رغم ترحيب مجلس الأمن الدولي بتوقيع الاتفاق العسكري بين الأطراف الليبية، في جنيف الجمعة الماضي، لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار يواجه تحدي المجموعات المسلّحة المنتشرة بشكل واسع في ليبيا، وبعضها في حالة تماس مباشرة في مناطق وسط البلاد، ما حدا وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، إلى وصفه بـ"الهش".
وكشفت مصادر ليبية مسؤولة النقاب عن صراعات مكتومة بين قادة ليبيين جراء استناد جهود ليبية لتفكيك المجموعات المسلحة إلى بعض بنود الاتفاق الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، الجمعة الماضي، التي تنص على "حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي، سواء التي تضمها الدولة أو التي لم تُضَمّ"، بالإضافة إلى "إعداد موقف عنها من حيث قادتها وعدد أفرادها وتسليحها وأماكن وجودها، وتفكيكها، ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها بشكل فردي في مؤسسات الدولة".
ولفتت المصادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن خطط وزارة الداخلية المدعومة من الجانب الأميركي والهادفة إلى تفكيك ودمج المجموعات المسلحة في طرابلس لقيت معارضة واسعة من جانب قادة تلك المجموعات، مبينةً أن تبعية بعضها لوزارة الداخلية والأخرى لوزارة الدفاع عمّقت الخلاف.
وبينما طالب مجلس الأمن، أمس الثلاثاء، الأطراف الليبية بـ"التزام تعهداتها، والتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الدائم"، كشفت المصادر إياها عن أن "الداخلية أعدّت قوائم لتصنيف المجموعات المسلحة بهدف دمجها في مؤسسات الدولة بحسب طبيعة دورها الذي مارسته بين قتالي ضمن المؤسسة العسكرية أو أمني ضمن المؤسسات الأمنية، لكنّ رفضاً واجه القوائم من جانب قادة مجموعات مسلحة تنتمي إلى طرابلس ومدينة الزاوية تتبع وزارة الدفاع". وأكدت أن "قادة تلك المجموعات رفض أغلبهم العمل ضمن المؤسسات الأمنية والتخلي عن السلاح".
تفكيك المجموعات المسلحة
وتنشط وزارة الداخلية في فرض مهامها بالتنسيق مع مكتب النائب العام في ملاحقة المسؤولين الذين صدرت بحقهم أوامر حبس وتوقيف، آخرها تعميم إدارة الفروع في الوزارة، أمس الثلاثاء، لرؤساء فروع ومكاتب جهاز المباحث الجنائية، بتكثيف الجهود بالبحث والتحري والقبض على وزير الحكم المحلي السابق، بداد قنصوة مسعود عبد الجليل، وإحالته على النائب العام.
وفي إطار جهود تفكيك ومواجهة المجموعات المسلحة المتصلة بالتهريب وتجارة البشر، ولا سيما بعد إعلان القبض على عبد الرحمن ميلاد، المطلوب للعدالة الدولية منتصف الشهر الجاري، نظمت الداخلية ورشة عمل بالتنسيق مع مكتب المخدرات والجرائم بالأمم المتحدة، أمس الثلاثاء. وبحسب بيان للأمم المتحدة، فقد شاركت أيضاً مؤسسة الطب الشرعي، لدعم جهود الوزارة في ملاحقة الشبكات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.
اتفاق أمني
ومقابل اعتراض مجموعات مسلّحة لخطط الوزارة بهدف تفكيكها ودمجها، لاقى الاتفاق الأمني الموقع بين حكومة الوفاق ودولة قطر معارضة واسعة من جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر. فقد اعتبر المتحدث باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، سعي حكومة الوفاق إلى توقيع اتفاق مع قطر "خرقاً للاتفاق الموقع بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة".
لكن وزارة الخارجية في حكومة الوفاق دافعت عن الاتفاق، وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، محمد القبلاوي، أن الاتفاق لا يتعارض مع الاتفاق العسكري.
القبلاوي أكد في تصريحات صحافية أنّ "الاتفاق لا يتعارض مع الاتفاق العسكري، لأنّ من المفترض أن يكون هدف الجميع محاربة الإرهاب والجرائم المنظمة والمساهمة في الاستقرار الأمني، وخاصة الإقليمي".
اتفاق هش
واستثنت بنود اتفاق وفدي اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "الحرب على الإرهاب" من وقف إطلاق النار في البلاد.
وتبدو تلك العراقيل التي تواجه جهود وزارة الداخلية هي التي حدت فتحي باشاغا إلى وصف الاتفاق العسكري الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة بـ"الهش"، مشيراً إلى أنه "لن يصمد إلا بانتهاء التدخل الأجنبي في النزاع".
واتهم دولاً أجنبية بدعم حفتر و"الاستمرار في إمداده بالسلاح".
وبحسب المصادر الليبية إياها، أكد حفتر خلال لقائه بممثليه في اللجنة العسكرية المشتركة، الذي أعلنته قيادة حفتر مساء أمس الثلاثاء، ضرورة الاستفادة من وصف الأمم المتحدة لمليشياته بـ"الجيش الوطني" كسبيل لحمايتها من التفكيك والدمج والحفاظ على وحدتها، مضيفة أن "حفتر حثّ ممثليه على ضرورة عمل اللجنة العسكرية المشتركة ولجانها في الجانب الأمني فقط دون الاقتراب من معسكراته بصفته جيشاً منظماً".
