- الحوثيون يزيدون من التوتر بتحشيد وتجنيد مقاتلين، مما يهدد بإعادة اشتعال الجبهات العسكرية ويعكس عدم استعدادهم للسلام، رغم الهدنة المعلنة.
- الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة تواجه تحديات، بما في ذلك تجميد المشاورات وفشل الأطراف في الاتفاق على إجراءات بناء الثقة، مع تأكيدات على ضرورة حوار يمني - يمني يقوده المجتمع المدني.
تزداد تعقيدات الأزمة اليمنية بعد فشل الأطراف الرئيسية فيها ممثلة بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وحكومة جماعة الحوثيين بإحداث حلحلة في الملفات الإنسانية، التي من شأنها بناء الثقة بين الأطراف تمهيداً للتوصل إلى حل سياسي شامل، ينهي الحرب المندلعة منذ تسع سنوات ويؤسس لمرحلة انتقالية جامعة.
فتح الطرقات بين المحافظات والمغلقة منذ بدء الحرب، من أبرز الملفات التي تمّت عرقلتها بعد الحديث عن مشاورات ووساطات محلية نجحت بفتح طريق فرعي واحد في تعز، بينما فشلت في فتح الطرق الرئيسية الأخرى الرابطة بين المحافظات، ما يعني الاستمرار بمحاصرة المحافظات واستمرار المواطنين باللجوء للطرق الفرعية البديلة، التي تعد أطول مسافة وأكثر وعورة وخطورة وتضاعف من حجم الأعباء الملقاة على عاتق المواطنين.
وتوجه الثلاثاء الماضي موكب عسكري تابع لجماعة الحوثي يضم مئات المسلحين وعشرات الأطقم العسكرية لفتح طريق صنعاء ـ الضالع ـ عدن من جانب واحد، ما تسبب بتبادل إطلاق النار بين الحوثيين والقوات الجنوبية في الطرف الآخر، في ظل اتهامات متبادلة بين الجانبين بالمسؤولية عن إطلاق النار.
فشل فتح الطريق جاء عقب فشل مماثل للطريق بين الحوبان، الممتد من شمال مدينة تعز إلى وسطها، وكذلك فشل فتح طريق مأرب - نهم – صنعاء، التي أعلن عضو المجلس الرئاسي، محافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة فتحها من جانب واحد نهاية الشهر الماضي.
حمود العودي: مصلحة اليمنيين تقتضي تنظيم حوار يمني - يمني
أما الملف الثاني، فهو الخاص بالأسرى والمعتقلين، الذي لم يشهد انفراجة بعد توقف اللقاءات الخاصة بهذا الموضوع بين ممثلي الحكومة الشرعية المعترف بها وممثلي حكومة الحوثيين. وزادت حالة الفشل التي أصابت مسار المشاورات الخاصة بالملفات الإنسانية للأزمة اليمنية من تعقيدات المسار السياسي، بعد تجمّد المشاورات الخاصة بمناقشة خريطة الطريق الأممية، التي كشف عنها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وجاءت تعقيدات المسار السياسي بالتزامن مع قيام جماعة الحوثي بالتعبئة العامة من خلال التحشيد إلى معسكرات التجنيد، وإعداد العدة والجهوزية لمعركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، على حد قولها، ما يفتح الباب لجميع الاحتمالات بما فيها إعادة التصعيد العسكري في الجبهات التي تشهد هدوءاً نسبياً منذ الهدنة المعلنة برعاية الأمم المتحدة في 2 إبريل/ نيسان 2022.
وكان زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي قد أعلن في 22 فبراير/شباط الماضي، أن حصيلة التعبئة بلغت 237 ألف مقاتل، وأن "الزمن يحتاج إلى أن تكون الشعوب قوية".
وقال الحوثي في خطاب متلفز إن "التعبئة العسكرية في مسار نشط، ومخرجات التدريب العسكري بلغت 237123 متدرباً كجيش شعبي حظي بالتدريب، وقبله مئات الآلاف تدربوا بشكل مناسب". وأكد الحوثي أن "العروض العسكرية بلغت 248 عرضا عسكرياً والمناورات بلغت 566 مناورة والمسير وصل إلى 359 مسيراً عسكرياً".
خريطة طريقة الأزمة اليمنية
بدوره، اعتبر غروندبرغ، أن عملية الوساطة باتت أكثر تعقيداً، وأن اليمنيين يشاركونه الشعور بنفاد الصبر في سبيل تحقيق تطلعاتهم. لكن غروندبرغ قال خلال إحاطة أمام جلسة لمجلس الأمن الخميس الماضي، إن الجهود مستمرة لوضع صيغة نهائية لخريطة طريق لحل الأزمة اليمنية.
وأضاف خلال الجلسة التي ناقشت تطورات الأزمة اليمنية: "كنا نأمل أن يأتي شهر رمضان وقد حظينا باتفاق لوقف إطلاق النار في جميع أرجاء اليمن وتدابير لتحسين الظروف المعيشية في البلاد، وكنت آمل أن أحيطكم اليوم بشأن تحضيرات لعملية سياسية جامعة".
