بعدما نجا في يوليو/ تموز الماضي، من رابع تصويت في البرلمان منذ 2019 لحجب الثقة عنه، عادت المحكمة الدستورية في تايلاند، أمس الأربعاء، لتعلّق مهام رئيس الوزراء، قائد الجيش السابق الجنرال برايون تشان أوتشا، وذلك للنظر في قضية تخطيه المدة الدستورية للبقاء في المنصب، والمرفوعة من المعارضة ضدّه.
وتدخل الأزمة الجديدة في تايلاند في سياق من الاضطرابات السياسية التي تسود البلاد منذ فترة، مع ازدياد المطالبة الشعبية بالديمقراطية، وحتى بإصلاحات ملكية، وصولاً إلى جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية التي أثّرت على ولاية تشان أوتشا منذ النصف الثاني من 2021. وفيما تحكم المحكمة الدستورية في العادة لصالح السلطة، إلا أن الصراع المتواصل بين الأخيرة والمعارضة ينذر بإمكانية عودة التصعيد إلى الشارع، إذا ما عادت المحكمة لتبقي رئيس الوزراء في منصبه، وذلك حتى موعد الانتخابات المقررة في مايو/ أيار المقبل.
تعليق مهام رئيس الوزراء التايلاندي
وعلّقت المحكمة الدستورية في تايلاند أمس، مهام رئيس الوزراء برايوت تشان أوتشا، بينما تنظر في قضية وصوله إلى الحدّ الأقصى لولايته البالغة 8 سنوات، والمرفوعة ضدّه من قبل أحزاب المعارضة. وجاء ذلك بعد يوم من تظاهرات في العاصمة بانكوك، نظّمتها المعارضة لهذا الغرض، لكنها لم تتمكن من حشد حضور كبير بحسب وكالات الأنباء العالمية. وإذا ما أيّدت المحكمة الدعوى، فإن تشان أوتشا ستتم إقالته، قبل شهور قليلة من موعد الانتخابات العامة.
تنظر المحكمة في قضية وصول رئيس الوزراء إلى الحدّ الأقصى لولايته البالغة 8 سنوات
ووافقت المحكمة على الاستماع إلى القضية التي رفعتها أحزاب المعارضة بواقع 5 أصوات مقابل أربعة رفضوا تعليق مهام برايوت. وجرى تعليق مهام رئيس الوزراء التايلاندي إلى حين اتخاذ قرار بشأن القضية، بحسب بيان المحكمة. وقال البيان إن "المحكمة نظرت في الالتماس والوثائق المدّعمة، ورأت أن الوقائع التي بني عليها الطلب تشير إلى مبررات معقولة للاشتباه في وجود قضية بناء على الطلب".
ودخل قرار التعليق حيّز التنفيذ أمس، على أن يعيّن نائب رئيس الوزراء براويت وونغسوان رئيس وزراء مؤقتاً، كما هو متوقع. وأكد المتحدث باسم رئيس الوزراء أنوشا بوراباشيزري أن الأخير يحترم قرار المحكمة الدستورية، وأن القرار لن يؤثر على العمل الحكومي.
تفسيرات عدة لولاية رئيس الحكومة
ولم يتضح بعد متى ستقول المحكمة كلمتها النهائية في القضية. وتجادل المعارضة بأن تشان أوتشا، الذي وصل إلى السلطة بانقلاب في 2014 ضد حكومة منتخبة (أطاح رئيسة الوزراء السابقة ينغلوك شيناواترا)، ثمّ أصبح رئيس وزراء "مدني" في 2019 بعد إجراء انتخابات بالبلاد وفق دستور صاغه العسكر، يجب أن يحتسب الوقت الذي قضاه في الحكم كقائد للطغمة العسكرية الحاكمة إثر الانقلاب، من الحدّ الأقصى لولاية أي رئيس وزراء بحسب الدستور. ورفعت المعارضة عريضة إلى المحكمة، للتأكيد أن ولاية تشان أوتشا، بحسب رأيها، انتهت الثلاثاء الماضي.
