يثير توقيع حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أول من أمس الإثنين، مذكرات تفاهم مع تركيا في مجالات عدة، منها الاقتصادي والأمني والعسكري، حفيظة مصر، وهو ما ترجم في إعلان القاهرة سريعاً رفضها لهذه المذكرات بشكل واضح وصريح. وتتجه مصر على ما يبدو لدعوة حلفائها في ليبيا، لزيارة القاهرة، لبحث المسألة، فيما يرى متابعون أنها تصب في خانة لعبة الضغوط بين أنقرة والقاهرة.
رفض مصري لاتفاقيات أنقرة وطرابلس
وقالت القاهرة إن حكومة الوحدة الليبية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، لا تملك صلاحية توقيع أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم دولية، بزعم انتهاء صلاحيتها.
وقالت وزارة الخارجية المصرية، على لسان المتحدث باسمها أحمد أبو زيد، أول من أمس، إن "الحكومة الليبية الانتقالية المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم". وأضاف أبو زيد في تصريحات صحافية، أن حكومة الدبيبة "لا تملك صلاحية التوقيع على اتفاقيات جديدة، خصوصاً إذا كانت تلك الاتفاقيات متعلقة بمستقبل الشعب الليبي وإدارة موارده".
الخطوة التركية جاءت في أعقاب تلقي أنقرة رداً سلبياً على محاولات انضمامها إلى منتدى غاز المتوسط
وشدّد المتحدث باسم الخارجية المصرية، على "وضوح الموقف المصري بشأن مذكرتي التفاهم الموقعتين بين الجانب التركي وحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والمتعلق باستغلال أنقرة للمياه الاقتصادية الليبية للتنقيب عن الغاز". وتابع أن مصر "مهتمة باستقرار الوضع الليبي والوصول إلى توافقات بين الشركاء الليبيين، فضلاً عن خروج ليبيا من الموقف المتأزم الذي تشهده حالياً".
وأجرت القاهرة اتصالات موسعة رفيعة المستوى، لضمان عدم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين حكومة الدبيبة وأنقرة.
وفي هذا السياق، فقد بدا أن هناك اتجاهاً لدعوة رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إلى القاهرة، لعقد لقاءات رسمية مع قيادة الدولة المصرية، بهدف التأكيد على موقف القاهرة الرافض للاعتراف بحكومة الدبيبة والمؤيد لشرعية باشاغا في الخلاف القائم في ليبيا.
وعلّقت حكومة باشاغا في بيان لها على الاتفاقيات بين طرابلس وأنقرة، قائلة إنها "ستبدأ التشاور المباشر مع الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين، للرد بشكل مناسب على هذه التجاوزات التي تهدد مصلحة الأمن والسلم في ليبيا والمنطقة".
الأمر نفسه أكد عليه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالقول إن "أي اتفاقية توقعها حكومة الوحدة الوطنية مرفوضة وغير قانونية وغير ملزمة لدولة ليبيا".
لعبة ضغوط بين مصر وتركيا واليونان
من جهتهم، قال سياسيون مصريون، إن "الاتفاقيات الأخيرة، وعلى رأسها مذكرتا التفاهم في مجال النفط والغاز، تأتي في إطار لعبة الضغوط السياسية بين القاهرة وأنقرة في المقام الأول، وبين أنقرة وأثينا في المقام الثاني".
وأوضح السياسيون المصريون، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة التركية جاءت في أعقاب تلقي أنقرة رداً سلبياً على محاولات انضمامها إلى منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم: مصر، اليونان، قبرص، السلطة الفلسطينية، إسرائيل، والأردن.
ومن وجهة نظر أنقرة، جاء الإعلان عن منتدى غاز المتوسط في مصر عام 2019، بهدف تهميش تركيا وتجاهل مصالحها، وهو ما دفع الأخيرة إلى توقيع اتفاقيتين مع حكومة الوفاق الوطني (الحكومة الليبية السابقة برئاسة فايز السرّاج)، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، إحداهما لترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما يخدم حقوقهما في مواجهة المطالب اليونانية، والثانية للتعاون الأمني والعسكري بينهما.
التوقيع يحمل معاني عدة بحسب مصادر ليبية، أهمها فتح الباب أمام التفاهمات مع القاهرة
وبحسب مصادر ليبية، فإن التوقيع الإثنين الماضي على مذكرات تفاهم في ما يخص اتفاق الغاز والنفط تحديداً، على عكس ما جرى في باقي الاتفاقيات التي وقعها الوفد التركي في طرابلس، يحمل معاني عديدة، أهمها فتح الباب أمام التفاهمات مع القاهرة، خصوصاً في ظل استمرار المشاورات على المستوى الاستخباري بين البلدين.
وقالت المصادر إن "الرؤية التركية بدت واضحة في تصريحات وزير خارجيتها (مولود جاووش أوغلو)، بتأكيد تركيا اعتزامها الدعوة لمؤتمر المتوسط، لبحث تنظيم الاستفادة من الموارد، وهو ما يتضح منه أنه يأتي في إطار الضغط على القاهرة وأثينا". ورأت أنها "مرحلة عض أصابع بين البلدين، في محاولة لانتزاع كل منهما مصالح أكبر".
وسبق الإعلان المصري المنفرد عن رفض الاتفاقية، تأكيد مصري - يوناني خلال اتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين، سامح شكري ونيكوس ديندياس، على "عدم الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة"، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه البلدان إبان توقيع رئيس حكومة الوفاق الوطني السابق فايز السراج للاتفاقية البحرية مع تركيا، وكذلك اتفاقية الدفاع المشترك مع أنقرة.
ورداً على ذلك، قلّل المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، طانجو بيلغيتش، من أهمية التصريحات الصادرة من اليونان بحق مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا، بالنسبة لبلاده. وأوضح بيلغيتش في بيان، أصدره أمس الثلاثاء، أن الاعتراض على هذا الاتفاق المبرم "بين دولتين تتمتعان بالسيادة، يتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة".
أيمن سلامة: تركيا تريد الجلوس على طاولة المفاوضات مع باقي دول شرق المتوسط
وتعليقاً على اتفاق تعيين الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، رأى أستاذ القانون الدولي العام في مصر، أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تركيا "تيقنت في عام 2019، بأن هناك خناقاً عليها من دول شرق المتوسط، وهي الدولة التي تملك أطول سواحل في شرق المتوسط ولا تستطيع الصيد مثلاً أو القيام بأعمال البحث والتنقيب إلا في نطاق شريحة مائية ضيقة أمام سواحلها فقط، ولذا قامت بإبرام الاتفاقية "الشاذة" مع حكومة الوفاق الليبية في 2019، حتى تخلق لها مناطق للاختصاصات البحرية شرق المتوسط".
وأضاف سلامة أن تركيا "تصدر بين الحين والآخر، إنذارات وإخطارات بحرية لدول المنطقة في مناطقها الاقتصادية الخالصة مثل قبرص واليونان ومصر، فضلاً عن المناورات العسكرية". وبرأيه، فإن "ذلك يكشف أن تركيا تريد الجلوس على طاولة المفاوضات مع باقي دول شرق المتوسط، سواء كانت متقابلة أو متجاورة معها، من أجل تعيين الحدود البحرية وتحقيق الانتفاع الشرعي بالمناطق الاقتصادية والجرف القاري مع هذه الدول".
وتابع سلامة أن مصر من جهتها قامت ببعض التحركات القانونية، تضمنت "رصداً شاملاً للانتهاكات التركية والاحتجاج عليها لدى لجنة البحار والمحيطات في منظمة الأمم المتحدة".