تعمل الدبلوماسية الأردنية في الأسابيع الأخيرة على إعادة الدفء إلى العلاقات مع العراق ومع الفصائل والأحزاب العراقية كافة، بما فيها تلك الحليفة لإيران، في سياق جهود تبذلها السلطتان التشريعية والتنفيذية، لمرامٍ اقتصادية وأهداف سياسية وخلق مساحة أكبر لتأدية دور أكثر أهمية على المستوى الإقليمي، بعد التهميش الذي مارسته الإدارة الأميركية السابقة بقيادة الرئيس دونالد ترامب تجاه الأردن. وحول هذه التطورات، أكد نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الاجتماع الوزاري لمتابعة مُخرجات مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، في 21 سبتمبر/أيلول الحالي، مواصلة دعم الأردن للعراق وأمنه واستقراره. وشدّد على وقوف الأردن إلى جانب العراق في عملية إعادة البناء وتثبيت الاستقرار، وترسيخ أواصر التعاون خدمةً للمصالح المشتركة. وقبل ذلك بحث وزيرا الداخلية في البلدين، الأردني مازن الفراية والعراقي عثمان الغانمي، تعزيز التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف وأمن الحدود وعمليات التهريب والاتجار بالبشر.
يعمل الأردن على تحسين العلاقات مع الفصائل العراقية
بدوره، شارك العاهل الأردني عبدالله الثاني في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في 29 أغسطس/آب الماضي، كما احتضنت العاصمة العراقية في 27 يونيو/ حزيران الماضي أعمال القمة الثلاثية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وهي الرابعة من نوعها منذ مارس/آذار 2019. لكن العلامة الفارقة كانت زيارة رئيس مجلس النواب الأردني عبد المنعم العودات إلى العراق، مطلع شهر سبتمبر/أيلول الحالي التي اتخذت طابعاً رسمياً، مدفوعة برغبة من أركان الدولة للقاء سياسيين متحالفين مع إيران، مثل رئيس تحالف "الفتح" في البرلمان العراقي هادي العامري، والأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، فيما كان اللقاء الثالث من نصيب رئيس الهيئة السياسية في "التيار الصدري" نصار الربيعي.
ومن الواضح أن الأردن بات يدرك جيداً المعادلة السياسية العراقية على الأرض، خصوصاً بعد الإعلان عن مشروع الربط الكهربائي الأردني العراقي الذي من المقرر إطلاقه في عام 2022. وهو أمر يحتاج إلى مثل هذه التفاهمات السياسية مع حلفاء إيران في العراق باعتبارها طرفاً رئيسياً للمعادلة لا يمكن تجاوزها، من دون إغفال النفوذ الإيراني في سورية.
وحول واقع العلاقات الأردنية العراقية، قال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك انفتاحاً تاماً خلال الفترة الأخيرة على العراق، لكن حتى الآن النتائج لا تتناسب مع حجم العلاقات المفتوحة بين البلدين"، رابطاً ذلك بالقوى ذات العلاقة مع إيران، والتي قال إنها مسيطرة بشكل كبير ومؤثر في الخريطة السياسية العراقية، ولها وضعها، ولها تأثير على الانفتاح مع الأردن، خصوصاً في الخطوات الاقتصادية.
ورأى الطعاني أن الأردن بين فكّي كمّاشة اقتصادياً في علاقته مع القوى الموالية لإيران في العراق، والقوى الموجودة في سورية على جبهة درعا، التي دفعت عملياتها إلى إغلاق الحدود، ثم يطالب الأردن بابتعاد المليشيات 40 كيلومتراً عن الحدود. ولفت إلى أن هناك تشدداً في سورية وانفتاحاً في العراق، أو العكس أحياناً، والأردن يتأثر كثيراً بهذه القوى. ولذلك رأى الأردن أنه لا بد من فتح باب المواربة السياسية مع إيران، ذات النفوذ المؤثر في العراق. وأضاف أن الولايات المتحدة تحاول دعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وترى أن الأردن من الممكن أن يكون بوابة العبور لكل المنطقة، ولذلك تدعم علاقات متميزة مع العراق، لكن ما زال الكاظمي يواجه قوى عدة، تؤثر على العلاقات مع الأردن، وهي المتمثلة بسيطرة إيران على القرار العراقي.
