استمع إلى الملخص
- **نسبة المشاركة والتحديات**: بلغت نسبة المشاركة 32.25%، متأثرة بضعف الثقة بالعملية الانتخابية، الأداء المتواضع لمجلس النواب السابق، والظروف الاقتصادية الصعبة.
- **تحليل النتائج والتوقعات المستقبلية**: تشير النتائج إلى تغيير إيجابي في إدارة الانتخابات، مع بقاء المعارضة الإسلامية قوية، نظراً لعدم تجاوز الأحزاب اليسارية والقومية العتبة الانتخابية.
فاجأ حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، الذراع السياسية لـ"الإخوان المسلمون"، الشارع والمراقبين بما أحرزه في الانتخابات البرلمانية الأردنية التي جرت أول من أمس الثلاثاء، بحصوله على 31 مقعداً، أي نحو 22% من مقاعد مجلس النواب الأردني، البالغ عددها 138 مقعداً. فقد نال الحزب، وفق النتائج الأولية، 17 مقعداً من بين 41 مقعداً مخصصاً للأحزاب، و14 مقعداً من أصل 97 مقعداً مخصصاً للقوائم المحلية. وحصلت الحركة الإسلامية على عشرة مقاعد ضمن قوائم التحالف الوطني للإصلاح عام 2020، خمسة من أعضاء "جبهة العمل الإسلامي"، وخمسة متحالفين، لتنسحب إحدى المتحالفات ويبقى عدد مقاعد التحالف تسعة من أصل 130 مقعداً وفق القانون السابق. فيما حصل "التحالف الوطني للإصلاح" الإسلامي في الأردن، على 16 مقعداً من أصل 130 في مجلس النواب عام 2016. أما "الرقم القياسي" الذي كسره حزب جبهة العمل الإسلامي في انتخابات 2024، فيعود إلى دورة 1989، حين فاز فيها بـ20 مقعداً من أصل 80.
وخصّص القانون الجديد الذي جرت بموجبه الانتخابات البرلمانية الأردنية 41 مقعداً للتنافس الحزبي للمرة الأولى، من بين 138 مقعداً، بعدما أعاد رسم الدوائر في الانتخابات إلى دائرتين: محلية لها 97 مقعداً، موزعة على 18 دائرة انتخابية، و41 مقعداً للقائمة العامة مخصصة للأحزاب والتحالفات الحزبية على مستوى المملكة. وأعطى القانون خلال الانتخابات البرلمانية الأردنية الحالي، كل ناخب صوتين، وذلك وفقاً لنظام انتخابي مختلط اعتمد النظام النسبي المغلق للقوائم الحزبية لأول مرة، والنظام النسبي المفتوح للقوائم المحلية.
وقد استفاد حزب جبهة العمل الإسلامي من هذا القانون، ليكون أكثر قدرة على التأثير في صناعة القرار داخل مجلس النواب، وتشكيل معارضة وازنة. من جهة أخرى أخفقت الجهات المعنية برفع المشاركة الضعيفة للأردنيين في هذا الاستحقاق الانتخابي، إذ بلغت نسبة الاقتراع في الانتخابات النيابية الأردنية 32.25%. ووفق النتائج الأولية للقائمة الحزبية فقد فاز "جبهة العمل الإسلامي" بـ17 مقعداً، وحزب الميثاق بأربعة مقاعد، فيما حصل كل من "الوطني الإسلامي" وحزب إرادة و"الاتحاد الوطني" وحزب تقدم على ثلاثة مقاعد لكل من هذه الأحزاب. وتوزعت بقية المقاعد على حزب العمال و"نما والعمل" وحزب عز و"الأرض المباركة"، إذ حصل كل منها على مقعدين اثنين، فيما غلب على الدوائر المحلية النواب المستقلون.
عريب الرنتاوي: حصل الإسلاميون على أصوات علمانيين ويساريين وقوميين غاضبين من حالة الهشاشة في التيارات الأخرى
مفاجأة الانتخابات البرلمانية الأردنية
ورأى مدير مركز القدس للدراسات السياسية، المحلل السياسي عريب الرنتاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية "شكلت مفاجأة مذهلة، خصوصاً في حجم الانهيارات" التي أصابت الأحزاب الناشئة "الوسطية". وأوضح أن "كل التقديرات، والمبالغة في حجم هذه الأحزاب ونفوذها وتأثيراتها والتوقعات بشأنها، سقطت سقوطاً ذريعاً".
