رسّخت القمة الافتراضية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي جو بايدن، مساء الثلاثاء، اعتقاد المحللين السياسيين الروس بأن الإدارة الأميركية تتجه لتوسيع دورها في التسوية الأوكرانية، بعد فشل القوى الأوروبية في تسوية النزاع الدائر في منطقة دونباس (تضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك)، الواقعة شرقيّ أوكرانيا، والموالية لروسيا، منذ أكثر من سبع سنوات.
وفي مقال بعنوان "الدروس الأوكرانية" نشر في صحيفة "كوميرسانت" الروسية، اليوم الخميس، اعتبر المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية (منظمة غير ربحية معنية بدعم اتخاذ القرار في مهام السياسة الخارجية الروسية)، أندريه كورتونوف، أن قمة بوتين وبايدن "جاءت صعبة" على الجانبين، نظراً لـ"تركيزها على الوضع في أوكرانيا بعد ازدياده سخونة إلى أبعد الحدود".
ورأى كاتب المقال أن "بوتين كان يدرك تماماً أن أي عملية عسكرية روسية على الأراضي الأوكرانية، أو حتى تغيير الوضع السياسي الراهن في دونباس، مثل اعتراف موسكو دبلوماسياً بـ"جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين"، قد يؤدي إلى فرض عقوبات غربية واسعة النطاق ومدمرة على الاقتصاد الروسي". بينما ما كان لبايدن إلا أن يدرك أنه في حال وقوع نزاع عسكري روسي-أوكراني واسع النطاق، "لن يكون بمقدور الولايات المتحدة حماية كييف، مثلما عجزت واشنطن عن حماية نظام الرئيس الأفغاني أشرف غني" أمام تقدم حركة "طالبان" في الصيف الماضي.
ولفت كورتونوف إلى أن الجانبين سعيا لتثبيت "خطوطهما الحمر" في أوكرانيا، متسائلاً عمّا "إذا كانا سيتمكنان من الوفاء بجميع "الواجبات" المتعلقة بأوكرانيا لإيصال خفض التصعيد إلى نقطة اللاعودة".
وتتلخّص "واجبات" الكرملين في خفض النشاط العسكري الروسي على امتداد الحدود الروسية الأوكرانية، واستئناف المفاوضات الرباعية حول دونباس في "إطار نورماندي"، يضم قادة روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا، مع إمكانية إشراك الولايات المتحدة فيها، الأمر الذي من شأنه أن يتيح لبايدن إعلان قمته مع بوتين "إنجازاً كبيراً في مجال السياسة الخارجية"، جنّب أوروبا وقوع حرب كبرى، وأكد قدرة الولايات المتحدة على تسوية مهام دولية صعبة عجزت عنها فرنسا وألمانيا.
أما "واجب" البيت الأبيض، فهو ضرورة إصدار رسالة واضحة إلى كييف، بأن "إدارة بايدن لن تدعم أي محاولات حل لمشكلة دونباس بالقوة"، وأنه في حال الإقدام عليها، قد يجد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، نفسه في وضع الرئيس الجورجي الأسبق، ميخائيل ساكاشفيلي، الذي بالغ في تقديره عام 2008 لاستعداد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لدعم تبليسي في المواجهة العسكرية مع موسكو.
بدوره، اعتبر رئيس تحرير موقع مركز "كارنيغي" في موسكو، ألكسندر باونوف، أن بايدن بات بعد القمة وكأنه "زعيم منع اندلاع الحرب"، إلا أن ذلك لا يعني تخفيضاً سريعاً للتوتر، ما دامت موسكو لم ترَ خطوات من قبل واشنطن على المسار الأوكراني، وفي مقدمتها التقدم في تحقيق اتفاقات مينسك للتسوية الأوكرانية.
وفي مقال بعنوان "المقاربة الأخيرة حيال مينسك: كيف أصبحت الاتفاقات مانعة للصواعق في العلاقات الروسية الأميركية؟"، نُشر بموقع "كارنيغي"، أمس الأربعاء، اعتبر باونوف أن بوتين أراد خلال قمته مع بايدن "تحويل تنفيذ اتفاقات مينسك من الأوروبيين والأوكرانيين إلى أميركا".
وأضاف أن "الأميركيين لا يريدون حرباً في أوروبا، باعتبارها منطقة مصالحهم ومسؤوليتهم بعد حربين عالميتين وأخرى باردة"، محذراً من أن "حرباً جديدة قد تؤدي إلى هزيمة الحليف الأوكراني، وضرورة الرد على روسيا رداً ساحقاً"، بينما سيكشف تعذر الرد العسكري وضعف مفعول العقوبات الضعف النسبي الأميركي للمرة الثانية خلال عام بعد الانسحاب من أفغانستان.
وخلص باونوف إلى أن "إعادة إحياء اتفاقات مينسك، بمشاركة واشنطن، لن تلحق ضرراً بصورة الولايات المتحدة، لكونها قد اعترفت بها سابقاً من دون الربط بالتهديدات النابضة التي يخلقها بوتين لأوكرانيا".
يذكر أن القمة الافتراضية بين بوتين وبايدن تركزت على الملف الأوكراني، وجاء انعقادها بعد موجة من التصعيد وحشد للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وتهديدات كشفتها وسائل إعلام غربية عن عقوبات أميركية جديدة محتملة ضد روسيا، قد تصل حد فصلها عن نظام "سويفت" العالمي للتحويلات المالية، ومنع تحويل الروبل الروسي إلى الدولار واليورو والجنيه الإسترليني، في حال غزوها أوكرانيا.