تشير المعطيات الميدانية إلى أن الجانب الروسي يجري عمليات إعادة تموضع قوات واسعة النطاق في سورية، وهو ما تستغله إيران التي حلّت مليشيات تابعة لها في العديد من المواقع التي أخلتها وحدات روسية أخيراً.
ومن الواضح أن موسكو بصدد نقل وحدات قتالية من الجبهات الهادئة في سورية إلى جبهات القتال الساخنة في أوكرانيا. وبحسب موقع "موسكو تايمز" فإن الأيام الماضية شهدت انسحاباً للقوات الروسية من العديد من المواقع في سورية، ومنها مستودعات مهين، جنوب شرقي حمص في وسط سورية، ومن مطاري التيفور وتدمر العسكريين في ريف حمص، ومن مواقع في محافظة دير الزور، شرقي سورية.
كما انسحبت القوات الروسية من مواقع في ريف إدلب، شمال غربي سورية، ومن أخرى في جنوب العاصمة السورية دمشق، إذ من المتوقع أن تنقل روسيا هذه القوات للزج بها في غزوها لأوكرانيا، في ظل معطيات تشير إلى طول أمد الحرب هناك.
تحركات للحرس الثوري الإيراني
وفي السياق، كشفت مصادر سورية لـ"العربي الجديد"، أن مليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني سحبت، أول من أمس الاثنين، قواتها بالكامل من مواقع عسكرية تابعة لها في ريف محافظة الحسكة نحو مدينة القامشلي، تمهيداً لنقلها إلى مطار دير الزور العسكري.
وقال الناشط أبو عمر البوكمالي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن القوات الإيرانية انسحبت، ظهر أمس، من الفوج 123 المعروف باسم "فوج كوكب" باتجاه مطار القامشلي العسكري، الذي تُسيطر عليه القوات الروسية بريف الحسكة الشمالي، تمهيداً لنقلها باتجاه مطار دير الزور.
وأكد أن "150 عنصراً من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني سحبوا كامل عتادهم بعد تفاهمات بين الجانبين الروسي والإيراني". وكان رأس النظام السوري بشار الأسد زار العاصمة الإيرانية طهران بشكل مفاجئ يوم الأحد الماضي، للتنسيق كما يبدو مع القيادة الإيرانية في ضوء الانسحاب الروسي المتوقع من العديد من المواقع خلال الفترة المقبلة.
انتقلت قوات من الحرس الثوري من القامشلي إلى دير الزور
وقد خفت الاهتمام الروسي بسورية منذ أواخر شهر فبراير/شباط الماضي، حين بدأ الجيش الروسي غزواً لأوكرانيا خُطط له ليكون سريعاً وحاسماً، إلا أنه واجه مقاومة كبيرة من الجيش الأوكراني، وهو ما دفع الروس للاستعانة بقواتهم المدربة والمنتشرة في سورية.
وفي السياق، أكد القيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، العقيد مصطفى البكور، أن القوات الروسية سلّمت المليشيات الإيرانية مواقع في ريف حلب، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "لدى الروس في سورية قواعد رصد التشويش وقيادة نيران وغرف عمليات".
وأوضح أن الشرطة العسكرية الشيشانية التابعة للروس "تنتشر في المدن"، مشيراً إلى أنه "تم رصد إقلاع عدة طائرات شحن وإنذار مبكر من قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، قبيل إغلاق المجال الجوي التركي بوجه الطيران الروسي".
واستدرك أنه "لم نلاحظ تغييراً في عدد الطائرات الحربية الروسية في سورية". من جانبه، أشار الباحث في العلاقات الدولية طه عودة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "انسحاب وحدات من القوات الروسية من مواقع لها في سورية، مرتبط بشكل كبير بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية"، مرجحاً "مشاركة الوحدات المنسحبة في العمليات العسكرية في أوكرانيا".
وأضاف: الخطوة الروسية بتقليل عدد القوات في سورية كانت متوقعة بعد الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي في أوكرانيا، كما أنها تأتي في سياق الهدف الذي رسمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية الغزو وهو الانتصار بالحرب.
وأبدى عودة اعتقاده بأن روسيا "لن تنسحب من سورية بشكل كامل بعدما سنحت لها الفرصة بالوجود العسكري في المنطقة، وهذا كان هدفاً روسياً بعيداً".
ورأى أن الانسحاب الراهن "مؤقت استفادت منه المليشيات الإيرانية"، مضيفاً: لكن الوجود الروسي استراتيجي بالدرجة الأولى ويخدم دولاً أخرى، مثل الكيان الصهيوني المنزعج من التمدد الإيراني في سورية.
وكانت روسيا قد تدخلت في 30 سبتمبر/أيلول 2015 عسكرياً لصالح نظام بشار الأسد، فبدلت المعادلة الميدانية لصالح قواته والمليشيات الإيرانية التي تساندها.
وتحت وطأة النيران الروسية انسحبت فصائل المعارضة من ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، ومن ريف حمص الشمالي وحماة الشمالي وريفي حلب الجنوبي والغربي.
طبيعة الانتشار الروسي
وأنشأت وزارة الدفاع الروسية العديد من المواقع والقواعد في سورية، أبرزها قاعدة حميميم التي تضم قيادة القوات الروسية في عموم سورية. وتضمّ حميميم طائرات سوخوي من أنواع 34 و24 و30، ومروحيات هجوم وطائرات تجسّس، إضافة إلى طائرات هجومية أخرى ومنظومة صواريخ "أس ـ 400".
وعلى الرغم من أن الروس اتخذوا من محاربة الإرهاب غطاءً للتدخل في سورية، إلا أن محاربتهم لتنظيم "داعش" اقتصرت على البادية السورية، فساعدوا قوات النظام ومليشيات متحالفة معها في استعادة مدينة تدمر من التنظيم مرتين، الأولى في مارس/ آذار 2016، والثانية في مارس 2017.
ولاحقاً أقام الروس قاعدة في مطار القامشلي ملحقة بقاعدة حميميم، إضافة إلى الانتشار في العديد من المواقع والمقرات في ريف دمشق وفي ريف حلب ودير الزور.
طه عودة: الخطوات الروسية لن تؤدي إلى انسحاب كامل من سورية
وليس هناك أرقام معلنة عن عدد الجنود الروس في سورية، إلا أنه من المرجح أن العدد لا يصل إلى 100 ألف جندي. وسبق أن كشفت تقارير إعلامية غربية أن بوتين أمر بنقل عدد كبير من جنوده في سورية لرفد القوات الغازية في أوكرانيا.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية مقتل عدد من الجنرالات الروس في المعارك الدائرة هناك، شارك بعضهم في العمليات العسكرية في سورية، ما يعني أن وزارة الدفاع الروسية زجت بوحدات كانت في سورية في الجبهات الساخنة في شرق أوكرانيا.
وتولى الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف الشهر الماضي مهمة قيادة القوات الروسية الغازية في أوكرانيا. ويُلقّب بـ"جزار سورية"، لدوره الكبير في عمليات القصف التي أدت إلى مقتل وإصابة آلاف السوريين، وتشريد الملايين، وتدمير مدن وأحياء.
وتعتبر روسيا المتحكم بالقرار العسكري للنظام، وترتبط بتفاهمات مع تركيا حيال الأوضاع في شمال غربي سورية. ومن المرجح أن تتطرق الجولة المقبلة من مسار أستانة، المقررة أواخر الشهر الحالي، بين الثلاثي الضامن في سورية (إيران، تركيا، روسيا) إلى مسألة إعادة التموضع التي يجريها الروس في سورية.