أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الإثنين، أنّ "منتدى النقب" الذي أطلقت الإدارة الأميركية مبادرته، وعقد أول لقاء له على مستوى وزاري في مارس/ آذار الماضي، هو "عملية جديدة" للتعامل مع النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وكان برايس يردّ على سؤال حول "مجموعات العمل" المنبثقة عن المنتدى، والتي بدأت الإثنين جلساتها في أبوظبي وتنتهي اليوم الثلاثاء، بمشاركة واشنطن، وإسرائيل، ومصر، والإمارات، والبحرين، والمغرب. عبارته أعادت التذكير بسابقتها "عملية السلام"، وسيرتها المعروفة.
وحتى لا تكون المقارنة استباقاً في غير محله، فإنّ التأمل بحيثيات الخارجية التي أفاض بها برايس ترويجاً للمنتدى وغاياته، تبيّن أنّ هذا الأخير لن يكون في آخر المطاف أكثر من ملهاة أخرى لشراء الوقت، ومحاولة لتمييع الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس الواقع العنيد على الأرض. فالإدارة ينحصر تركيزها على تعزيز وتوسيع "اتفاقيات أبراهام" (اتفاقيات التطبيع)، بزعم أن ذلك "يصبّ" في دفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي "نحو السلام".
اجتماعات أبوظبي وضعتها الإدارة في إطار مشروع تنموي يشمل "الأمنين الغذائي والمائي، والطاقة، ومجالات الصحة، والسياحة، والتعايش، إضافة إلى الأمن الإقليمي"، وكأن فيه الخلاص. ولتسويقه، يجري تقديمه على أنه "برهان للاهتمام بشعوب المنطقة واحتياجاتها... وبالحياة اليومية للفرد الفلسطيني"، كما قال برايس، وهي معزوفة طالما أكدتها الإدارة للتمويه والخلط المتعسف بين المعيشة والاحتلال، من دون الإشارة إلى الثاني ولو بالتلميح، في محاولة جديدة لقولبة النزاع.
وإذ يسارع المسؤولون إلى القول إنه "لا المنتدى ولا التطبيع بديلان عن السلام"، إلا أن هذا الأخير بقي في المفهوم الأميركي مجرد فكرة هائمة لا ترتبط بصيغة محددة، وعندما يجري ربطها بحل الدولتين، تنأى الإدارة كما نأى غيرها في السابق، عن الالتزام بهذا الحل. والتعليل دائماً أن هذا "أمر متروك للتفاوض" بين الجانبين، وكأن الإدارة غير مدركة لمسيرة مفاوضات أوسلو وألغامها الإسرائيلية.
واللافت في كل هذه التسويغات للمنتدى واجتماعات لجانه الحالية، أنه لا توجد إشارة واحدة إلى الاحتلال، وكأن المشكلة معيشية تتطلب حلولاً لتحسين الأوضاع.
وما يزيد في التمويه والديماغوجية، أنّ هذا الخطاب لا ينفك عن تأكيد حرص الإدارة على "ضمان المساواة بين الفلسطيني والإسرائيلي في التمتع بالحرية، والأمن، والاستقرار، والكرامة"، من دون شرح لكيفية تحقيق المساواة في هذه المجالات بين المحتل والواقع تحت الاحتلال. والخارجية لم تتردد اليوم في القول إن ذلك هو "هدفنا"، من دون أن تربطه بضرورة ترجمة حل الدولتين على الأرض، إذا كانت فعلاً مؤيدة لهذا الحل كما تزعم.
الجديد اليوم أن الإدارة حسمت وأوضحت موقفها. رأت في المنتدى، معطوفاً على التطبيع، "عملية" مفتوحة كما كانت "عملية السلام" التي لم تكن سوى لعبة تدويخ بقيت مستمرّة لثلاثة عقود، بات الجانب الفلسطيني في نهايتها متهماً بالعرقلة، على قدم المساواة مع إسرائيل.
وزارة الخارجية رأت الإثنين في لجوء السلطة الفلسطينية أخيراً إلى المحكمة الجنائية الدولية، خطوة ساهمت في "مفاقمة" الوضع، مع ما يعني ذلك من تفهم لردّ إسرائيل بحجز قسم من الاستحقاقات المالية التي تجمعها من دافع الضرائب الفلسطيني، والمتوجب تسديدها إلى السلطة الفلسطينية. فالقاعدة الأميركية أن الفلسطيني يتمتع، على الورق، بالمساواة مع الإسرائيلي في "الحرية والكرامة و..."، أمّا على أرض الواقع، فالمطلوب منه الامتناع عن أي ردّ، وإلا جرت مساواته مع العنف الإسرائيلي. "العملية" الجديدة تضمن التساوي بين الاثنين.