يبدو واضحاً أن توقيت اعتداء بئر العبد الإرهابي الذي أودى بحياة 18 فرداً من قوات الشرطة المصرية لم يكن عشوائياً ككل العمليات التي ينفذها تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، إذ تصادف مع وجود رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، في ضيافة الاستخبارات المصرية، وعلى طاولتهما يتصدر ملف الحدود بين غزة ومصر، وملاحقة العناصر التابعة للتنظيم.
فالتنظيم يرى في التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين "حماس" والاستخبارات المصرية، أنها تمثل تهديداً وجودياً له، وهذا ما أكده بالرد على الزيارة الأولى لوفد حركة "حماس"، بقيادة يحيى السنوار، في يوليو/ تموز الماضي، وذلك عبر تنفيذ اعتداء نوعي ضد قوات الجيش في ارتكاز البرث، ما أدى إلى إبادة كتيبة 103 صاعقة بأكملها. وبعد أن مرت 24 ساعة على تواجد هنية في ضيافة الاستخبارات، ضرب تنظيم "ولاية سيناء" غرب العريش رتلاً للشرطة المصرية، ما أدى إلى مقتل 18 شرطياً، بينهم 4 ضباط، وإصابة 12 آخرين بجروح متفاوتة، في هجوم هو الأعنف منذ اعتداء البرث الإرهابي مطلع يوليو الماضي، ما أثار التساؤلات حول توقيته، وخصوصاً أن التنظيم لم يبادر إلى شن هجمات ضد قوات الجيش والشرطة منذ أسابيع، رغم أن الحملة العسكرية التي تستهدف أماكن تواجد التنظيم في مدينة رفح مستمرة منذ ثلاثة أسابيع. فمن باب أولى، بالنسبة إليه، أن يوقف الحملة بهجوم كاسح على القوات في تلك المنطقة، وليس بعد أن تمكن الجيش من فرض السيطرة على مناطق واسعة من غرب رفح.
واختار التنظيم هدفاً سهلاً، هو عبارة عن دورية متحركة لمدرعات الشرطة ترافق سيارة التشويش على المتفجرات، تمشط بشكل اعتيادي الطريق الدولي. ويمكن خلال السير على الطريق من العريش وإليها رؤية دوريات الشرطة التي تمشط الطريق بشكل شبه يومي. ولم يتكلف "ولاية سيناء" سوى تفخيخ سيارة وتجهيز انتحاري، ومشاركة بضع عشرات من أفراده المنتمين إلى خلايا العريش، والذين نشطوا خلال الأشهر الماضية، بينما تحولت عملياتهم من جنوب العريش، الذي شهد هجوماً للجيش قبل أسابيع، إلى غرب المدينة حيث وقع الهجوم الجديد ضد الشرطة.
وتقول مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إن التنظيم "اتخذ عدة إجراءات يحاول من خلالها معاقبة حركة حماس على قرارها التفاهم مع مصر، بما يضمن الأمن على الحدود ومنع العناصر من التسلل من قطاع غزة وإليه"، على حد قولها. وأوضحت المصادر أن الإجراءات تركزت على منع تهريب أي بضائع يمكن أن تعود بالنفع على حركة "حماس" كتنظيم، أو كإدارة حكومية لغزة تستفيد منها من خلال الضرائب، وملاحقة أي مهرب يعمل في هذا الاتجاه. وأشارت إلى أن التنظيم حذر كل العاملين في التهريب على الحدود مع قطاع غزة من العمل لصالح "حماس" بأي شكل من الأشكال، مؤكداً أن المهربين لا يسعهم إلا الانصياع لأوامره. وما عزز هذا التصعيد بين الطرفين، ما جرى من تفجير انتحاري نفسه في قوة أمنية تابعة لحركة "حماس" على الحدود مع مصر بعد منعه من التسلل إلى سيناء، ما أدى إلى مقتل قائد ميداني في كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" وإصابة آخرين. إثر ذلك، شنت الأجهزة الأمنية في غزة حملة اعتقالات واسعة طاولت مناصري التنظيم في غزة، وشددت من إجراءاتها على طول الحدود بين غزة وسيناء، ما ضيق الخناق فعلياً على التنظيم خلال الأسابيع الماضية.
وفي التعليق على ذلك، يقول خبير عسكري متابع للشأن السيناوي، لـ"العربي الجديد"، إن التنظيم لا يمكنه السكوت عما يحصل من تفاهمات بين "حماس" والاستخبارات المصرية، إذ إن هدف الأخيرة من كل هذه التفاهمات هو تضييق الخناق عليه بشتى الوسائل، وخصوصاً أن الاستخبارات ترى في غزة متنفساً للتنظيم. وأكد أن "ولاية سيناء" سيسعى بكل ما أوتي من أدوات لتخريب العلاقة بين الطرفين، ومنع تطبيق التفاهمات، والتي من ضمنها تشغيل معبر رفح البري بين غزة ومصر، بما يشمل إيجاد حركة اقتصادية عبر المعبر تغيّر من الواقع الاقتصادي والإنساني في غزة. وأشار إلى أنه كلما تقدمت العلاقات بين "حماس" والاستخبارات المصرية سيتجه "ولاية سيناء" إلى المزيد من التصعيد في سيناء، ما يعني أن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد أحداثاً أمنية ستكون حائلاً أمام تطبيق التفاهمات، وهذا ما قد يضمن، من وجهة نظر التنظيم، تراجع "حماس" عن قبضتها الحديدية التي فرضتها على الحدود أخيراً.