من جهته، أشار رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال، حسن الدعجة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن العلاقات مع العراق، ازدهرت مع تولي الرئيس الديمقراطي جو بايدن الحكم في واشنطن. بالتالي انفرجت العلاقات الإقليمية، خصوصاً العربية -العربية، وأصبح هناك تقبّل لأدوار جديدة في المنطقة، ومنها ضلوع أكبر للأردن ومصر والعراق في السياسة الإقليمية على حساب بعض الدول الخليجية.
ورأى الدعجة أن التوازنات السياسية اختلفت مع وصول الحزب الديمقراطي إلى الحكم في واشنطن، مانحاً حرية أكبر للأردن للتحرك في الإقليم، خصوصاً النشاط الدبلوماسي، ليس مع العراق فقط وحتى مع النظام السوري ومحاولة استثناء الأردن من "قانون قيصر". وأشار إلى زيارة وزير الدفاع في النظام السوري علي أيوب إلى الأردن أخيراً، وقبلها اجتماع وزراء الطاقة الرباعي، الأردنية هالة زواتي والسوري بسام طعمة والمصري طارق الملا واللبناني السابق ريمون غجر في عمّان. وقال إن الولايات المتحدة تشجع على التحركات السياسية في المنطقة من أجل التفرغ للمواجهة مع الصين وروسيا، ولذلك تريد إطفاء الحرائق في الإقليم والمنطقة، وتسعى لهدوء في المنطقة ومحاولة حل الأزمات دبلوماسياً.
ترى واشنطن أن عمّان يُمكن أن تكون بوابة عبور لكل المنطقة
وحول العلاقة مع العراق، لفت الدعجة إلى أن الأردن يشكل جزءاً مهماً من مشروع الشام الجديد مع العراق ومصر، والمرجح أن يضم في المستقبل سورية ولبنان والسلطة الفلسطينية، ومن الممكن أيضاً دخول دول إقليمية إلى هذا التحالف، الذي يبنى على قواعد اقتصادية، منها مشروع الربط الكهربائي والغاز المصري.
وحول لقاء رئيس مجلس النواب الأردني مع شخصيات سياسية مقربة من طهران، رأى الدعجة أن الأردن يسعى لتحقيق مصالحه بالدرجة الأولى، ويلتقي مع جميع الشخصيات التي من الممكن أن تلبي وتحقق أهدافه، من مختلف الأطياف السياسية العراقية. واعتبر أن مجلس النواب يمثل الدبلوماسية الشعبية أو البرلمانية للتفاهم مع هذه القوى، وإن كان لها امتدادات. وتابع: في السياسة لا محظورات، والاتصالات تكون مع مختلف القوى السياسية، كاشفاً أن العلاقات مع إيران تشهد تطوراً كبيراً حتى على مستوى دول الخليج الرافضة لذلك سابقاً، مثل السعودية التي أجرت أخيراً جولات لإعادة علاقاتها مع إيران، فيما التبادل التجاري بين الإمارات وإيران يقترب من 15 مليار دولار. وبالتالي اختلفت التوجهات، والأصل أن تصبح علاقة الأردن مع إيران أكثر قرباً، وبإمكان الأردن مد الجسور الاقتصادية ومنها السياحية مع إيران خصوصاً المرتبطة بالسياحة الدينية.
ولفت إلى ضرورة عدم النظر إلى محاولة تعزيز العلاقات مع العراق، بمعزل عن الدبلوماسية الأردنية تجاه العلاقات مع النظام السوري، والتي تأتي بتنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا، لمزيد من التعاون الاقتصادي. وشدّد على أن الأردن يدرك أن النظام السوري مستمر، ولا بد من التعامل معه. وحول وجود رموز من نظام الرئيس الراحل صدام حسين في الأردن، أشار إلى أن العلاقات والمصالح بين البلدين ستتطور بمعزل عن ذلك، فالمصالح التي ترتبط بين البلدين لن تتوقف عند هذا المفصل، والأردن لن يتخلى عن تلك الشخصيات التي ستضيفها، وما ينطبق عليهم ينطبق على اللاجئ السياسي.