بدأ العد العكسي لانتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ومعه التعداد الزمني لإمكان تأليف حكومة جديدة، الذي يسقط في التاريخ نفسه في حال لم يتمكن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من إنجاز عملية التشكيل، وهو السيناريو الأرجح، علماً أن هناك تعويلاً سياسياً تبعاً للتجربة اللبنانية على الربع ساعة الأخير، خصوصاً مع استمرار مساعي "حزب الله" لحلّ العقد الحكومية.
ولا يزال المشهد سوداوياً بشأن إمكان تأليف حكومة جديدة في ظل الخلاف المستمرّ بين الرئيسين، والصراع على الحصص الوزارية، واتهامات الرئيس عون المباشرة لميقاتي بأنه غير راغب في التشكيل، ويتقصّد عدم منح "التيار الوطني الحر" (برئاسة صهره النائب جبران باسيل) مطالبه الوزارية، في حين تلوّح أوساط ميقاتي التي تنأى بنفسها عن مسؤولية التعطيل، بأن لا أهمية لتشكيل حكومة، والعمل سيستمر بكل الأحوال، والأولوية يجب أن تكون لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
ويعزز سيناريو عدم التشكيل المواجهة، الخميس، بين عون وميقاتي، ومعايرة الأخير رئيس الجمهورية بعمره (89 عاماً)، في وقتٍ كرّر رئيس الجمهورية، الجمعة، تأكيده أن لا إرادة عند ميقاتي للتأليف، لكنه يعطيه فرصة حتى مغادرته قصر بعبدا الجمهوري، مجدداً التأكيد أنه على وشك توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة، في خطوة توضع في إطار الضغط السياسي لكي يقبل ميقاتي تشكيل حكومة تراعي وحدة المعايير، التي هي بالنسبة إلى عون ترك باسيل يختار الوزارات التي يريدها والأسماء الوزارية، على غرار ما فعل رئيس البرلمان نبيه بري وأحزاب أخرى، علماً أن باسيل يضغط لتعيين حزبيين في الحكومة الجديدة وتوسيع حصته وقراره فيها، باعتبار أنها ستتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية.
ويقول مصدرٌ في "حزب الله"، لـ"العربي الجديد"، إن "المساعي مستمرة لحل الخلافات بين عون وميقاتي وتقريب وجهات النظر، وعلى الطرفين أن يقدما التنازلات لأن الوضع لا يحتمل خلافات، والمشاورات ستبقى قائمة حتى اللحظة الأخيرة".
لكن ماذا في حال وقع عون مرسوم قبول استقالة الحكومة، في سابقةٍ لم تحصل في البلاد، بينما يلوح "التيار الوطني الحر" أيضاً بأنه لن يسمح لحكومة تصريف الأعمال بأن تتسلم صلاحيات الرئيس، وسيلجأ إلى وسائل دستورية لقطع الطريق عليها، فهل سيكون لبنان أمام فوضى دستورية سبق أن رفع عنوانها باسيل وأكد ضرورة تلقفها بتشكيل حكومة جديدة؟
بداية، يقول الوزير اللبناني الأسبق المحامي رشيد درباس، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس المكلف لم يقدّم استقالته حتى يقبلها رئيس الجمهورية، إذ إن استقالة حكومة نجيب ميقاتي ليست عملاً إرادياً إفرادياً تم من قبل رئيس الحكومة بل هي استقالة بحكم الدستور الذي نصّ على حالات تعتبر فيها الحكومة مستقيلة من خارج إرادة رئيسها".
ويلفت درباس إلى أن "الحكومة تعتبر مستقيلة في حال مات رئيسها، أو انتخب مجلس نيابي جديد، أو استقال أكثر من ثلث أعضائها، وهذه استقالة حكمية غير مرهونة بإرادة رئيس الحكومة، وعليه، فإن ميقاتي لم يقدم استقالته، وقبولها بالتالي في غير محله".
من ناحية ثانية، يشير درباس إلى أنه "بحكم الدستور والقانون، فإن الحكومة المستقيلة تبقى تصرّف الأعمال حتى تشكل حكومة جديدة، والدستور سواء عن قصدٍ أو عن خبرة فإنه أهمل أمر إدارة البلاد، فالمرفق العام لا يتعطل على الإطلاق، والدولة هي أكبر المرافق العامة، والحكومة هي التي تديرها، وعليه، فإن مسؤولية إدارة الدولة تبقى قائمة حتى تشكيل حكومة جديدة وكل قول آخر هو من خارج السياق".
ويردف درباس "رئيس الجمهورية عندما يقبل الاستقالة عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا الأمر بروتوكولي من أجل تشكيل الحكومة، كما أن رئيس الجمهورية لا يعيّن الرئيس المكلف، بل يجري الاستشارات النيابية الملزمة، ويوقع مرسوم تشكيل الحكومة، لكنه لم ينشئ هذه الواقعة بل أعلنها وذلك إفصاحاً عن إرادة مجلس النواب الذي اختار هذه الشخصية لتكليفها بتشكيل الحكومة، وعليه فإن قبول الاستقالة لا مفاعيل إنشائية له بل هو إعلاني فقط".