وأضاف أن "نتائج الإسلاميين أذهلت أكثر المتفائلين من أنصارهم، فكانت التقديرات الحصول على 20 أو 22 مقعداً، بين دائرة محلية وعامة، لكن واضح أن عدد الأصوات وصل إلى حوالي نصف مليون، بينما كانت التوقعات حوالى ربع مليون صوت". وباعتقاد الرنتاوي فهذه الأصوات "ليست فقط أصوات الإسلاميين، بل أيضاً أصوات علمانيين ويساريين وقوميين غاضبين من حالة التآكل والهشاشة التي أصابت التيارات الأخرى، فمنحوا أصواتهم للإسلاميين، فيما كان للعدوان على غزة دور في هذا المجال". وأشار إلى أنه "لولا التعديل اللاحق على قانون الانتخاب اشتراط نجاح أكثر من ثلاثة قوائم في الدوائر المحلية التي تضم أكثر من ثلاثة مقاعد، لحصد الإسلاميون المزيد من المقاعد البرلمانية". وأضاف أن "الجميع توقع أن ينتعش الإسلام السياسي بعد العدوان على غزة، لكن لم نكن نتخيل أن يكون بهذا الاكتساح" في الانتخابات البرلمانية الأردنية.
وحول دور جبهة العمل الإسلامي الأردني في البرلمان المقبل، قال الرنتاوي إن "أغلبية واضحة ستبقى مؤيدة للسياسات الحكومية داخل البرلمان، لكن بالمقابل سيكون هناك كتلة معارضة وازنة داخل المجلس عمادها الإسلاميون". ولفت إلى أنه "قد يتحالف معهم مستقلون، واتجاهات أخرى، لكن للأسف الأحزاب المحسوبة على الصف اليساري والقومي والديمقراطي والاجتماعي لم تستطع تجاوز العتبة (الانتخابية)، ما يعني أن المعارضة فقط إسلامية، علماً أنه لو كان هناك مجال لتوسيع المعارضة لكان ذلك أفضل للأداء البرلماني".
خالد شنيكات: ضعف الأحزاب الأخرى ساهم في زيادة حصة "جبهة العمل" من المقاعد
نسبة مشاركة متواضعة
واعتبر أن حجم المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأردنية "لا يشكل اختراقاً مهماً، فهو تحسن طفيف، وفي حال المقارنة مع آخر انتخابات في العام 2020 في ظل جائحة كورونا، فهناك زيادة 2 إلى 3%، وهذا ليس مكسباً حقيقياً". وأشار إلى أنه "بالمقارنة مع انتخابات 1989، فإن المشاركة حوالي النصف، ما يعني أن مشوار استعادة الثقة طويل"، موضحاً أن "سبب العزوف هو ضعف الثقة بالعملية الانتخابية والعملية السياسية والبرلمان، وبالتالي ما حدث هو تحسن طفيف بسبب مشاركة الأحزاب، لكنه لا يذكر".
بدوره، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن حزب "جبهة العمل الإسلامي حقق بالمقاعد التي حصل عليها، وهي تزيد عن 30 مقعداً، إنجازاً فاق ما حصل عليه الحزب في انتخابات عام 1989، كنسبة من أعضاء عدد مجلس النواب". وربط هذه النتائج في الانتخابات البرلمانية الأردنية "بالتنظيم القوي للحزب، والخطاب الذي توجه به إلى الناخبين خصوصاً بشأن العدوان على غزة، إضافة إلى الأداء المتماسك لأعضاء الحزب في المجلس السابق مقارنة مع النواب الآخرين". وأشار شنيكات إلى أن "ضعف الأحزاب الأخرى ساهم في زيادة حصة الحزب من المقاعد وذلك بالاعتماد على الخبرة والقدرات في الإدارة، خصوصاً أنه خاض تجارب انتخابية سابقة، ولديه خبرة متراكمة مقابل أحزاب جديدة وبلا خبرة". ولفت إلى أن "الظروف الاقتصادية لعبت دوراً في ظل انتقادات الحزب للسياسة الاقتصادية للحكومة، وتوظيفها، ما مكنه من استقطاب مواطنين يعانون اقتصادياً".
وأضاف أن "نسبة المشاركة في الانتخابات هي 32%، وهي نسبة متواضعة، ما يجعلنا نقول إن من صوتوا بالمجمل مع جبهة العمل الإسلامي هم من الفئات التقليدية الداعمة له، ولديهم التزام حزبي سواء كانوا داخل التنظيم أو خارجه". وقال إن "نسبة المشاركة متواضعة، ووسط مشاركة الأحزاب التي أنفقت أموالاً كثيرة على الدعاية الانتخابية، لم تتغير النسبة كثيراً عن اقتراع عام 2020، في ظل جائحة كورونا والتي كانت حوالي 30%، وبالتالي الأحزاب لم تحدث تغييراً". ورأى شنيكات أن "خطاب الأحزاب لم يستطع اجتذاب الناس رغم وجود 25 قائمة حزبية مشاركة في الانتخابات، خصوصاً الفئات التي لديها نظرة سلبية تجاه المشاركة السياسية". وعزا عزوف المواطنين عن المشاركة خلال الانتخابات البرلمانية الأردنية "إلى عدة أسباب أبرزها أداء مجلس النواب السابق، وعدم الاقتناع بإمكانية التغيير وطغيان النظرة السلبية للنواب، وهذا كان للقدرة الضعيفة للنواب في تغيير التوجهات والقرارات الحكومية، وترويج الإعلام للنظرة السلبية للمجلس".