وتابع: "كان يجب أن يكون موظفو القطاع العام في جميع أنحاء البلاد قد تقاضوا رواتبهم التقاعدية، وكان من المفترض أن تُستأنف صادرات النفط، مما كان يمكن أن يسمح بتوفير الخدمات بفاعلية أكبر وبتحسين الظروف الاقتصادية، وكان ينبغي أن نتوصل لاتفاق آخر بشأن إطلاق سراح المحتجزين ما يتيح لهم العودة إلى ديارهم مع أحبائهم في رمضان".
وأشار غروندبرغ إلى أنه "على الرغم من أن هذه الآمال والتوقعات لم تتحقق بعد، فإن جهودنا من أجل وضع الصيغة النهائية لخريطة الطريق الأممية وتنفيذها تظل مستمرة من دون انقطاع". وأردف: "أعتقد أن اليمنيين يشاركونني الشعور بنفاد الصبر في سبيل تحقيق هذه التطلعات"، لافتاً إلى أن "مجال الوساطة أصبح أكثر تعقيداً، وهذا الوضع ما زال مستمراً".
وشدّد على أنه "رغم جهودنا في حماية عملية السلام من التأثيرات الإقليمية منذ الحرب في غزة، فإن ما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر على اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر على المنطقة". وحث غروندبرغ "جميع الأطراف المعنية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والعمل نحو خفض التصعيد، لحماية التقدم المحرز فيما يتعلق بعملية السلام في اليمن".
وعن هذا الوضع، اعتبر رئيس هيئة التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية، حمود العودي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حسابات الأطراف الخاطئة، ومصالحها الآنية الضيقة، وعدم امتلاكها لقرارها السيادي الداخلي، على رأس الأسباب لفشل الجهود المتعددة والمتتالية لفتح الطرقات وإطلاق الأسرى والمعتقلين السياسيين، فكل طرف يحتفظ بأوراق ضغط إلى تسوية نهائية شاملة في الأزمة اليمنية والتي قد لا تكون قريبة، وقد لا تفكك كل الملفات دفعةً واحدة أثناء مفاوضات الحل النهائي والسلام الشامل المزمع".
وأكد العودي أن "إغلاق الطرق يضر المواطنين غير المعنيين بحسابات الأطراف وتجار السياسة ومستغلي ظروف الناس الاستغلال الدنيء بشكل مباشر، بل ستعقّد الموقف وتتآكل شعبية السياسيين، لكن ربما لا تعنيهم مواقف واتجاهات الرأي العام الداخلي بقدر ما يعنيهم رأي وموقف الممول والراعي الخارجي للأسف الشديد، حتى صار الملف اليمني مرهوناً بتسويات إقليمية ودولية لا تعني اليمنيين على الإطلاق".
مالك المخلافي: تجنيد الحوثيين يعطينا مؤشرات على أن طريق السلام ليس في حساباتهم
ورأى العودي إلى أن "تأجيل قضية فتح الطرقات ومرتبات الخدمة العامة، ورواتب المتقاعدين، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وتطبيع الحياة العامة وتأجيلها، عمل غير مسؤول تتحمل مسؤوليته الأطراف، وإلا فلتوضح للرأي العام الطرف المعرقل والمتعنت بشكل واضح، من دون تسويق سياسي أو متاجرة بقضايا حساسة كهذه، يدفع المواطن والبلد وحدهم ثمناً غالياً في نسيجهم الاجتماعي، ووحدة وطنهم، وقد لا تعالج تداعيته خلال عقود مقبلة".
مصلحة بحوار يمني ـ يمني
وأشار العودي إلى أن "مصلحة اليمنيين تقتضي تنظيم حوار يمني - يمني يقوده المجتمع المدني باتحاداته ونقاباته والشخصيات الوطنية العامة المجربة والموثوقة وغير المعنية بمصالح الأطراف، وفق الثوابت الوطنية في الثورة والجمهورية والوحدة والدولة المدنية الحديثة ووفق مخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة، كمرجعيات مؤسسة لأي حل مزمع أو مقبل".
من جهته، قال الناشط السياسي مالك المخلافي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "جماعة الحوثيين تراهن على كل الاحتمالات، وبالتالي فتسعى حالياً للتهدئة داخلياً نتيجة انشغالها بجبهة البحر الأحمر وباب المندب، وهي الجبهة التي نجحت الجماعة في توظيفها من خلال تحقيق عدد من الأهداف المتمثلة بالهروب من الالتزامات الداخلية وفي مقدمتها الرواتب والخدمات، وكذلك تلميع صورة الجماعة داخلياً وخارجياً بتقديم نفسها كمدافعة عن فلسطين، بالإضافة إلى استخدام ورقة نصرة الأقصى للتعبئة العامة والتجنيد".
وأضاف المخلافي أن "تجنيد الحوثيين في مناطق سيطرتهم يعطينا مؤشرات على أن طريق السلام ليس في حسابات الجماعة، التي تعد لمعركة عسكرية مع احتمالية عرقلة التوصل لاتفاق سلام، وبالتالي إمكانية اشتعال الجبهات العسكرية من جديد، والذي إن تم فإن جماعة الحوثيين تكون قد تعافت من مرحلة الضعف التي وصلت لها قبل الهدنة المعلنة، واستعادت قدرتها على التجنيد والتحشيد في مناطق سيطرتها مستغلة قضية نصرة الأقصى".