تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية... نظام الأسد يناور

14 يونيو 2024
دورية لقوات أردنية على الحدود مع سورية، 17 فبراير2022 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وسائل إعلام تابعة للنظام السوري تعلن ضبط مواد مخدرة وحشيش على الحدود السورية الأردنية وإلقاء القبض على مهربين، في محاولة لإظهار جهود دمشق في مكافحة تهريب المخدرات وتحسين صورتها دبلوماسيًا.
- تصاعد التوتر بين الأردن وسوريا بسبب قضايا تهريب المخدرات، مع ضغوط أردنية مدعومة من السعودية لاتخاذ دمشق إجراءات فعالة ضد شبكات التهريب التي تهدد الأمن الوطني الأردني ودول الجوار.
- المحللون يرون أن النظام السوري قد يستغل قضايا مكافحة المخدرات للتنصل من مسؤولياته وذر الرماد في العيون، مع استمرار التهريب كمشكلة تتطلب جهودًا مشتركة وفعالة، وسط شكوك حول مدى جدية التعاون السوري.

أعلنت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري، يوم الثلاثاء الماضي، عن تمكن الأجهزة من ضبط مواد مخدرة وحشيش على الحدود السورية الأردنية، متحدثة عن إلقاء القبض على مهربين بينهم شخص أردني الجنسية. وقال التلفزيون السوري الرسمي إن "قوات حرس الحدود والجهات الأمنية المختصة ضبطت كمية من الحبوب المخدرة والحشيش على الحدود السورية الأردنية"، مضيفاً أنها "تمكنت من إلقاء القبض على عدد من المهربين ومنهم من يحمل الجنسية الأردنية". كما نشر التلفزيون السوري عبر صفحته الرسمية في موقع فيسبوك صوراً ومقاطع فيديو مصورة، قال إنها لـ"كميات المخدرات التي ضُبطت خلال مكافحة عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية". وبينما لم يُشر النظام مباشرة إلى كون الشحنة التي ضُبطت آتية من الأردن، إلا أن الإشارة إلى إلقاء القبض على شخص "أردني الجنسية" بين المهربين يوحي بذلك، إضافة إلى مشاركة حرس الحدود في العملية.

وتذهب ترجيحات إلى أن النظام قد يريد من هذا الإعلان الإيحاء بأخذ زمام مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية من أراضيه قبل وصولها إلى الأراضي الأردنية، في محاولة لاسترضاء عمّان وإزالة امتعاضها. 

تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية

وكان الأردن طلب تأجيل الاجتماع الثاني للجنة الاتصال العربية، الذي كان مقرراً بداية شهر مايو/أيار الماضي في العاصمة العراقية بغداد، إلى حين تجاوب النظام السوري مع مطالب عمّان لجهة محاربة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية، وهو ما لقي موافقة سعودية على الفور. وأدّى ذلك إلى انزعاج عند نظام دمشق، الذي يريد تطويع دور اللجنة لصالح الضغط على الأمم المتحدة بتخصيص الجزء الأكبر من أموال "التعافي المبكر" الأممية لمناطق سيطرته، بادعاء إعادة تأهيل البنية التحتية لإعادة اللاجئين، من دون الرغبة في الخوض بالملفات الأخرى، لا سيما مسألة تهريب المخدرات، وإخراج المليشيات الأجنبية، وإقرار الحلّ السياسي بما ينسجم مع القرارات الأممية.

سعود الشرفات: الأردن بات يشعر بأن عمل اللجنة المشتركة حبرٌ على ورق

وكانت لجنة الاتصال الوزارية العربية للتواصل مع النظام السوري قد تأسست بناء على بياني عمّان (مايو/أيار 2023) وجدة (إبريل/نيسان 2023)، وقرار الجامعة العربية العام الماضي (في شهر مايو)، القاضي بإعادة النظام إلى الجامعة العربية، مع اتخاذ خطوات لإقرار الحل في سورية بما ينسجم مع القرار الأممي 2254، وإزالة المخاوف العربية، لا سيما مسألة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية وإلى دول الجوار، وإخراج المليشيات الأجنبية، وإعادة اللاجئين.

