تشهد محافظة نينوى، شمالي العراق، حراكاً سياسياً واسعاً ومبكراً استعداداً للانتخابات المحلية المقررة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، والتي ستُنتج الحكومات المحلية في المحافظات العراقية المختلفة، وفقاً للدستور، الذي منح تلك الحكومات صلاحيات واسعة لإدارة شؤونها.
وتختلف ردود فعل سكان نينوى وعاصمتها الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد من جهة عدد السكان، إزاء المظاهر الانتخابية التي يرونها مبكرة جداً، والتي بدأت ملامح المال السياسي والنفوذ الحكومي والمسلح تظهر فيها بشكل واضح.
وتتنافس القوائم الانتخابية على 31 مقعداً في انتخابات نينوى، موزعة على عدة مدن، أبرزها الموصل والبعاج والحضر وربيعة وتلعفر وسنجار وتلكيف والحمدانية ومناطق سهل نينوى، منها 3 مقاعد للأقليات الموجودة في المحافظة التي تزخر بتنوع ديني واسع.
دخول فصائل مسلحة على خط انتخابات نينوى
وبدا واضحاً دخول عدد من الفصائل المسلحة الناشطة في نينوى على خط الانتخابات، عبر تشكيل قوائم انتخابية مختلفة، وتحت تسميات عديدة. واستغل بعضها انتشاره العسكري في الموصل ومناطق أخرى من المحافظة الحدودية مع سورية وتركيا من أجل الترويج المبكر للانتخابات، ومنها مليشيات "بابليون"، و"الشبك"، و"بدر"، و"عصائب أهل الحق"، عبر شخصيات مرتبطة بها.
ترشيح مسؤولين لأقاربهم في انتخابات نينوى
في المقابل، برزت ظاهرة ترشيح أبناء وأشقاء المسؤولين والسياسيين السابقين والحاليين بالمحافظة، أبرزهم حسّان العباسي، نجل وزير الدفاع الحالي المتحدر من نينوى ثابت العباسي، وعبد الله النجيفي نجل محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي. كما قدّم القيادي في تحالف "عزم" والنائب الحالي أحمد الجبوري شقيقه الأصغر محمد الجبوري للترشح أيضاً، بالإضافة إلى تقديم نواب ومسؤولين آخرين أسماء من أفراد أسرهم، منهم نساء، سعياً للحصول على مقعد في مجلس المحافظة الجديد.
محمد غصوب: الانتخابات أبرزت وجود قوائم وأحزاب وهمية، وتوريث المناصب
إلى جانب ذلك، فإن الشعارات والطروحات المناطقية والقبلية دخلت في الانتخابات على غرار محافظات أخرى. لكن في الموصل، يظهر أن هناك من يرفع السقف أكثر بعبارات مثل "الموصل للموصليين"، و"الموصل لأهلها"، في عبارات يُفهم منها محاولة لجذب أصوات سكان المدينة، الذين غابوا عن المشهد، مقابل بروز شخصيات من ضواحي المدينة وقراها.
وقال النائب عن محافظة نينوى محمد نوري العبد ربه إنه "لا يوجد أي خيار للتغيير، ولو بشكل بسيط، نحو الأفضل، إلا عبر الانتخابات، والتي من خلالها يمكن أن تُشكل حكومة محلية قادرة على تلبية الحد الأدنى من مطالب المواطنين، التي تنحصر في الأوضاع المعيشية، والبطالة وتعويض المتضررين، وتنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات الضرورية"، مؤكداً أن "مقاطعة هذه الانتخابات ستزيد من مشاكل نينوى ولن تحلها".
في المقابل، أكد مراقبون أنه لا مشكلة قانونية في محاولة ترشيح بعض المسؤولين والسياسيين مقربين لهم للانتخابات المقبلة، لكن المشكلة تكمن في استغلال المال السياسي والنفوذ في الدولة لتحقيق ذلك.
نسب متدنية لتحديث سجلات الناخبين في نينوى
وقال رئيس مركز "رصد للدراسات" في محافظة نينوى محمد غصوب، لـ"العربي الجديد"، إن "نسب تحديث سجلات الناخبين في نينوى، لا سيما في مدينة الموصل، متدنية، في دليل على عدم الرغبة في المشاركة في الانتخابات".
وبيّن أن سبب العزوف يرجع لفقدان نينوى غطاءها السياسي منذ تحريرها في العام 2017، حيث إن الجهات السياسية والمرشحين للانتخابات عادة ما يتبعون لجهات سياسية من خارج نينوى، ولا تعبر عن الرؤية السياسية للمحافظة على مستوى العراق.
