دان نشطاء سياسيون وحقوقيون تونسيون، التحشيد أمام منزل رئيس البرلمان التونسي رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، من طرف بعض معارضيه، معتبرين أنه انحراف خطير نحو العنف السياسي الذي سيفتح المجال لاستهداف الخصوم السياسيين وترويع عائلات المعارضين.
وشهد محيط منزل الغنوشي صباح أمس تجمعاً لعشرات الأشخاص المدعوين من هيئة "الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي"، للاحتجاج على عدم تحرك النيابة العمومية لمحاكمته. ورفع المحتجون شعارات تطالب بمحاكمة الغنوشي وكشف دوره المزعوم في اغتيال المعارضين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا عام 2013.
ودان حقوقيون ونشطاء سياسيون استهداف منزل الغنوشي والاعتداء على خصوصيته وحرمته وعائلته، محذرين من أن هذا السلوك سيفتح الباب على مصراعيه لاستهداف الخصوم وتصفية المعارضين مهما كانت انتماءاتهم.
من جانبه، أكد الناشط السياسي عضو تنفيذية حراك "مواطنون ضد الانقلاب" لمين البوعزيزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، خطورة مثل هذه الممارسات، مشيرا إلى أن "من كانوا يقيمون المنادب في 2012 رفضا لما كان يعرف بروابط حماية الثورة يعيدون إنتاج ما كانوا يدينونه سابقا، وهو ما يبين أنهم لم يكونوا مبدئيين".
وأوضح البوعزيزي، أن الأمر لا يتعلق بكشف حقيقة اغتيال البراهمي وبلعيد؛ بل إن "هناك توظيفا للملف بهدف الانقلاب على الديمقراطية. المستهدف هو الإسلام السياسي. هؤلاء يقومون بدور مليشياوي لإزاحة الإسلاميين". وأضاف "لم يستفيدوا من درس التسعينيات، حين انقض بن علي وتمكّن من الإسلاميين، ولكنه سرعان ما التهم الجميع، أحزابا ونقابات وإعلاما، بعد ذلك".
وشدد على أن "هذه المليشيات تعيد نفس السيناريو، وهم أقرب للبوليس السياسي المساعد للانقلاب على أي حلم ديمقراطي في تونس، وهم معاول لهدم التجربة التونسية مدفوعة من الخارج لوأد حق العرب في ممارسة الديمقراطية".
بدوره، قال أمين عام "الحزب الجمهوري" عصام الشابي، إن "ما يحدث في تونس لا يمكن ولا يجب السكوت عنه. وكما وقفنا بكل قوة في وجه ما سمي بلجان حماية الثورة وترويعها الخصوم السياسيين وتهديدهم، لا يمكن أن نقبل اليوم بالانحراف المليشياوي لبعضهم تحت أي غطاء كان".
وأكد الشابي في منشور له عبر "فيسبوك"، رفص كل القيم الحقوقية والإنسانية التحشيد والتجمهر أمام منزل الخصوم السياسيين، لأن ذلك يدفع نحو الاحتراب الأهلي ويخرج العملية السياسية من مجال التنافس إلى مجال المتاريس وخنادق الحرب الأهلية، مستنكرا وقوف السلطة على الحياد الذي يؤدي إلى تشجيع هذا التوجه والاستثمار فيه.
أما الأمين العام المساعد لـ"حزب التيار الديمقراطي" محمد الحامدي، فأكد حرمة البيوت، مشيرا في منشور له عبر "فيسبوك"، إلى أن مكان التظاهر هو الفضاء العمومي.
وقال الناشط أنور القوصري عبر صفحته على "فيسبوك"، إن التحشيد أمام منازل الخصوم السياسيين هو انحراف خطير وسلوك مليشياوي لا تبرره حدة الخلافات مهما عظمت، مبينا أن هذا التوجه يمكن أن ينتج عنه انتهاك للسلامة الجسدية، مؤكدا خطورة انزلاق خطاب التحشيد إلى ما يجعل من الصعب كبحه حتى بالنسبة للداعين له.
بدوره، قال القيادي في حراك "مواطنون ضد الانقلاب" الحبيب بوعجيلة عبر حسابه على "فيسبوك" متهكما، "سوف يصبح ضروريا في مكاتب الأحزاب والتنظيمات المتصارعة وجود عناوين منازل عائلات الخصوم السياسيين، فيما ستكون مظاهرات الأحزاب والجمعيات في المستقبل أمام منازل خصومهم، وسوف يكون كل حزب مضطرا إلى توفير سكن لأنصاره في منزل رئيسه ليتصدوا للمتظاهرين الخصوم. هذا البلد ينحدر إلى الجحيم بلا دولة".
وطالبت "حركة النهضة" رئاسة الجمهورية ووزارتي الداخلية والدفاع بتحمل مسؤولياتها القانونية في حماية أنصارها ومقارها ورئيسها، بحسب بيان صادر عن الحركة.
وقال مساعد رئيس البرلمان والقيادي في "حركة النهضة" ماهر مذيوب في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الغنوشي لم يصبه أي مكروه؛ وهو في مكتبه وبيته"، مبينا أن الغنوشي واجه عبر مسيرته الممتدة لأكثر من عقود "حملات من الشيطنة والتشويه والترذيل من بعض عتاة الأيديولوجيات المتطرفة والمتشددة"، ولكنه يواجه كل ذلك بـ"الترفع والسمو عن الصغائر وصغار النفوس"، بحسب توصيفه.