وكانت وكالة رويترز قد أشارت، في الخامس من يونيو/حزيران الحالي، إلى أن الأردن أعلن عن ضبط أكبر كمية من المخدرات، منذ سنوات، عند معبر حدودي مع السعودية، مصدرها شبكات تهريب مرتبطة بإيران في سورية. حينها لفت الأمن العام الأردني إلى أنه "أحبط عمليتي تهريب نحو 9.5 ملايين حبة مخدرة و143 كيلوغراماً من مادة الحشيش كانت متجهة لإحدى دول الجوار، وألقت القبض على أفراد عصابتين مرتبطتين بشبكات إقليمية لتهريب المخدرات".

تهريب باتجاه واحد

وبيّن مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب في الأردن العميد المتقاعد الدكتور سعود الشَرفات أنه من المعروف تاريخياً، خلال نصف القرن الماضي، أن التهريب كان يأتي من سورية باتجاه الأردن وليس العكس، وهذا أمر مستمر، مع بروز ظاهرة تهريب المخدرات أو "حرب الكبتاغون" من سورية إلى الأردن، التي زادت خلال العقد الماضي لأسباب متعددة، اقتصادية وسياسية.

وأعرب الشرفات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده، بأن تصرفات النظام السوري الأخيرة هي لذرّ الرماد في العيون، والادعاء بأنه يقوم بدوره بمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية، والمعروف أصلاً أنه ممارسة يقوم بها أفراد على الحدود بين الأردن وسورية.

ورأى الشرفات أن الأردن بات يشعر بأن عمل اللجنة المشتركة حبرٌ على ورق، وبالتالي لا حاجة لمضيعة الوقت. ورغم جدية الأردن في معالجة هذا الملف، إلا أن تجارب السنوات الماضية أثبتت أن الجانب السوري غير ملتزم وغير جاد بهذا الشأن، خصوصاً أنه يعاني من الفوضى السياسية وفشل الدولة وارتهان قرارها السياسي للنظام الإيراني وتوجيهات الحرس الثوري الميدانية.

درويش خليفة: النظام لديه الكثير ليقوم به ضد مصالح الدول العربية وعلى رأسها الأردن والسعودية

من جهته، رأى المحلل السياسي درويش خليفة أن "النظام، من خلال الترويج الإعلامي، يعمل على تقديم نفسه على أنه يحارب تجار المخدرات وحبوب الكبتاغون التي أغرق بها دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية على وجه الخصوص، وذلك بعد إطلاق وسائل الإعلام التابعة لدمشق حملة واسعة تتحدث عن القبض على كمية مواد مخدرة عابرة من الحدود الأردنية باتجاه سورية ومهرب من الجنسية الأردنية، في وقت يناضل الشعب السوري للحصول على لقمة عيشه، وليس للحصول على مواد (الكيف) كما يسميها متعاطو هذه المخدرات".

وأشار خليفة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رواية النظام تمكن قراءتها من زاوية تهربه وعدم تمكنه من ملاحقة تجار ومهربي الكبتاغون، إذ أصبحت هذه المادة أساسية في اقتصاد نظام بشار الأسد منذ نحو تسعة أعوام بعد اشتداد المعارك مع فصائل الثوار السوريين، وما تبعها من عقوبات غربية ودولية على كبار الضباط الضالعين بهذه الجريمة، بمن فيهم شقيق رأس النظام ماهر الأسد والفرقة الرابعة التي يقودها".

ولفت خليفة إلى أنه "بما أن عمّان هي من طلبت تأجيل انعقاد لجنة الاتصال العربية المنبثقة عن قمة جدة 2023، للتواصل مع النظام ووضع محددات للعلاقة معه تقوم على مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية من الحدود السورية الجنوبية باتجاه الأردن ثم دول الخليج، وأمور أخرى تتعلق بالشأن السوري الداخلي، فربما أراد النظام أن يكون ردّه بهذه الطريقة التي اعتادت عليها الدول العربية". وبحسب خليفة: "نستخلص مما سبق أن هذا النظام بتركيبته الحالية التي تقوم على زعزعة أمن واستقرار الإقليم، لديه الكثير ليقوم به ضد مصالح الدول العربية وعلى رأسها الأردن والسعودية".

وتمكنت القوات المُسّلحة الأردنية من ضبط كميات مختلفة من الحبوب المخدرة والحشيش ضمن معبر نصيب - جابر الحدودي، على فترات متقطعة من العام 2024، بالإضافة إلى ضبط كميات أخرى في الأعوام السابقة، وذلك منذ سيطرة قوات النظام على الجنوب السوري في عام 2018.