في السياق، يضع الوزير اللبناني الأسبق هذه المواقف في إطار الضغط لتحصيل المطالب الحكومية وفي خانة المناكفات السياسية، ويرى أنه عندما يعلن عون رفض تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته فقد أصبح الموقف شخصياً، ومردّه الكيد السياسي لا الحنكة القانونية، ولا يغيّر في الأمر شيء لأن المرفق العام لا يتوقف.
ويرى درباس أن "هناك أطراً دستورية يمكن أن يلجأ إليها التيار الوطني الحر خصوصاً أنه يملك كتلة برلمانية وازنة، ويمكن أن يستقيل وزراؤه من الحكومة، لكن من المستبعد أن يتضامن معه حزب الله، الأمر الذي لن يؤثر على الحكومة، وفي حال جمّع الاستقالات المطلوبة، فإن الحكومة وإن لن تجتمع فكل وزير يقوم بعمله".
وباعتقاد درباس أن لا "أحد قادر على أخذ البلاد إلى مشاكل أمنية خصوصاً بعد توقيع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، باعتبار أن التوافق حصل نتيجة التقاء مصالح محلية وإقليمية وخارجية، هذا يعني وجود إرادات دولية كبيرة توافقت، والتوافق يعني أن المنطقة ذاهبة إلى استقرار لا إلى فوضى أمنية".
من جهته، يقول المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد"، إن "الدستور حدد الحالات التي تصبح فيها الحكومة مستقيلة حكماً أي تفقد كيانها الدستوري كحكومة عادية وتتحول تلقائياً إلى حكومة تصريف أعمال، ولكن إعلان هذه الحالة يتم بمرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية، يسمى مرسوم قبول استقالة الحكومة، وهذا المرسوم إعلاني وليس إنشائياً للحكومة المستقيلة بحكم الدستور متى ما وجدت في إحدى الحالات المنصوص عليها".
ويضيف "بالتالي، فإنّ إصداره مرسوم قبول استقالة الحكومة ليس من شأنه أن يغير شيئاً في الواقع القانوني أو العملي باعتبار أنها تبقى حكومة تصريف أعمال مستقيلة وعملاً بمبدأ عدم جواز الفراغ في المؤسسات الدستورية من جهة وعملاً بكون مرسوم قبول الاستقالة ليس من شأنه أن يحجب عنها حقها بتصريف الأعمال بكونها حكومة مستقيلة".
ويردف عزو "لكن الحكومة المستقيلة تفقد في المقابل حقها بإجراء أي أمر على الإطلاق بمجرد صدور مرسوم قبول تشكيل الحكومة التي تخلفها ومنذ هذه اللحظة لا يحق للحكومة القديمة أن تمارس أي أعمال، ولكن قبل تشكيل حكومة جديدة تبقى تصرّف الأعمال، وبالتالي إن تهديد عون بقبول استقالة الحكومة ليس من شأنه أن يحجب عنها أي صلاحيات".
ويرى عزو أنه "في ظل احتدام الصراع بينهما بشأن التشكيلة الحكومية والذي غالباً ما يكون على التسميات وتوزيع الحقائب الوزارية بين الكتل النيابية، يصبح لا مناصَ حينها من أمرين، إما الاتفاق في ما بينهما على تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج مجلس النواب طالما أجازت المادة 28 من الدستور مثل هذا الأمر الصحي في مثل هذه الحالة، وإما احتكامهما لمجلس النواب الذي يمثل الشعب، عبر إصدار رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة يوقع عليه معه الرئيس المكلّف بالصيغة التي اقترحها هذا الأخير وذلك لإراحة البلاد من هذه المشكلة بدلاً من أن تستمر في حالة الشلل الدستوري التام الذي تعانيه".
في المقابل، يتوقف عزو عند دور المجلس النيابي، الذي إما يكون موقفه مع ما توصل إليه الرئيس المكلَّف ولو لم يكن وفق ما ابتغاه رئيس الجمهورية، لتنصرف بذلك هذه الحكومة إلى حلّ المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية بعد نيلها الثقة، وإمَّا يكون موقف المجلس النيابي مع تطلّعات رئيس الجمهورية الذي لم يتوصل إلى اتفاق مع الرئيس المكلَّف وذلكَ بحجب الثقة البرلمانية عن حكومته العتيدة والعودة مجدداً إلى رئيس الجمهورية في هذه الحالة لإجراء استشارات نيابية جديدة تنتهي إلى تكليف رئيس جديد وفقاً لما تُسفر عنه الاستشارات النيابية الملزمة".