القريب بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومنتصف العام الماضي، أعلنت روسيا أن خريطة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة باتت جاهزة، بعد أن تم تكليف وزراء خارجية روسيا وتركيا والنظام وإيران نوابهم بإعدادها، غير أن تلك الخريطة لم يتم الإفصاح عن محتواها بشكل كامل.
وجاء ذلك في سياق تقارب بدأه الجانب التركي في ديسمبر/كانون الأول 2022 مع النظام السوري بدفع من الجانب الروسي، واجتمع أواخر ذلك الشهر وزير الدفاع التركي (السابق) خلوصي أكار ونظيره في النظام السوري علي محمود عباس، بمشاركة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، واتفقا على تشكيل لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والمخابرات. وفي أواخر إبريل/نيسان من العام الماضي، عُقد في موسكو اجتماع رباعي ضم وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، لاستكمال المباحثات حول ملفات عسكرية وأمنية.
كما مهّد اجتماع دبلوماسي في إبريل من العام الماضي ضم نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري الطريق أمام مباحثات وزراء الخارجية والذي عقد في مايو/أيار الماضي. ووفق البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية، اتفق المجتمعون على إعداد خريطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتأكيد على تسهيل ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى "وطنهم الأم بشكل طوعي وآمن ومشرف".
كما اتفقوا على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسورية بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع. ولم تحرز عملية التطبيع أي تقدم، سوى من بعض النقاشات وتبادل الأوراق، فيما وقف كل طرف عند شروطه ومطالبه.
وفي حين تم ربط عملية التطبيع، بشكل أو بآخر بمسار أستانة التفاوضي بين النظام والمعارضة برعاية روسية تركية إيرانية، فقد أضيفت طهران إلى مباحثات التطبيع، لكن النظام لا يزال يربط إحراز تقدّم في المباحثات مع أنقرة بانسحاب قواتها من شمال سورية، كمطلب وشرط رئيسي للإكمال، في حين ترفض أنقرة بشكل قاطع هذا المطلب، وتؤكد المعطيات أن الحكومة التركية لن تقدم على هذه الخطوة ما لم يتم حل القضية السورية بالمطلق، كما ترفض أنقرة أي شروط مسبقة للمحادثات.
الأسد لم يلتقط الإشارات التركية
ويشير الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام غوناي، إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية في تركيا (جرت في مايو/أيار 2023)، على أنها نقطة مهمة في مسألة تطبيع العلاقات بين نظام الأسد وأنقرة، حين بادرت أنقرة بفتح الباب أمام المحادثات، في حين كان شرط النظام انسحاب القوات التركية.
ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "النظام لم يلتقط الأمر بشكل جيد، ولم يتصرف بما تمليه عليه مصلحته، وحينها ربما توقّع الأسد فوز المعارضة التركية في الانتخابات، أو راهن على ذلك ليبدأ صفحة جديدة مع السياسة التركية، لكن فوز أردوغان و"العدالة والتنمية" جعل حكومة أردوغان تعيد التفكير في حساباتها مع الملف السوري، على الأقل للسنوات الخمس المقبلة من عمر ولايتها الحالية".
غوناي: إصرار تركي على البقاء في شمال سورية، وهذا له الكثير من الأسباب والدوافع
ويؤكد غوناي أن هناك إصراراً تركياً على البقاء في شمال سورية، وهذا له الكثير من الأسباب والدوافع، مضيفاً: "هناك تخوف من سيطرة التنظيمات الكردية من خلال الأماكن التي قد تخرج منها تركيا، وأيضاً هناك مخاوف من عبور المزيد من اللاجئين إلى أراضيها، وحكومة أردوغان غير مستعدة لمناقشة هذا الأمر، أي الانسحاب، حالياً على الأقل".
وينوه المحلل السياسي التركي، إلى أن "دخول طهران على مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة وضع حواجز أمام هذا التطبيع أساساً، وأعتقد أن إصرار النظام على الانسحاب التركي جاء تحت ضغوط إيرانية، لأن طهران لا تريد أي وجود لتركيا في سورية، حتى لو طبّعت مع النظام السوري"، مشيراً كذلك إلى أنه في الوقت الحالي فإن "موسكو لا تملك أوراق ضغط على أنقرة لإجبارها أو الضغط عليها للتطبيع أو الإكمال في مسار التطبيع، لذلك فإن حكومة أردوغان مرتاحة من هذا الجانب".
"النتيجة صفر"
من جهته، يرى المحلل السياسي المقيم في موسكو، طه عبد الواحد، أنه "كان واضحاً منذ بداية الحديث عن التطبيع بين النظام وتركيا أن الجانب التركي روج لهذا الأمر، بل وحتى أنه قام بخطوات محددة، لكن لأغراض انتخابية بصورة رئيسية".
ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "لم يكن موضوع التطبيع وحده الذي ظهر كنشاط في تعامل الرئاسة التركية في تلك المرحلة، إذ سمعنا حينها تصريحات بشأن مصير اللاجئين السوريين في تركيا، وهو من المواضيع الحساسة والمؤثرة جداً على مزاجية الرأي العام التركي"، متابعاً: "لو نظرنا إلى ما تم إنجازه فعلياً كحصيلة الاتصالات بين المسؤولين الأتراك والسوريين، بما في ذلك على مستوى وزراء الخارجية، سنجد أن النتيجة صفر. والملاحظة الثانية أن وتيرة تلك الاتصالات تراجعت، ووصلت إلى العدم فعلياً بعد الانتخابات الرئاسية في تركيا".
عبد الواحد: الجانب التركي روج للتطبيع مع النظام السوري لأغراض انتخابية بصورة رئيسية
ويشير عبد الواحد إلى أنه "إذ عدنا اليوم لتصريحات وزير الخارجية التركي وإشارته إلى أن عودة اللاجئين، وصياغة الدستور الجديد، ومكافحة الإرهاب، كلها قضايا عالقة، سنجد أن هذه التصريحات تشكل عملياً تكراراً للموقف الذي كانت تتمسك به أنقرة قبل الانتخابات الرئاسية من التطبيع مع الأسد، أي أنها عادت تربط التطبيع بتحقيق تقدم واقعي في هذه الملفات".
ويتابع: "من جانب آخر، فإن تصريحات وزير الخارجية الروسي في هذا الشأن تشي بعدم تحقيق أي تقدم، وعدم وجود أمل بأن يطرأ أي تغيير في هذا الشأن في المستقبل القريب، إذ استخدم لافروف عبارة "يجري تداول الكثير من الأفكار في وسائل الإعلام"، في تعليقه على ما كتبته الصحافة بأن التحضير للقاء بين الأسد وأردوغان قد يكون من بين أهداف زيارة بوتين إلى تركيا".
ويلفت إلى أن "الدفع نحو عقد مثل هذا اللقاء كان وسيبقى على جدول أعمال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محادثاته السابقة والقادمة مع الرئيس التركي، إلا أن هذا لا يعني أن اللقاء بات مرتقباً، أو أنه في مرحلة التحضيرات، وروسيا تدرك أنه لا يمكن الحديث عن تقدم في هذا المجال حالياً، وهو ما تدل عليه تصريحات لافروف حين أشار إلى أن الخطوات العملية في مجال التطبيع بين دمشق وأنقرة غير ممكنة الآن، وبرر بذلك بالوضع في غزة وتداعياته الإقليمية".