حسمت الحكومة المصرية، الإثنين الماضي، تقاطع الاختصاصات بين وزارة الصحة وصندوق "تحيا مصر" في ملف جمع التبرعات من البنوك والجهات المختلفة ورجال الأعمال، لتمويل شراء الكميات المطلوبة من لقاحات فيروس كورونا.
وأسندت الحكومة الملف كاملاً للصندوق، بعيداً عن السلطة التنفيذية، ممثلة في الوزارة، بعد نحو ستة أشهر من اشتراك الجهتين في جمع التبرعات لهذا الغرض، وذلك على خلفية رفض بعض رجال الأعمال التبرع للصندوق مباشرة، واشتراط التبرع للوزارة، وتوقيع اتفاقيات معها تضمن توزيع نسبة من كميات اللقاح التي تساهم تبرعاتهم في شرائها على العاملين في مؤسساتهم وشركاتهم، كما حدث مع رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وعدد آخر من رجال الأعمال، الذين كانوا يعتبرون أن التعامل مع وزارة الصحة سيكون أكثر مؤسسية، وسيمكنهم أيضاً من تحقيق استفادة مباشرة فور تلقي اللقاحات المطلوبة.
يحظى صندوق "تحيا مصر" حالياً بوضع خاص مستقل عن الحكومة
وأبرز شخصية في إدارة الصندوق حالياً هو اللواء محمد أمين نصر، أمين اللجنة التنفيذية للصندوق، التي يرأسها حالياً اسمياً رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي باعتباره الوزير المختص بحقيبة الاستثمار. ونصر هو العنصر الوحيد الباقي في إدارة شؤون الصندوق منذ إنشائه حتى الآن، مع توسيع صلاحياته بصورة كبيرة، وهو الذي يشغل أيضاً منصب المستشار المالي للرئيس عبد الفتاح السيسي منذ يونيو/ حزيران 2019، وقبلها كان مساعد وزير الدفاع ورئيس الهيئة المالية للقوات المسلحة. ويعرف نصر بأنه مسؤول عسكري منضبط وغامض وموثوق للسيسي، ويعتمد على عدد من العسكريين الحاليين والسابقين في عمله اليومي، عاكساً بصدق الإدارة المباشرة للرئاسة والجيش للصندوق منذ بداية تأسيسه في يونيو 2014.
وأكسب النظام الصندوق واجهة "شابة"، تتجسد في تعيين عدد من ضباط الجيش الشبان خريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، التابعين لمدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، في مناصب عديدة، منذ فبراير/ شباط 2020. كما تمت عسكرة منصب المدير التنفيذي للصندوق، حيث كان يتولاه عند التأسيس المصرفي المخضرم محمد حمدان العشماوي، ثم أبعد في وقت لاحق ليحل محله شاب مغمور يدعى إبراهيم كرم، ثم أسند حالياً إلى عسكري، هو المدير المالي والإداري للصندوق العميد تامر عبد الفتاح سلام، المختص بالترويج للمشاريع التي يدخل فيها الصندوق وأعماله المختلفة في وسائل الإعلام، وعلى رأسها مشروع إنشاء الشركة القابضة للصندوق.
وقالت مصادر حكومية إن جميع التبرعات التي سبق وتلقتها وزارة الصحة من رجال الأعمال، ستنتقل إلى صندوق "تحيا مصر"، الذي يحظى حالياً بوضع خاص مستقل عن الحكومة ولا يراقبه إلا رئيس الجمهورية مباشرة، وسيمول العمليات التي تقوم بها هيئة الشراء الموحد، التابعة عملياً للقوات المسلحة. وبالتالي فإن التعامل مع هذا الملف سيكون "عسكرياً من الألف إلى الياء"، وبصورة "ربما لا تحقق الفوائد المرجوة لرجال الأعمال"، بما يصعّب التكهن بمدى استعدادهم لإنفاق المزيد من الأموال في هذا الصدد. وأضافت المصادر أنه منذ فتح باب التبرع لتمويل شراء اللقاحات، كانت الشروط الوحيدة لرجال الأعمال المتبرعين حصولهم على نسبة لتلقيح العاملين لديهم وأسرهم، وفتح مراكز لقاح خاصة ببعض أماكن العمل، ومنحهم فرصة بيع نسب من اللقاح حال اتجاه الدولة رسمياً للبيع، كما كان مخططاً سلفاً، وأعلنته غير مرة وزيرة الصحة هالة زايد.
ويكرس هذا القرار الوضع الخاص للصندوق، الذي تلقى منذ بدء جائحة كورونا نحو مليار جنيه (نحو 64 مليون دولار) -بحسب المصادر- في صورة تبرعات، منها ربع مليار تقريباً بعد بدء حملة شراء اللقاحات. وبدأت التبرعات منذ رفع وتيرة الهجوم الإعلامي على رجال الأعمال بغية حثهم على المشاركة بالتبرع للصندوق في مارس/ آذار 2020 بعدما أعلن السيسي تخصيص جزء من أمواله للإنفاق على العمالة غير المنتظمة، وغيرها من أوجه الصرف الخاصة بالأزمة. وتلقى الصندوق تبرعات مباشرة من جهات ومستثمرين، كمجلس الشعب ومجلس الوزراء والمحافظين ومجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى ومشيخة الأزهر ومجلس الكنائس المصرية وهيئة قناة السويس، والعديد من رجال الأعمال، على رأسهم حسين صبور وشركة إعمار الإماراتية، وجاليات المصريين في الخارج. لكن عدداً من رجال الأعمال، الذين سبق وتبرعوا للصندوق منذ سنوات، فضلوا التبرع مباشرة لخزانة الدولة، كأسرة ساويرس التي تعهدت بدفع 100 مليون جنيه. وتكرر الأمر في ظل كورونا بتفضيل البعض التبرع لوزارة الصحة.
يدرس مجلس الدولة حالياً مشروعاً لتعديل قانون الصندوق لإعفائه من جميع الضرائب والرسوم
ويدرس مجلس الدولة حالياً مشروعاً لتعديل قانون الصندوق، وافق عليه مجلس النواب، نهاية إبريل/ نيسان الماضي، بإعفاء جميع عوائده ومداخيله، والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له، من جميع الضرائب والرسوم، أيا كان نوعها، وجميع رسوم الشهر العقاري والتوثيق، والرسوم الجمركية. كما ينص المشروع على عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة، ورسم تنمية موارد الدولة، والضريبة على القيمة المضافة، وأي نوع آخر من الضرائب والرسوم المفروضة حالياً أو التي تفرض مستقبلاً بقانون أو بقرار من الحكومة أو أي سلطة عامة أخرى، عدا ما يقرره قانون الضريبة على الدخل من ضريبة على عوائد أذون الخزانة والسندات، أو الأرباح الرأسمالية، الناتجة عن التعامل في هذه الأذون والسندات.