استعصاء حلحلة ملف السلاح
ورجحت المصادر أن خطط حفتر الجديدة ستركز على إطلاق يد أجهزته الأمنية للقبض على عدد من الشخصيات وأمراء الكتائب المتورطين في مخالفات وانتهاكات في صفوف قواته وربما اتهام المدعي العسكري بعض أمراء المليشيات بمسؤوليتهم عن الانتهاكات الواسعة التي نفذت في مدن ليبية، من بينها ترهونة على يد مليشيات الكاني، وهي خطوات لا تشير إلا إلى صعوبة حلحلة ملف السلاح والمسلحين في البلاد، بحسب الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري.
ويوضح زكري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن استعصاء حلحلة ملف السلاح يكمن في سعة انتشار المجموعات المسلحة واختلاف تبعيتها، وبعضها يمتلك عقائد وأفكاراً تعارض تماماً عقيدة الجيش في أصلها، مشيراً إلى الاتفاق العسكري الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية تجاوز هذا الملف ومرّ عليه عرضاً بترك مهمة تفكيك المجموعات المسلحة للجان فرعية.
وتنتشر عشرات المجموعات المسلحة في غرب البلاد، وتتركز في طرابلس ومصراتة والزاوية، وهي تابعة لحكومة الوفاق من خلال وزارتي الداخلية والدفاع، شارك غالبيتها في عملية بركان الغضب التي تمكنت من إفشال عدوان حفتر العسكري على طرابلس ومدن أخرى غربيّ ليبيا نهاية مايو/ أيار الماضي، لكن زكري يؤكد أن أكبر المخاوف التي تلت انتهاء الحرب تمثلت بانكشاف هوية هذه المجموعات المسلحة وأفكارها وأهدافها، في ظل فشل الدولة في تأسيس مؤسسة عسكرية وأمنية تحتكر السلاح.
وتابع: "لا يمكن إنكار أن البيدجا مثلاً يترأس مجموعة مسلحة ضمن حرس السواحل يتبع الداخلية، رغم أنه مطلوب دولياً، إلا أن خطط الداخلية احتاجت دعماً دولياً لتنفذ أمر القبض بحقه، وهو دعم لن يتوافر دائماً للقبض على قادة يصرون على بقاء مجموعاتهم في المشهد دون تفكيك وباستقلالية عن الهياكل الرسمية".
ويلفت إلى أن الحديث عن معسكر حفتر ومجموعات غرب ليبيا المسلحة تحديداً جعل المتابع يجهل حقيقة انتشار العشرات من المسلحين في الجنوب والمناطق الأخرى التي لا تخضع لسيطرة فعلية للطرفين، ما يعتبره عائقاً حقيقاً أمام التنفيذ الحقيقي لوقف إطلاق النار ونهاية الاقتتال في البلاد.
الاتفاق رهين حفتر
وهي العراقيل ذاتها التي تواجه تنفيذ الاتفاق في شرق البلاد، وتحديداً في معسكر حفتر، بحسب الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، مؤكداً أن التحايل من الجانبين لن يتوقف قريباً، ما يشعر بطول أمد أزمة السلاح الذي يهدد نتائج مسارات الحل الأممية في ليبيا بالنسف في أي لحظة.
ويرى كشادة في تصريحات باشاغا تخفيفاً من لهجة الرفض التي انتجتها حكومة الوفاق وقادتها في السابق حيال حفتر، معتبراً أنه مؤشر ايجابي، لكنه في الوقت ذاته لا يتفق بأن تنفيذ الاتفاق رهين تخلي حلفاء حفتر عنه.
من جهة ثانية، يلفت الباحث السياسي الليبي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "حكومة الوفاق هي الأخرى تعيش انشقاقات، فبينما تدعم وزارة الداخلية الاتفاق العسكري، تصفه وزارة الدفاع بالمبدئ، وتصرّ على مواصلة عملها مع تركيا وفق الاتفاقات الموقعة معها، فالتأثيرات الخارجية تطاول حكومة باشاغا أيضاً".
ومقابل الإجماع الدولي على رفض الحل العسكري في ليبيا وترجيح الحل السياسي، يرى كشادة أن أول إخفاقات الأمم المتحدة في جهودها الأخيرة، أنها قصرت محادثات الأطراف المسلحة على الجانب العسكري، ولكونها الفاعل الأول، كان من الواجب إشراكها في محادثات المسار السياسي.
وتابع: "تعويل الأمم المتحدة على فرض مجلس الأمن للسلطة الجديدة لا يعكس استفادتها من أخطائها السابقة. فحكومة الوفاق الحالية ومجلسها الرئاسي فُرضا بقرار دولي، والنتيجة كما نرى عندما أُقصيَ قادة المجموعات المسلحة من الحوار السياسي"، متسائلاً: "إذا كانت الأطراف المسلحة قد اعترضت على الاتفاق العسكري، فمن يمثل وفدي اللجنة العسكرية اللذين لم يتمكنا حتى الآن من تنفيذ أي بند؟".
ويؤكد أن ملف المجموعات المسلحة في ليبيا بـ"مختلف مناطقها وتبعيتها سيبقى العائق الأساسي للتوصل إلى أي تسوية مهما كان شكل دعمها، سواء كان أممياً أو دولياً".