يبدو أنّ محاولات مصر وشركات السياحة المحلية والروسية لإحياء الرحلات العارضة (غير منتظمة، وتنظّم حسب الطلب) من روسيا إلى منتجعات البحر الأحمر في مصر، بعد خمس سنوات من القطيعة، ما زالت تواجه المزيد من التعقيدات. وهذه المرة تسبب "خطأ إداري" أرجعته مصادر في قطاع الطيران المدني المصري إلى "مشكلة في ترجمة رسائل واردة من موسكو"، في ارتباك بين سلطتي الطيران في البلدين، طاول الشركات أيضاً، وذلك بسبب التصريحات التي أدلى بها أشرف نوير، رئيس سلطة الطيران المدني المصرية، وهو المسؤول الثاني في القطاع بعد وزير الطيران محمد منار عنبة، يوم الخميس الماضي. وتحدث نوير عن موافقة مصر لشركة "نورد ويند" الروسية، على القيام بأربع رحلات جوية أسبوعياً، بواقع رحلتين إلى الغردقة ورحلتين إلى شرم الشيخ، وذلك بعد موافقة السلطات الروسية، على عودة السياحة إلى شرم الشيخ والغردقة، التي توقفت منذ حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2015.
قرار تسيير الرحلات العارضة لم يصدر حتى الآن
وأوقعت روسيا مصر في حرج كبير بعد صدور تلك التصريحات، إذ قالت وكالة النقل الجوي الفيدرالية في موسكو، إنّ "قرار تسيير الرحلات العارضة لم يصدر حتى الآن". كما قال نائب رئيس "رابطة مشغلي الرحلات السياحية في روسيا"، دميتري جورين، إنه لم ترد حتى الآن أي معلومات رسمية من الجانب الروسي أو المصري بشأن افتتاح برنامج طيران من المدن الروسية إلى المنتجعات المصرية في الغردقة وشرم الشيخ.
وتستمر الرحلات الروسية حالياً إلى القاهرة، وفقاً لجدول زمني منتظم من مدينتي موسكو وروستوف، بعدما استأنفت شركة "إيروفلوت" الروسية الحكومية، رحلاتها من موسكو إلى القاهرة والعكس في إبريل/نيسان 2018، بناء على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقّعه البلدان. إلا أنّ الموعد المبدئي لعودة الطيران إلى مدن البحر الأحمر والأقصر يواجه تأجيلاً مستمراً.
وكشفت مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، تفاصيل الخطأ الذي تسبب في هذا الارتباك، موضحةً أنّ الشركة الروسية الخاصة "نورد ويند"، أرسلت مذكرة للقاهرة تطلب فيها تحديد جدول للرحلات العارضة، إلى كل من مطاري شرم الشيخ والغردقة، ابتداء من 28 مارس/آذار المقبل، بغية حجز أولوية للشركة على حساب باقي الشركات الروسية، بناءً على معلومات إيجابية تلقتها الشركة من مصادرها في موسكو. الأمر الذي فُسّر على عجالة من قبل مكتب رئيس سلطة الطيران المدني أشرف نوير، بأن موسكو قد سمحت للشركات بمخاطبة القاهرة بشأن استئناف الرحلات، وهو ما كان يطابق التوقعات المصرية، التي سبق ونشر "العربي الجديد" تفاصيلها في العاشر من الشهر الحالي. إذ كشفت مصادر في وزارة الطيران المدني المصرية، أن فريق التفتيش الروسي الذي زار جميع مطارات مصر مطلع الشهر، قد غادر بانطباعات إيجابية، وأبلغ المسؤولين المصريين عن تقديم توصيات إيجابية بشأن قرب عودة الطيران الروسي المباشر إلى منتجعات البحر الأحمر، بعد دراسة الوضع الأمني والفني بمطاري شرم الشيخ والغردقة تحديداً.
ونظراً لرغبة المصريين في إنعاش مجال السياحة المتضرر بشدة بسبب جائحة كورونا، أعلن رئيس سلطة الطيران المدني، عن استئناف الرحلات بشكل متعجل "تلقى عليه توبيخاً شديد اللهجة، ليس فقط من وزير الطيران، ولكن أيضاً من مسؤولين آخرين أكبر"، بحسب المصادر التي لم تحدد هوية هؤلاء المسؤولين. وبلغت الأزمة مداها بتلقي السلطة رسائل عدة من شركات سياحية محلية وروسية للاستفسار عن مواعيد الرحلات المرتقبة، ثمّ تلقت مصر خطاباً رسمياً من روسيا يتساءل عن سبب وسند الإعلان المتعجل عن استئناف الرحلات.
وأضافت المصادر أنّ هناك احتمالين حالياً للتعامل المشترك مع ما تبقى من وقت قبل حسم مسألة عودة الرحلات، والذي سيكون على الأرجح بالتزامن مع الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى مصر، في إطار جولة بالمنطقة الشهر المقبل، سواء باتخاذ القرار المرضي لمصر أو تأجيله.
تلقت مصر خطاباً رسمياً من روسيا يتساءل عن سبب وسند الإعلان المتعجل عن استئناف الرحلات
الاحتمال الأول هو أن تكتفي روسيا بتقرير التفتيش الأخير الذي أعدته اللجنة المكونة من سبعة عشر أخصائياً أمنياً وملاحياً وتقنياً، والذي سجل خلال الزيارة نقطتين سلبيتين فقط، وتدارس مع المسؤولين المصريين في كيفية علاجهما سريعاً، وتم علاج إحداهما بالفعل خلال فترة إقامة الفريق في مصر، وهو ما يعتبر تقدماً كبيراً قياساً بآخر زيارتين لفريق التفتيش إلى المطارات ذاتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ويناير/كانون الثاني 2020. إذ كان الفريق قد سجل آنذاك أربع ملاحظات سلبية، مما أدى إلى إعلان موسكو إرجاء حسم مصير عودة الرحلات إلى وقت لاحق في عام 2020، لكن جائحة كورونا ووقف حركة الطيران الروسي إلى معظم عواصم العالم، أدت إلى تأجيل الأمر برمته إلى العام الحالي.
أما الاحتمال الثاني، والذي ينطوي على بُعد "يفضله الروس كثيراً"، وربما يعطل استئناف الرحلات فترة إضافية، فهو أن تدعو موسكو المسؤولين المصريين إلى إبرام بروتوكول جديد لاستئناف الرحلات يتضمن العديد من الالتزامات الجديدة على سلطة الطيران المصرية؛ أسوة بالبروتوكول السابق توقيعه والخاص بعودة الرحلات للعاصمة، خصوصاً وأنه سبق وتردد في الأوساط الملاحية في البلدين معلومات منذ عامين تقريباً، عن رغبة موسكو في إبرام "بروتوكول تكميلي" يتضمن بعض النقاط الأمنية الخاصة بمطارات البحر الأحمر تحديداً.
وسبق وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ القرار النهائي لعودة الطيران ليس فنياً ولا أمنياً فقط، بل هو سياسي أيضاً، فالقضية الأساسية التي تلقي بظلالها على هذا الملف هي الخاصة بالتحقيقات القضائية في حادث سقوط الطائرة الروسية، والمتعثر منذ خمس سنوات.