وأضاف أن "العدوان على غزة يشغل الناس، وله تأثير على توجه ومزاج الناس العام بالمشاركة" في الانتخابات البرلمانية الأردنية. وبحسب شنيكات فإن "القوائم المحلية هي ما رفعت نسبة المشاركة في الانتخابات"، موضحاً أن "هناك مسارين في الانتخابات وهما مسار القوائم المحلية، والذي رفع نسبة التصويت بفعل العامل العشائري والقبلي والمناطقي، فيما المسار الحزبي لم يكن ذا تأثير كبير". ورأى أن "الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الكثير من المواطنين تشكل عامل إحباط أيضاً حد من المشاركة في العملية الانتخابية". وحول المخالفات خلال الانتخابات البرلمانية الأردنية قال: "إنها مخالفات فردية لا تغير جوهر الانتخابات، فهي مخالفات غير منظمة، ولا توجد عمليات تزوير، بحسب الجهات المراقبة للانتخابات".
ماجد توبة: هذه النتائج تؤشر إلى وجود تغيير إيجابي في إدارة الانتخابات من الجهات الرسمية
من جهته، رأى الكاتب الصحافي الأردني ماجد توبة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية "كانت مفاجئة لبعض التحليلات"، مشيراً إلى أن "حصول حزب جبهة العمل الإسلامي على كل هذه المقاعد في القائمتين العامة والمحلية، لم يكن متوقعاً في ظل تشكل أحزاب مقربة من الحكومة خلال العامين الماضيين". وأضاف أن "هذه النتائج تؤشر إلى وجود تغيير في إدارة الانتخابات من الجهات الرسمية، وهو تغيير إيجابي من الممكن البناء عليه مستقبلاً، ما يفسر النتيجة التي حصل عليها الحزب".
ولفت توبة إلى أن "الظروف الإقليمية كالعدوان على غزة وموقف الحزب تجاه العدوان أعطته الأفضلية، إضافة إلى أنه الحزب الأعرق والأقوى والقريب من توجهات الكثير من الناس". وبيّن أن "نسبة المقترعين لم تختلف كثيراً عن الانتخابات السابقة"، مشيراً إلى "نسبة المشاركة في المحافظات الكبرى والرئيسة مثل عمّان والزرقاء وإربد، التي عادة ما تكون هي الأقل، وإلى أسباب دائمة وأخرى ترتبط بالانتخابات الحالية".
واعتبر أن "المحافظات الأخرى يلعب فيها البعد العشائري دوراً كبيراً في زيادة المقترعين، إما بسبب العصبية العشائرية والمناطقية، وإما بسبب الإحراج أحياناُ بسبب ارتباط الدم، ما يدفعهم باتجاه التصويت". ومن الأسباب الأخرى وفق توبة، "فقدان الثقة من قبل المواطنين بمؤسسة البرلمان، فالانطباع العام لدى الكثير من المواطنين أن المجلس سيخرج كما تريده الحكومة، سواء انتخب المواطن أو لم ينتخب، وسيمرر المجلس للحكومة ما تريد من قرارات". ولفت إلى أن "هناك إحباطا هذه الأيام بسبب العدوان على غزة وشعورا باللاجدوى بسبب المأساة وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني، كما أن الظروف المعيشية الصعبة تقتل حافز المشاركة".
وأضاف أن "المخالفات التي جرى رصدها من قبل الهيئة المستقلة وفرق المراقبين، قليلة وغير كبيرة وهي في الحدود الطبيعية المتوقعة، والهيئة تتصدى لمثل هذه المخالفات". ورأى أن "الانتقادات التي وجهت للحكومة من قبل قوى سياسية ومشككين، تتعلق بهندسة القوائم من خلال تجميع شخصيات قوية وصاحبة أموال وذات حضور لتشكيل قوائم وأحزاب معينة، وهو تدخل سياسي أكثر مما هو تدخل قانوني مباشر". واعتبر أن "الاختلالات والملاحظات لما قبل إعلان النتائج لم تمس نزاهة الانتخابات".