لكن المؤيدين لبقاء تشان أوتشا في الحكم، يرفضون القبول باحتساب بداية ولايته منذ الانقلاب، ويقولون إن الدستور الحالي، الذي وضع حدّاً أقصى لولاية رئيس الوزراء بـ8 سنوات، دخل حيّز التنفيذ في 6 إبريل/ نيسان 2017، وهو التاريخ الذي يجب أن يبدأ منه احتساب المدة. وفي تفسير آخر لولاية رئيس الوزراء، يرى فريق آخر من الداعمين أن احتساب ولاية تشان أوتشا يجب أن يبدأ من تاريخ 9 يونيو/ حزيران 2019، حين تسلم الحكم بناء على دستور جديد (الدستور الحالي) بعد انتخابات عامة جرت في العام ذاته.
وتظهر استطلاعات الرأي في تايلاند استمرار هبوط شعبية رئيس الوزراء المعلّقة مهامه أمس، منذ اتهامه بالإخفاق في إدارة أزمة كورونا، واقتصاد البلاد خلالها.
طالب الحراك الشبابي بتنحي تشان أوتشا، واصفاً إياه بالطاغية
وفي عام 2020، خرج آلاف الأشخاص في تايلاند في تظاهرات للمطالبة باستقالة قائد الجيش السابق وحكومته، كما دعوا لإجراء تعديلات دستورية، وإصلاحات على نظام الملكية، الثري والقوي، والمدعوم من الجيش، وهو ما كان من المحرمات سابقاً. وتمكنت تظاهرات 2020، والتي هيمن عليها الطلاب، من حشد 30 ألف مشارك، في ذروتها. وكانت شرارة انطلاقها، في ذلك الوقت، قرار المحكمة العليا حلّ حزب المعارضة الذي يحظى بشعبية كبيرة "المستقبل إلى الأمام". ووجِه الحراك بعملية قمع أمنية، وتمّ توقيف ناشطين عدة وفق قانون يمنع إهانة الملكية، ما زاد الغضب الشعبي من رئيس الحكومة.
والأحد الماضي، أصدر جناح أساسي في حركة الاعتراض الشعبية، أطلق على نفسه اسم "راتسادون" (الشعب)، بياناً، أكد فيه مطلبه بتنحي تشان أوتشا. وقال البيان إنه "لثماني سنوات، عاش المجتمع التايلاندي أسوأ وأحلك أيامه. إنها فترة تحت حكم طاغية سرق السلطة من الشعب. طاغية ورث السلطة عبر آلية تفتقد للشرعية الديمقراطية". وشدّد البيان على أن المحكمة الدستورية "يجب أن تستمع لصوت الشعب".
وعرفت تايلاند موجات متعددة من الاحتجاجات والانقلابات العنيفة، وتدخل الجيش الموالي للملكية لتنظيم أكثر من 12 انقلاباً منذ نهاية الحكم الملكي المطلق في عام 1932.
في غضون ذلك، يرى متابعون أن الخلافات الداخلية في الائتلاف الحاكم، إذا ما قرّرت المحكمة الدستورية الإبقاء على تشان أوتشا في المنصب، قد تدفع نحو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، قبل موعدها في مايو المقبل. ولا يزال تشان أوتشا ممسكاً بقيادة التحالف الحاكم منذ 2019، والذي يضم حزب "فالانغ براشارات" القوي، والحزب الديمقراطي، وحزب "بومجاتاي"، وأحزاباً أخرى صغيرة، لكن إدارة الحكم ليست مستقرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تشان أوتشا لا ينتمي إلى أي حزب، ما يعني صعوبة فوزه في أي انتخابات مقبلة.
وإذا ما قرّرت المحكمة أن برايون تشان أوتشا قد تجاوز الحدّ الأقصى لولايته، فإن البرلمان المنتخب سيختار رئيس الوزراء المقبل من بين مرشحين مؤهلين كانوا قد خاضوا سباق انتخابات 2019. ويأتي ذلك علماً أن تحالف حزب "فالانغ براشارات" (يضم أكثر من 17 حزباً) بإمكانه جمع الأصوات اللازمة لذلك في البرلمان، بالإضافة إلى أصوات مجلس الشيوخ الذي اختار أعضاءه العسكر. وبإمكان أي رئيس وزراء الدعوة إلى انتخابات مبكرة، على أن يجري ذلك بغضون 60 يوماً بعد حلّ البرلمان.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)