وأضاف غصوب أن "الانتخابات المحلية المقبلة في نينوى أبرزت ظاهرتين، الأولى وجود قوائم وأحزاب وهمية، والثانية توريث المناصب السياسية والإدارية". وأشار إلى أن "الكثير من القوائم والأحزاب وُجدت في فترة الانتخابات وستختفي بعدها، حيث إنها ستكون تابعة لأحزاب كبيرة، أو فصائل مسلحة".
ولفت إلى أن هدف تلك القوائم "الوهمية" تشتيت الأصوات ومحاولة الحصول على مقعد إضافي يعزز مقاعد الحزب، أو التحالف الكبير الداعم للحزب الموسمي المشكل في فترة الانتخابات فقط.
وتابع أن "اللافت هو محاولة بعض الزعامات السياسية الدفع بأبنائهم وإخوانهم وأقاربهم في الانتخابات المحلية، من أجل الحصول على مناصب في الحكومة المحلية المقبلة". وبيّن أن المشكلة تكمن في أن الكثير من القيادات السياسية ستلجأ لاستغلال نفوذها في الدولة والمال السياسي، وتبعية بعض الدوائر الحكومية لها والحشود المحلية في دعم وصول المرشحين "الورثة" إلى المناصب المهمة.
محمد عزو: الناخب في نينوى يهتم بقدرة المرشحين على تلبية متطلباته في المرحلة المقبلة
وأوضح غصوب أن الملاحظ في الانتخابات أيضاً استخدام الوعود بالتعيينات الحكومية في دوائر مختلفة والشمول بالرعاية الاجتماعية، وذلك عبر مسؤولي القوائم والتحالفات الذين يمتلكون مناصب في الدولة العراقية.
توريث الزعامات يبرز أهمية الانتخابات في نينوى
وأكد الناشط السياسي في الموصل سعد الوزّان أن ظاهرة توريث الزعامات السياسية خلال الانتخابات المحلية تعكس أهمية الانتخابات والمناصب المحلية لبعض السياسيين، والتي من شأنها تعزيز نفوذهم الحالي.
وقال الوزّان، لـ"العربي الجديد"، إن "بعض السياسيين يعلمون جيداً أهمية مجالس المحافظات، والتي من شأنها السيطرة على القرار الإداري في المحافظة، لذلك قدم بعض السياسيين والنواب والمسؤولين أقاربهم وأبنائهم في الانتخابات المحلية".
ولفت إلى أن "بعض القوى السياسية لم تعد تثق بالمرشحين الذين ينتقلون من كتلة إلى أخرى بعد الفوز في الانتخابات، فلذلك بدأت بالاعتماد على مرشحين مقربين لهم، وقدمتهم كمرشحي الصف الأول في القوائم والتحالفات المشاركة في انتخابات المجالس المحلية".
وأشار إلى أن ضعف المشاركة المتوقعة لأهالي الموصل في الانتخابات يرجع لغياب أي كتلة تمثل تطلع وطموح ومشروع نينوى، كون جميع الكتل الحالية تدار من خارج المحافظة، مؤكداً أنه في حال وجود كتلة تمثل بحق أهالي نينوى "طموحاً، ومشروعاً، وقيادة" فستكون نسب المشاركة في الانتخابات كبيرة جداً، وربما ستكون الأولى على مستوى العراق.
اهتمام الناخب بقدرة المرشحين على تلبية متطلباته
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو لا يتفق مع ما طرح سابقاً بشأن أسباب عزوف أهالي نينوى عن المشاركة في الانتخابات. وقال عزو، لـ"العربي الجديد"، إن "ارتباط الكتل السياسية في نينوى حالياً بقيادات من خارج المحافظة أمر لا يهتم به الناخب في نينوى بقدر اهتمامه بقدرة المرشحين على تلبية متطلباته في المرحلة المقبلة".
وعن نسب المشاركة في الانتخابات، توقع عزو أن تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة متوسطة من الناخبين، ربما تصل إلى 50 في المائة. وقال إنه "رغم صعوبة تقدير نسب المشاركة حالياً، لكن من المتوقع أن تتصاعد تلك الاحتمالات كلما اقتربت الانتخابات، وذلك لأن المجتمع المحلي في نينوى بات يؤمن بالخيار السياسي حلاً وحيداً لمشاكل المحافظة دون أي حلول أخرى".
وأشار عزو إلى أن ظاهرة التوريث السياسي تبدو حاضرة في الانتخابات المحلية المقبلة في نينوى. وبين أن هذه التجربة هي استنساخ للتجربة الكردية (الحزبين الكرديين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني) والشيعية (ائتلاف دولة القانون وتيار الحكمة) في توريث الزعامات السياسية.
ورجح عدم نجاح هذه التجربة في نينوى والمناطق ذات الغالبية العربية السنية خلال المرحلة المقبلة، رغم أن بعض القادة السياسيين يحاولون تقديم مرشحين من أقاربهم لقدرتهم على تقديم الدعم المالي والمعنوي اللازم لنجاحهم في الانتخابات.